هل تهدد العولمة الاستقرار في أوروبا؟
انتقد رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني الحاكم فرانتس مونتيفيرنغ ما أسماه باستغلال الكثير من رجال الأعمال للسوق من أجل تحقيق الربح الفاحش، إذ قال: "إن بعض من المستثمرين يحاول الانقضاض على الكثير من الشركات من أجل إذابتها والسيطرة عليها سعيا للحصول على الربح المرتفع جدا واحتكار السوق." ويقصد مونتيفيرنغ بالدرجة الأولى رأس المال الخاص المرتبط بالاستثمارات الأجنبية في البلاد. هذا الانتقاد أثار ضجة كبيرة من النقاش حول ما إذا كانت العولمة والشركات الرأسمالية ذات الربح الخاص سببا في ارتفاع نسبة البطالة بشكل قياسي.
غضــــب أوروبــــي
قد تكون الأصوات المنتقدة للرأسمالية والعولمة في ألمانيا مرتفعة، إلا أن الحال لا يختلف عنه في دول الجوار، حيث بدأ الانتقاد للنظام الرأسمالي والشكوك بفاعليته تزداد حدة في دول أوروبا، وهنا يقول الخبير الاقتصادي في اتحاد النقابات العمالية الأوروبية رولاند يانزن بأن "التهديد القائم من خلال نقل العمالة إلى الخارج سوف يضطر العمال على القبول بأجور عمل متدنية جدا. وهذا ما يساعد الشركات التي تقوم إيضاً بتقليص العمالة في الوصول إلى الربح الفاحش الذي يتمتع به الكثير من الرأسماليين في هذه الأوقات."
ويشار إلى أن النقاش في الكثير من الدول الأوروبية يدور حول ما إذا كان يجب الحد من نفوذ الرأسمالية واستغلال السوق من قبل فئة صغيرة، حيث يقول يانزن بأن إيطاليا مثلا تعاني من مشكلة الأيدي الشابة العاملة والتي تتقاضى أجورا متدنية إضافة إلى عدم حصولها على الكثير من الحقوق الاجتماعية. ويضيف بأن بريطانيا أيضا تعاني من مشاكل الرأسمالية قائلا: "إن الناس في بريطانيا يشعرون بقلق حول نقل المؤسسات الخدماتية من بريطانيا إلى الخارج، كالبنوك ومراكز الخدمة الهاتفية (Call-Center) لأن هذه المؤسسات تجلب الدخل الكبير للبلاد."
خبرة طويلة وانفتاح أكبر
أما الوضع في فرنسا فلا يختلف عنه كثيرا من حيث الانتقاد للعولمة ولأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، هذا الانتقاد الفرنسي سبق الانتقاد الألماني في هذا المجال. وقد ارتبط هذا بطرح الكثير من المشاكل الاجتماعية، ويعتبر الشارع الفرنسي من جهته أن البطالة على رأس الهواجس التي تحكم مواقفه من المشاكل اليومية. ولانتقاد الاقتصاد الحر في فرنسا جذوره حيث يعتبر الفرنسيون ذو خبرة طويلة في مجال العولمة وتسريح العمال بشكل كبير. ويقول هينريك أونترفيدي نائب رئيس المؤسسة الفرنسية- الألمانية، التي تعنى بالمشاكل الاجتماعية في فرنسا، "إن 40% من رأس المال لأهم 40 شركة توجد في يد مستثمرين أجانب، بينما في ألمانيا تتراوح النسبة ما بين 10 إلى 15%."
ويرى الخبير الاقتصادي أونترفيدي أن الانتقاد الفرنسي للرأسمالية أوسع نطاقاً مما هو الحال لدينا. ففي ألمانيا يُعالج الموضوع عن طريق المؤسسات الرسمية وكذلك على طالة مستديرة مع اتحاد النقابات العمالية. أما في فرنسا فهو موضوع يتناوله الشارع إلى جانب هذه المؤسسات. وينطوي هذا الانفتاح الفرنسي على مشاركة القاعدة الشعبية الفاعلة في نقاش ومعالجة المشاكل الاقتصادية.
العولمة والوطن العربي
لا يمكن حصر العولمة ومشاكل الرأسمالية في أوروبا فقط. فقد وصل انتقاد اقتصاد السوق الحر والرأسمالية إلى الوطن العربي الذي يعاني أصلا من الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. ويأتي في مقدمتها نسبة البطالة العالية. ومن أجل مواجهة هذه المشاكل تحتاج الأسواق العربية إلى تكامل اقتصادي يُبنى بشكل تدريجي على أساس خطط وإستراتيجيات واضحة ومدروسة. من جهة أخرى فإن الكثير من الخبراء الاقتصاديين ينصحون بتفعيل القطاع الخاص إضافة إلى إشراك الفقراء في الحياة الاقتصادية.
ويعترف الكثير من المحللين بوجود هوة كبيرة بين دول العالم، فبينما يموت الآلاف جوعا في الدول النامية، يعيش الملايين في العالم في حالة تخمة. ولذا فينصح الخبراء بتركيز الدول النامية على التعليم والتدريب إضافة إلى وضع برامج وسياسات واقعية للخروج من هذا المأزق. فبرغم أن العولمة ساعدت على النمو الاقتصادي في الكثير من الدول إلا أنها عملت في المقابل على ارتفاع نسبة البطالة في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
زاهي علاوي