هل تغير تركيا سياستها تجاه اللاجئين السوريين وتعيدهم لبلدهم؟
٢٩ سبتمبر ٢٠٢١عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، أظهرت الحكومة التركية تعاطفها السخي مع السوريين الباحثين عن الحماية. وبررت أنقرة نهجها آنذاك بأن النظام السوري ينتهك حقوق الإنسان ولذلك لابد من حماية اللاجئين السوريين. ورغم تحذيرات المعارضة التركية من أن هذه الخطوة قد تشكل تهديداً للسلام والازدهار، شرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نهج "سياسة الباب المفتوح" وبدأت تركيا بتطبيق"نظام حماية" يمنع ترحيل السوريين، ويوجب استقبالهم في مخيمات للاجئين وتزويدهم بالإمدادات الأساسية.
نتائج نهج سياسة " الباب المفتوح" تظهر بوضوح الآن. فوفقاً لوزير الداخلية التركي سليمان صويلو، حتى نهاية أغسطس/آب وصل عدد اللاجئين السوريين في تركيا إلى نحو 3.7 مليون لاجئ، نصفهم تقريباً، هم أطفال دون سن الـ18 عاماً. وتحظى إسطنبول بشعبية واسعة لدى اللاجئين السوريين. إذ يعيش نحو 530 ألف سوري في مدينة البوسفور وفقاً لهيئة الهجرة التركية.
سياسة اللجوء الليبرالية في تركيا لقيت انتقادات شديدة من قبل العديد من الخبراء الأتراك وبعض المعارضين، ففي البداية "لم تستطع تركيا إحصاء أعداد المهاجرين بشكل دقيق وأخطأت في تقدير تكلفة رعايتهم، ونتيجة لذلك أصبح استقبال اللاجئين قضية سياسية"، حسبما يرى حسين باغجي أخصائي العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة.
محطة عبور إلى أوروبا!
ومع مرور السنوات أصبح من الملفت للأنظار تزايد أعداد السوريين الذين انتقلوا إلى أوروبا. ففي عام 2015 وحده، وصل أكثر من 850 ألف شخص إلى اليونان، وفقاً للمفوضية الأوروبية. آنذاك كان على الاتحاد الأوروبي التحرك. لتوقع بروكسل وأنقرة اتفاقية الاتحاد الأوروبي وتركيا حول اللاجئين في مارس/آذار 2016. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تقليل أعداد اللاجئين الذين يأتون إلى الاتحاد الأوروبي عبر شرق البحر المتوسط.
ومنذ توقيع اتفاقية اللاجئين، تعيد السلطات اليونانية إلى تركيا المهاجرين، الذين يصلون إلى اليونان ولا يحق لهم اللجوء. ومقابل ذلك يقوم الاتحاد الأوروبي بإعادة توطين نفس العدد من السوريين الذين يحق لهم اللجوء، من المخيمات، إلى داخل دول الاتحاد الأوروبي. وإضافة إلى ذلك، وبموجب الاتفاق، دفع الاتحاد الأوروبي ستة مليارات يورو لأنقرة، لرعاية اللاجئين السوريين. ولم يكن هذا المبلغ كافياً بالنسبة للرئيس التركي. فتركيا أنفقت نحو 40 مليار يورو لرعاية اللاجئين السوريين في السنوات الثماني والنصف الماضية، حسبما أكد أردوغان مراراً وتكراراً.
منذ ذلك الحين ، أعادت السلطات اليونانية المهاجرين الذين وصلوا إلى اليونان إلى تركيا إذا لم يكن لديهم الحق في اللجوء. في المقابل، يقوم الاتحاد الأوروبي بإعادة توطين نفس العدد من السوريين الذين يحق لهم اللجوء من المخيمات إلى داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، وكجزء من الصفقة، دفع الاتحاد الأوروبي ما مجموعه ستة مليارات يورو لأنقرة لرعاية اللاجئين السوريين. وهذا لا يكفي بالنسبة للرئيس التركي: فقد أكد أردوغان مرارًا أن تركيا أنفقت بالفعل 40 مليار يورو على اللاجئين السوريين في السنوات الثماني والنصف الماضية.
حلّ المشكلة "ليس بالمال"!
انتقد باغجي أخصائي العلاقات الدولية اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع تركيا، مشيراً إلى أن "الاتحاد الأوروبي يريد حل المشكلة بدفع المال لتركيا، لكن تركيا لا تستطيع تحمل عبء اللاجئين السوريين وحدها". وبالنسبة لمراد أردوغان خبير الهجرة في الجامعة الألمانية التركية في إسطنبول، فإن اعتماد أوروبا على المساعدات المالية للحد من تدفق اللاجئين ليس صحيحاً إذ يقول "لقد انتهج الاتحاد الأوروربي سياسة خاطئة وهو الآن يواصل المفاوضات المالية مع أنقرة". ويرى مراد أردوغان، الذي لا يمت للرئيس التركي بصلة قرابة، إن الحل الملائم هو إنشاء "آلية دعم وتعاون" بمساعدة ملموسة.
تحول المشاعر تجاه اللاجئين!
مؤخراً، وحسبما يبدو، فإن تركيا تراجعت عن نهج سياسة التعاطف السخي مع اللاجئين. ويرجع السبب في ذلك إلى التراجع الشديد في مشاعر القبول لدى المواطنين الأتراك تجاه اللاجئين.
تزايد رفض المهاجرين في تركيا له أسبابه، ولعل أهمها هو هبوط الليرة التركية والأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا منذ خريف 2018. وهو ما يزيد من مخاوف السكان في البحث عن لقمة العيش وتأمين حياتهم. ويسعى حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب معارض في تركيا، إلى استغلال ورقة اللاجئين لكسب المزيد من المؤيدين. وأكبر دليل على ذلك لهجته الصارمة تجاه اللاجئين. إذ أعلن كمال كيلتشدار أوغلو، زعيم المعارضة التركية ورئيس حزب الشعب الجمهوري، أنه سيعيد جميع اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، في حال وصول حزبه إلى السلطة في الانتخابات المقبلة.
ليزداد بذلك، الضغط على سياسة أردوغان تجاه اللاجئين. ففي تصريحاته الأخيرة، قال الرئيس أردوغان "نحن على علم تام بالاضطرابات في المجتمع". بدوره أعلن مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، أن تركيا تريد التشاور مع الأمم المتحدة بشأن إعادة السوريين إلى بلدهم. كما أشار المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جيليك مؤخرًا إلى مفاوضات قد تكون تحولًا في مسار سياسة اللاجئين لكن حتى الآن "لا يوجد قرار ملموس"، يقول جيليك، مشيرا إلى "ضرورة التحدث مع الأردن والعراق ودول أخرى لتغيير سياستنا".
ادماج بدلاً من الترحيل
ويرى مراد أردوغان، خبير الهجرة في الجامعة الألمانية التركية في إسطنبول، أن الجدل القائم حول إمكانية إعادة السوريين إلى بلدهم يعود إلى تهديدات المعارضة. إذ ترغب الأخيرة في الضغط على الحكومة باسلوب شعبوي بحت، حسبما يرى أردوغان. إذ من غير الممكن توقع عودة "650 ألف طفل سوري ولدوا في تركيا و 770 ألف طفل، يتلقون تعليمهم في المدراس التركية، بشكل طوعي أو حتى إجبارهم على العودة". وطالب أردوغان بالتعامل مع ذلك بشكل مختلف وهو ما يتطلب تدابير اندماج فعالة.
هلال كويلو/ د.ص