هل تسود الثورة المضادة بمصر أم تتحد القوى الثورية لمواجهتها؟
٢٢ يونيو ٢٠١٢في الوقت الذي أعلن فيه مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي أنه الفائز بسباق الرئاسة المصري، أكد خصمه أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك فوزه بالانتخابات، متهما الإخوان المسلمين بترويج أرقام كاذبة، بينما أجلت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية موعد إعلان النتائج. ويرى الخبير السياسي أحمد بدوي في مداخلته في برنامج كوادريغا أن هذا التأجيل متعلق بعدد الطعون الكبير المقدمة للجنة قائلاً: "أعتقد أن اللجنة حريصة على ألا تقوم بأي خطأ".
لكن الكاتب المصري المقيم في برلين حامد عبد الصمد يعلق على هذا التأجيل قائلاً: "من الناحية القانونية من حق اللجنة العليا تأجيل الانتخابات للفصل في الطعون. لكن تجربتنا مع الجولة الأولى من الانتخابات ومع الانتخابات البرلمانية أن النتائج أعلنت رغم عدد الطعون الكبيرة". ويتوقع عبد الصمد أن يكون وراء هذا التأجيل أمر من اثنين: إما أن تكون اللجنة الانتخابية بصدد تعديل الأصوات لصالح أحد المرشحين أو أن يكون المجلس العسكري في محاولة لكسب الوقت للتفاوض مع الإخوان المسلمين وراء الكواليس. ويضيف في هذا الإطار: "المجلس العسكري والإخوان المسلمون كيانان ضد الثورة منذ البداية. وهم يحاربان من أجل مصالحهما الشخصية وليس من أجل مصلحة الشعب المصري. الإخوان طعنوا الثورة من الخلف، بينما طعنها المجلس العسكري من الأمام".
"الانقلاب العسكري بدأ منذ تنحي مبارك"
ومن جانبه يستبعد أحمد بدوي، الباحث في مركز دراسات الشرق الحديث في برلين، السيناريو الأول الذي اقترحه عبد الصمد معتبرا أن المجلس العسكري ليست لديه الجرأة للتلاعب في نتيجة الانتخابات، مبررا الإعلان الدستوري المكمل بأنه محاولة من المجلس العسكري لتصحيح أخطائه.
ويرى عبد الصمد أن كل هذا مخطط وأن كل "الأخطاء" التي وقع فيها المجلس العسكري كانت مقصودة، لتصبح الفترة الانتقالية فترة دائمة، واصفا ما يحدث في مصر بـ"انقلاب عسكري ذكي" ومعتبراً أن هذا الانقلاب لم يبدأ مع الإعلان الدستوري المكمل ولكنه حدث منذ الحادي عشر من فبراير/شباط 2011، عندما سلم مبارك، "الرئيس المخلوع، السلطة التي لم يعد يملكها للمجلس العسكري بدون وجه حق". ويضيف أن المجلس العسكري يسعى منذ تسلم مقاليد الحكم إلى تفتيت صفوف الثوار وإدخال الشعب في "لعبة الارتباك".
"هناك مبالغة إعلامية في تصوير الانفلات الأمني في مصر"
وترى الصحفية الألمانية الخبيرة بشؤون الشرق الأوسط استر صعوب أن هذا الاضطراب الذي يسود البلاد قد يفقد الشعب المصري ثقته في الديمقراطية الوليدة، كما أن ازدياد حالة الفوضى قد يجعل الناس تيأس وتقبل بأي رئيس أياً كان. وتقول في هذا الإطار: "جزء بسيط من المصريين نزل إلى الشارع وكان مستعداً للتضحية بحياته ليغير شيئا ما أثناء الثورة وأغلبية الشعب كان جالساً في البيوت. إلا أن معظم المصريين اقتنعوا بالثورة بعد ذلك. لكن هؤلاء المترددين يتساءلون الآن ما الفائدة العائدة عليهم من الثورة؟ فالأسعار في ارتفاع مستمر والحياة أصبحت أصعب وكلما يطول هذا الوضع، كلما يفقد الناس الصبر". وتوضح في هذا السياق أن هناك مبالغة من جانب وسائل الإعلام في وصف حالة التوتر الأمني في مصر قائلة: "نحن كأجانب نعيش في مصر كنا نشعر دائماً أن القاهرة رغم ضخامة عدد سكانها من أكثر مدن العالم أمنا. والآن نسمع عن بعض حوادث السرقة. أنا أعتبر مصر الآن أصبحت في مستوى باليرمو أو روما أو برلين حتى. لكن هناك مبالغة من قبل الإعلام الرسمي في تصوير الوضع، ويتم الإعلان عن كل حادثة سرقة بشكل مبالغ فيه".
