هل تصطف برلين حقا إلى جانب الدوحة في أزمة الخليج؟
١٤ سبتمبر ٢٠١٧كان موقف برلين ملفتا منذ اندلاع أزمة الخليج، فقد سارع وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل إلى وصف قائمة المطالب الثلاثة عشر المقدمة من الدول العربية المقاطعة شروطا "استفزازية جدا" جزء منها غير قابل للتنفيذ، معتبرا أن بعضها يمس سيادة قطر.
وسرعان ما تم وصف هذا الموقف في عدد من التحليلات الإعلامية كاصطفاف ألماني واضح إلى جانب الدوحة، من بينها ما أورده عبد الباري عطوان في عموده في "رأي اليوم" حيث اعتبر ألمانيا " كـ "أكثر الدول الأوروبية تعاطفا مع قطر".
وبهذا الصدد أكد المحلل السياسي الكويتي أحمد يوسف المليف في حوار معDW على أن "الكل ينتظر من ألمانيا دورا إيجابيا في تصحيح المسيرة القطرية ورأب الصدع وتقريب وجهات النظر من أجل تحقيق التنمية ومحاربة الإرهاب". ولكن هل يمكن فعلا اختزال دور برلين في مجرد تفهم أو حتى اصطفاف إلى جانب قطر؟
غابرييل بين تفهم موقف الدوحة ومسك العصا من الوسط
خلافا للكثير من العواصم الغربية، تميزت لغة برلين بوضوح ملفت، ولم تتفهم تماما موقف الدول المقاطعة. ففي الرابع من يوليو/ تموز أشاد غابرييل بـ "ضبط النفس" من جانب قطر ودعا جيرانها للرد بالمثل، مؤكداً أن موقف الدوحة اتسم بالهدوء والعقلانية في التعامل مع ما وصفه بالحصار الدبلوماسي والاقتصادي الذي فرضته عليها الدول المقاطعة. غابرييل طالبها بالرد بروح مماثلة على حد تعبيره.
وعلى ذلك يرد أحمد يوسف المليف بالقول "نحن لا نعتبر كل ما تقوله ألمانيا بشأن هذه الأزمة صحيحا، ففي نظر غابرييل هذه قضايا استفزازية ولكننا في دول الخليج نتكلم بلغة العالم ككل، ومن بين الدول التي تدعمنا الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت أن قطر مارست دورا إرهابيا ودعمت مجاميع إرهابية في سوريا وغيرها".
واستطرد المليف موضحا "نحن نعتقد أن وجهة نظر وزير خارجية ألمانيا في حاجة على إعادة صياغة، فليس المطلوب اليوم الاصطفاف إلى جانب الحلال أو الحرام، الحق أو الباطل ولكن المطلوب الاصطفاف إلى جانب الحق والصحيح فقط". وأكد المحلل السياسي الكويتي أن ألمانيا في نهاية المطاف لا يمكن أن تبني علاقات فقط مع قطر، ولكنها في حاجة لجميع دول الخليج.
الإعلام الألماني وموقف قطر
في تحليل كتبه كلاوس هيكينغ على موقع "شبيغل أونلاين" (الخميس 14 سبتمبر/ أيلول 2017)، رأى الصحفي الألماني أنه بعد مائة يوم من مقاطَعة قطر فشلت الدول الأربع من تحقيق أي من أهدافها. وأوضح أن "قناة الجزيرة لا تزال تبث برامجها وتقدم نفسها كمنبر لحرية التعبير، فيما قام الجيشان التركي والقطري بمناورة عسكرية مشتركة".
كما يرى الكاتب أن قطر احتفلت بالسفير الإيراني أمام عدسات الكاميرات، في وقت كشف فيه منظمو كأس العالم عن مشروع ملعب كرة القدم ذي مواصفات عالمية. وتزامن ذلك مع افتتاح أمير قطر بشكل استعراضي ميناء بحريا عملاقا. "كل هذا وضع المقاطعين في موقف محرج، وعلى رأسهم المنافس الأكبر: السعودية وأميرها محمد بن سلمان آل سعود".
غير أن وجهة النظر هذه لا تعني بأي حال من الأحوال محاباة للدوحة أو تعاطفا غير مشروط معها، فمن تابع تغطية الإعلام الألماني لفضيحة الفساد التي رافقت منح قطر تنظيم كأس العالم أو وضعية مئات الآلاف من العمال الأجانب في الأوراش القطرية الكبرى لتأكد أن الصحافة الألمانية التزمت الصرامة دائما.
فعلى هامش زيارة أمير قطر لبرلين كتبت صحيفة "دير تاغسشبيغل" تعليقا تحت عنوان "لماذا يجب أن تأخذ ألمانيا مسافة من قطر؟"، رأت فيه أن الإمارة النفطية الصغيرة تعتبر من "ممولي الإرهاب الإسلاموي" موضحة أن دعم قطر "لا يشمل فقط حركتي حماس وطالبان ولكن يبدو أنه حتى تنظيم داعش يمكن أن يعول على الدعم القطري".
وذَكّرت الصحيفة باتهامات ألمانية سابقة للدوحة بدعم الإرهاب، سواء من قبل الأحزاب السياسية أو حتى أعضاء الحكومة حيث انتقد غيرد موللر وزير التنمية الألماني عام 2014 دور قطر في سوريا والعراق، رغم أن المستشارة أنغيلا ميركل لم تؤيد كلام وزيرها وأكدت أن الأمر لا يتعدى سوء فهم.
عين برلين على المنطقة ككل
سيجد المتتبع الدقيق للموقف الألماني صعوبة في اختزاله بدعم قطر، فهو موقف يعتمد على رؤية أشمل ترصد تطورات الوضع في الشرق الأوسط ككل. وتبرز ملامح هواجس برلين في اتهام مباشر وغير مسبوق لوزير خارجية ألمانيا سيغمار غابرييل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتأجيج النزاعات في الشرق الأوسط.
وأوضح غابرييل حينها في حديث لصحيفة "هاندلبلاست" في عددها الصادر يوم (الأربعاء السادس من يونيو / حزيران 2017) أن ترامب "تسبب بتوتير العلاقات في منطقة تشهد أصلا أزمات خطير جدا". وهو كلام يفهم منه أن برلين ترى أن التأثيرات الخارجية (الأمريكية بالتحديد) لها دور أساسي في تأزيم الوضع في منطقة الخليج.
برلين انتقدت أيضا صفقة السلاح الأمريكية الضخمة مع السعودية، كذلك محاولات ترامب التراجع عن الاتفاق النووي مع إيران. وأكد غابرييل أن الأمر يتعلق بـ "سياسة خاطئة تماما وبالتأكيد ليست هذه سياسة ألمانيا". إذا فمن الواضح أن موقف برلين ليس تأييدا لطرف ضد طرف آخر بقدر ما هو قلق من خطوات تصعيدية قد تؤدي لعواقب وخيمة تشمل المنطقة برمتها.