هل تعزز الحكومة التركية قبضتها على السلطة القضائية؟
١٨ فبراير ٢٠١٤أنف ينزف، إصبع مكسور، شتائم وتشابك بالأيدي..هذا ما شهده البرلمان التركي ليلة الجمعة / السبت (15/ 16 شباط/ فبراير 2014)، قبل تمرير إجراءات مثيرة للجدل بشأن الإصلاح القضائي المتعلقة بالمجلس الأعلى للقضاة، المسؤول عن المراقبة المستقلة للمحاكم وتعيين وترقية القضاة. وتسعى الحكومة من خلال الإجراءات الجديدة لوضع المجلس الأعلى للقضاة وعناصر الإدعاء العام تحت سيطرة وزارة العدل.
كان حزب العدالة والتنمية، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان قد أقر الشهر الماضي مسودة القانون الذي يعطي الحكومة المزيد من الصلاحيات في مسألة تعيين القضاة وممثلي الإدعاء. تسببت هذه الخطط في غضب عارم ليس داخل أروقة البرلمان فحسب، بل في الشارع أيضا. إذ تظاهر الآلاف ضد القانون الذي يحكم قبضة إردوغان على الجهاز القضائي للدولة. في الوقت نفسه حذر الاتحاد الأوروبي من تعارض هذه الخطط مع مبدأ توزيع السلطات. لكن إردوغان أكد من جهته خلال زيارته الأخيرة لبروكسل على احترامه لمبادئ دولة القانون، مشيرا إلى تعديل مسودة القانون الذي طرح. لكن هذا كله لم يساهم في تراجع الانتقادات.
فضيحة فساد
تورطت حكومة إردوغان في فضيحة فساد كبيرة منذ نهاية العام الماضي تتعلق برشاوى وعمليات تجارية غير مشروعة مع إيران ومشاريع بناء مخالفة. قامت السلطات بالقبض على العشرات عقب الكشف عن الفضيحة، من بينهم ساسة وشخصيات مهمة في عالم الاقتصاد بالإضافة إلى أبناء بعض الوزراء. ونتيجة لهذه الحملة قاد إردوغان عملية تنظيف واسعة شملت إقالة ونقل رجال شرطة وقضاة. ويتهم إردوغان بالوقوف وراء عمليات إلقاء القبض إلى ما يسميه "الدولة الموازية"، التي يحركها الداعية فتح الله غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة والحليف السابق لإردوغان.
يرى بعض المراقبين أن ما يعرف بـ"حركة غولن" تحاول السيطرة على القضاء والشرطة في البلاد وهز مركز إردوغان. في الوقت نفسه يرى منتقدو خطط إردوغان إن هذه الخطط بمثابة محاولة للحد من سيطرة "حركة غولن" على جهاز القضاء وينتقدون أيضا حملة التنظيف التي قام بها إردوغان. فقد اعتبر النائب عن الحزب الشعب الجمهوري، علي أوزغوندوز، أن هذه الخطط بمثابة ضربة واضحة ضد القضاء، مشيرا إلى أن الأمر لن يختلف كثيرا سواء تم تمرير هذا القانون أم لا، خاصة بعد تسريح هذا العدد الكبير من القضاة.
صراع على النفوذ
يربط أستاذ القانون لامي بيرتان توكوزلو، خطط إصلاح القضاء بنفوذ "حركة غولن" وبالصراع على النفوذ ويوضح في حوار مع DWإن حركة غولن تتميز بالنفوذ الشديد في وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاة، الأمر الذي يمكنها من جمع أدلة وتسجيل مكالمات هاتفية واستخدامها ضد الحكومة التي ترغب في التصدي لهذا الأمر من خلال الإجراءات الجديدة.
صلاحيات واسعة لوزير العدل
تضمنت الإصلاحات التي شهدها عام 2010 التعهد باستقلال واسع النطاق للمجلس الأعلى للقضاة من خلال عدة إجراءات من بينها ضمان الاستقلال المادي للمجلس وإنشاء لجان داخلية يمكنها العمل دون تدخل من وزير العدل وهو أمر مهم في حالات تعقب الجناة كما يوضح توكوزلو.
وأوضح الخبير القانوني أن إصلاحات عام 2010 كانت خطوة مهمة إلا أنها لا ترضي الحكومة، مضيفا: "لم تستطع الحكومة تحمل وصول التحريات لمصالح الحكومة، الأمر الذي جعلها تسارع بالقيام بما فعلت".
وتخول الإصلاحات الجديدة وزير العدل المزيد من الصلاحيات، كما يوضح توكوزلو:"سيكون لوزير العدل من الآن الحق في مراقبة عمليات تعقب المشتبه فيهم وتسمية ثلاثة من أعضاء المجلس الذين يتولون التحقيق". وتمتد صلاحيات وزير العدل وفقا للإجراءات الجديدة إلى أكاديمية القضاء المسؤولة عن تأهيل القضاة. إذ سيتم إلغاء الأمانة العامة المسؤولة عنها والاستعاضة عنها بمجلس رئاسي، يتولى وزير العدل مسؤولية تعيين ثلاثة من أعضاء المجلس، وفقا لتوكوزلو. وسيصير من الممكن تسريح أعضاء المجلس الحاليين في غضون عشرة أيام بمجرد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ. ويوضح توكوزلو الأمر قائلا: "يقوم وزير العدل بتحديد الأعضاء الجدد خلال هذه المهلة" ويضيف "كانت هناك مشكلات للحكومة مع الأعضاء الحاليين. إنهم يرغبون الآن في أعضاء جدد يسهل عليهم التعامل معهم".
ويشير توكوزلو إلى أهمية المجلس الأعلى للقضاة كرمز على استقلال القضاء، الذي يعد ركنا أساسيا للنظام الديمقراطي ويرى الخبير القانوني أن تبعية هذا المجلس لوزير العدل يخل باستقلاله وبالتالي باستقلال القضاء.