هل تعود نفرتيتي "البرلينية" إلى أرض الفراعنة؟
٢٢ ديسمبر ٢٠٠٩منذ أن اكتشف الألماني لودفيغ بورشرت رأس الملكة نفرتيتي، زوجة الملك الشهير إخناتون، عام 1912 وهي محل نزاع بين مصر وألمانيا. وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت أصوات مصرية تطالب باستعارة التمثال لعرضه في المتحف المصري الجديد الذي سيقام بالقرب من أهرامات الجيزة، أما الآن فإن القاهرة تريد أن تقدم طلباً رسمياً بعودة تمثال زوجة الملك إخناتون؟ ماذا حدث؟ هل من وثائق جديدة؟
زاهي حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، يجيب على هذه الأسئلة في حديث تليفوني لـ"دويتشه فيله" بقوله إن البروتوكول الذي سلمته إياه مديرة المتحف المصري في برلين يبين أن نفرتيتي خرجت من مصر عن طريق "التدليس". ويوضح حواس ذلك قائلاً: "لقد سجل بورشرت هذا الأثر على أنه من الجبس، وأنه لأميرة مصرية. لكن تمثال نفرتيتي عبارة عن رأس لملكة مصرية، ومصنوع من الحجر الجيري المغطى بالجبس"، ويضيف حواس أن بورشرت كتب هذا الوصف لوجود اتفاق يقضي باحتفاظ مصر بالآثار القيمة وأن "تُعطى الآثار المصنوعة من الجبس لألمانيا. وبالتالي حصل تدليس وخرجت رأس نفرتيتي بطريقة غير أخلاقية".
تدليس، أم وثائق لا يرقى الشك إليها؟
ويذكر زاهي حواس في حديثه لـ"دويتشه فيله" سبباً آخر يدعوه إلى اتهام بورشرت بالتحايل للحصول على تمثال نفرتيتي، وهو إخفاء هذه الرأس الثمينة بعد وصولها ألمانيا لمدة عشر سنوات، قبل أن يوافق بورشرت على عرضها في برلين عام 1924. وكان الرئيس المصري حسني مبارك قد ذكر في مناسبات مختلفة تناولتها وسائل الإعلام أن نفرتيتي بمثابة "سفيرة فوق العادة" لبلاده في العالم، فهل تغير الموقف المصري الآن؟ غير أن حواس يدعي أن "الرئيس مبارك لم يعلن هذا مطلقاً. هذا لم يحدث."
الجانب الألماني لا يرى ضرورة للتحرك، إذ أن مصر لم تتقدم حتى الآن بطلب رسمي لاستعادة رأس "جميلة الجميلات". وتؤكد رئيسة قسم المصريات في متحف برلين، الدكتورة فريدريكا زايفريد، أن الوثائق التي تحتفظ بها المؤسسة البروسية للإرث الثقافي، مالكة التمثال، تبين على نحو لا يدع مجالاً للشك بأن ألمانيا قد امتلكت نفرتيتي بطريقة مشروعة. وتقول زايفريد في بيان صحفي نُشر عن رحلتها إلى القاهرة بأنها لم تتناول في محادثاتها مع زاهي حواس في القاهرة موضوع نفرتيتي، بل كان هدف المباحثات مناقشة سبل التعاون بين ألمانيا ومصر في مجال الآثار.
"الجميلة أتت"
وكان المنقّب الألماني لودفيغ بورشرت قد جاء إلى مصر عام 1912، وحصل على إذن بالتنقيب في وسط مصر بمنطقة تل العمارنة، التي كانت تسمى في مصر القديمة "آخيت آتون"، وهي المدينة التي حكم منها الملك الشهير إخناتون، أول الموحدين في الأرض. آنذاك كانت اللوائح تنص على تسليم التحف الممتازة إلى مصر، ثم اقتسام الآثار الأخرى بين المكتشف والمتحف المصري في القاهرة. وفي يوم السادس من ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه حالف الحظ المكتشف الألماني خلال حفرياته في تل العمارنة، إذ عثر على هذه الرأس الرائعة لنفرتيتي، التي يعني اسمها "الجميلة أتت". خلبَت الرأس لبَ بورشرت، فكتب في دفتر يومياته يقول: "التمثال رائع، ولا يمكن وصفه. لا بد من رؤيته." بعد ذلك – حسب الرؤية الألمانية - تم اقتسام الآثار المكتشفَة وكانت الملكة الجميلة من نصيب برلين. وقد تم عرض كافة المكتشفات عام 1913 في معرض كبير، باستثناء نفرتيتي التي لم تعرض إلا في عام 1924. منذ ذلك الحين والبرلينيون يعتزون اعتزازاً خاصاً بها، ويعتبرونها "أقدم مواطنة برلينية".
الجهود المصرية لم تتوقف منذ العشرينات عن استعادة رأس نفرتيتي أو على الأقل استعارتها لعرضها في مصر، لكنها جميعاً باءت بالفشل. مرة واحدة كادت نفرتيتي تصل إلى مصر، والغريب أن هيرمان غورينغ تحديداً هو الذي استجاب للطلب المصري عام 1933 عندما كان رئيس الوزراء في بروسيا، غورينغ الذي لعب دورا غير مسبوق في السنوات التالية في نهب كنوز أوروبا الفنية. غير أن "الفوهرر" هتلر، المعجب بسيدة برلين، اعترض على إعادة التمثال، لأنه أراد أن تكون الملكة المصرية درة لمتحفة في العاصمة الجديدة "جرمانيا" التي ينوي تأسيسها.
هذه "الجميلة التي أتت" إلى العاصمة الألمانية تُعرض الآن في مكان لائق بها في المتحف المصري الجديد في قلب برلين. ويحذر المتخصصون من أن تحريك التمثال من مكانه قد يضر به لأنه حساس وهش. فهل ستبقى نفرتيتي في برلين، أم سيسفر الطلب المزمع تقديمه إلى عودتها إلى أرض النيل؟
الكاتب: سمير جريس
مراجعة: سمر كرم