هل تعصف رياح أزمة الديون العالمية بالدول العربية أيضاً؟
٧ أغسطس ٢٠١١أغلقت معظم أسواق المال العالمية أبوابها على انخفاض شديد، شابه ذلك الانخفاض الصاروخي الذي رافق الأزمة المالية التي عصفت بأكبر اقتصادات العالم في الربع الأخير من عام 2008، وسط تحذيرات المحللين الاقتصاديين من أن يخيم شبح الكساد مجدداً على الاقتصاد الأمريكي – أكبر اقتصاد في العالم – وما يتبعه من تدهور في اقتصادات الدول التي ترتبط مع الاقتصاد الأمريكي بعلاقات تجارية وثيقة.
ويزيد من حجم هذه الأزمة إعلان وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز" أمس (السبت 6 أغسطس/ آب 2011) لأول مرة منذ إنشائها عام 1940، عن تخفيض التصنيف الممتاز للولايات المتحدة، وهو ما سيؤثر على قدرة الحكومة الأمريكية على الاستدانة عالمياً. تترافق هذه الخطوة مع موافقة الكونغرس الأمريكي – بعد مناقشات ساخنة – على رفع سقف المديونية ليصل إلى 14.7 تريليون دولار، وهو ما قد يعطي واشنطن مجالاً للتنفس أقصاه عام واحد.
إجراءات غير كافية
ويرى المحلل الاقتصادي الأردني الدكتور إبراهيم بدران أن الخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة وأوروبا إبان الأزمة المالية العالمية هو أنها اتخذت إجراءات ظنت أنها ستكون كافية للحد من الأزمة ولجعلها قادرة مجدداً على الحفاظ على معدلات إنفاقها. ويضيف بدران، في حديث مع دويتشه فيله، أن على هذه الدول "أن تعيد النظر في برامجها وفي قدرتها على التصدير والتغلغل في الأسواق نظراً لصعود قوى اقتصادية جديدة لم يتم أخذها بالحسبان في الماضي، ونعني بذلك الصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وغيرها".
وتعتبر الصين أحد أكبر دائني الولايات المتحدة، وقد أعربت في أكثر من مناسبة عن معارضتها للاستمرار في اتخاذ الدولار الأمريكي مقياساً للعملات الأخرى، وطالبت باتخاذ عملة أكثر استقراراً بدلاً منه. ويوضح بدران أن استبدال الدولار بأي عملة أخرى لن يخدم سوى تأجيل المحتوم، مشدداً على وجود حاجة إلى "الاتفاق على خطة مشتركة للخروج من الأزمة المالية، وإعادة التركيز على النشاط الاقتصادي العالمي بشكل مختلف عما سبق يسمح للدول الناهضة بأن يكون لها دور في السوق العالمي، وأن لا تغرق الولايات المتحدة العالم بالدولار، سواء على شكل قروض أو ديون أو منح، وأن تخفض الولايات المتحدة من نفقاتها، وخاصة العسكرية".
وحسب المحلل الاقتصادي الأردني فإن الدول العربية ستتأثر بشكل كبير بهذه الأزمة. فهي من ناحية تعتمد بشكل كبير على المعونات الاقتصادية الخارجية لدعم موازناتها، ومن ناحية أخرى فإن العملات العربية مرتبطة بسعر الدولار. يضاف إلى ذلك أن عدداً من الدول العربية – خاصة الدول المصدرة للبترول – لديها استثمارات مالية كبيرة في الدول التي تعاني حالياً من عجز في سداد ديونها.
الاستثمارات العربية في الخارج مهددة
ويصف الدكتور إبراهيم بدران أغلب الاستثمارات العربية في الخارج بأنها "ادخارية، بمعنى أن عائداتها لا تشكل احتياجاً ملحّاً لدى الدول العربية لكي تستفيد منها. فهي استثمارات لبناء رصيد وقدرة شرائية ومخزون مالي في الغالب للمستقبل، وللمحافظة على الاستقرار الاقتصادي محلياً، ولما يسمونه بمرحلة تراجع عائدات النفط بسبب النضوب التدريجي المتوقع حدوثه بعد 40 إلى 50 سنة".
ويؤكد المحلل الاقتصادي بدران على ضرورة "تحويل هذه الاستثمارات إلى استثمارات مباشرة في المنطقة العربية، لإنشاء صناعات ومؤسسات إنتاجية جديدة. وهذا من شأنه أن يضمن مستقبل الأجيال والاستقرار (الاقتصادي) بالنسبة لهذه الدول. الاعتماد على السوق المالي وعلى صناعة المال هو اعتماد خطر، والشيء الأمين هو الاعتماد على الاقتصاد الإنتاجي، سواء في مجال السلع أو الخدمات أو المنتجات الصناعية أو التكنولوجية أو الزراعة المتقدمة أو تصنيع الاقتصاد".
الحل: "سلة مشتركة" من العملات
أما بالنسبة للأسواق العالمية، فيقترح بدران إنشاء سلة مشتركة تضم عدداً من العملات الدولية بنسب محددة، مما سيمنح أسواق المال العالمية والمستثمرين الاطمئنان اللازم لإعادة التوازن إلى الأسواق، لأن "كل حصر للعملة الدولية بدولة واحدة أو عملة واحدة من شأنه أن يعيد قصة الدولار مع العالم ... البحث عن استقرار من خلال المشاركة الدولية ومن خلال العملات المستقرة هو الطريق الأصوب، بدلاً من أن تجري المحاولات لتأجيل المشكلة كما تم عام 1908".
ويحذر المحلل الاقتصادي من تبعات استمرار الدول العربية في الاستثمار في السوق الأمريكية أو الأوروبية، لأنه وفي حال عجز الخزانة الأمريكية عن سداد ديونها، فإنها "ستبدأ بالدول المستثمرة في أمريكا دون أن تلجأ مباشرة إلى إعلان عجزها عن سداد الديون للمستثمر الأمريكي أو الصناعات الأمريكية ... على الدول العربية المستثمرة في أمريكا وأوروبا أيضاً أن تأخذ هذا الموضوع بشكل جاد وأن تضع خطة ورؤية إستراتيجية تلتزم بها وبتنفيذها رغم ما سيرافق ذلك من مشاق".
ياسر أبو معيلق
مراجعة: أحمد حسو