ويتفق معها حامد عبد الصمد موضحاً أن كل هذا كان جزءاً من مخطط المجلس العسكري ليجعل الشعب "يتعب من الديمقراطية قبل أن تبدأ ويكره الثورة والثوار" ويحملهم مسؤولية الفوضى، ويوضح قائلا: "المجلس العسكري كان يحاول الاقتصاص من شرعية الثورة في كل مرة دعا فيها الناس لصناديق الاقتراع. وكل الانتخابات حتى الآن كانت لا قيمة لها، فالاستفتاء الأول لم تكن له قيمة وأصدرت بعده قوانين لا علاقة لها بالاستفتاء. والانتخابات البرلمانية كانت لا قيمة لها لأن المجلس العسكري حل البرلمان وهو كان يعلم أن ذلك سيحدث. ومن الممكن أن تلغى أيضاً الانتخابات الرئاسية لأن بعض المرشحين دخلوا سباق الرئاسة عن طريق أحزاب مجلس الشعب". لكنه يثق أن الثورة ستقضي على المجلس العسكري كما قضت على مبارك، ويشدد على أن المعركة الأهم الآن هي كتابة الدستور، لأنه أساس أي ديمقراطية ولأنه الضمان الوحيد لتحقيق سيادة القانون.
"اتحاد القوى الثورية هو الأمل المتبقي لإنجاح الثورة"
ويتفق الخبير السياسي أحمد بدوي أن ما قام به الجيش منذ البداية كان انقلاباً، لكنه يضيف أن توجيه الاتهامات المتبادلة الآن لن يساعد في حل المشكلة. ويعتبر بدوي قصر الأخطاء على المجلس العسكري سذاجة سياسية قائلاً: "السياسة تقوم على القوة والقوة الآن بيد المجلس العسكري وبيد الإخوان الذين يمتلكون القوة التنظيمية. والسؤال هو أين القوى السياسية التي يمكن الآن أن تتحد لتنزع البساط من تحت أرجل المجلس العسكري؟". وأضاف المحلل السياسي أن الأمل كان كبيراً أن يقوم الإخوان المسلمين بهذا الدور لكنهم فشلوا في طمأنة الشعب لنيتهم، ولذلك فقد فقدوا كثيراً من شعبيتهم وهو ما جعل كثيرين سعداء بحل البرلمان. ولذلك فهو يرى أن الحل الوحيد يكمن في اتحاد القوى الثورية تحت سقف واحد لملء الفراغ السياسي في البلاد.
وتتفق معه صعوب قائلة إن أفضل السيناريوهات الآن هو أن يفوز مرشح الإخوان محمد مرسي ليهدأ الشارع قليلاً، ثم تتوحد القوى الثورية حتى تتمكن من خوض معركة الانتخابات البرلمانية القادمة بقوة، ما يجعل تشكيل البرلمان الجديد مختلفاً عن البرلمان المنحل، وما يجعل للقوى الثورية تمثيلاً في الحياة السياسية المصرية في المستقبل وتضيف: "يجب أن ينظر المصريون للأمام ويجب على القوى السياسية أن يتفقوا وأن يتنازل كل واحد قليلاً عن طموحه الشخصي. وفي النهاية فالرئيس المنتخب لن يبقى ثلاثين سنة أخرى. وستكون هناك انتخابات قادمة".
وتشدد الصحفية الألمانية في هذا الإطار على أن هناك قوة هامة ظهرت في نتائج المرحلة الأولى في الانتخابات الرئاسية، حيث ذهبت معظم الأصوات لمرشحين وسطيين أو يساريين ولم تذهب لمرشح الإخوان أو المجلس العسكري. وتضيف في هذا السياق: "أتفق أن هناك انقلاباً وأن التخطيط لهذا الانقلاب بدأ حتى قبل بداية الثورة. فالجيش لم يكن يريد أن يرشح مبارك نفسه أو ابنه، لكن الشعب دخل في الموضوع وقوة الشعب موجودة الآن والشعب المصري تحول لشعب سياسي ولشعب ينتخب ويفكر. ورغم كل المشاكل، الشعب المصري ذهب ليدلي بصوته. القوة الشعبية موجودة الآن ولكن يجب أن تدخل في الملعب السياسي وفي كتابة الدستور".
سمر كرم
مراجعة:هبة الله إسماعيل