هل ترغب موسكو في استعادة دورها في الشرق الاوسط عبر بوابة حماس؟
يقول خبراء ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعوته حماس لاجراء محادثات اتخذ خطوة جريئة لكنها خطيرة بالانخراط في العملية السياسية في الشرق الاوسط على أمل أن يستعيد دور روسيا في الساحة الدولية. ويضيفون أنه رغم أن خطوة بوتين التي اعلنها يوم الخميس الماضي منحت الولايات المتحدة واسرئيل والقوى الغربية الاخرى املا، الا أن بوتين ترك لنفسه فرصة للمناورة لضمان عدم الاضرار بعلاقاته مع شركائه الغربيين. واثارت تصريحات بوتين موجة اتصالات دبلوماسية بين روسيا وعواصم العالم بعد ان خرجت روسيا من ظل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الوسطاء الرئيسيين في عملية السلام في الشرق الاوسط. الكسي مالاشينكو من مركز كارنيجي موسكو قال: "ترقى هذه التصريحات لحد الاخذ بزمام المبادرة بشأن عملية السلام في الشرق الاوسط." أما المحلل السياسي سيرجي ماركوف، وهو من مؤيدي خط الكرملين، فقد علق على ذلك بالقول: "في ظل وضع ثبت فيه عجز جميع الوسطاء الاخرين في عملية السلام، لدينا في روسيا الآن فرصة لمنح عملية السلام دفعة ثانية." وقال محللون اخرون ان اشارة بوتين لاتصالات مع حماس كانت مفاجأة في حد ذاتها نظرا لانه لم يكن معروفا ان هناك اتصالات بين الجانبين. يذكر أن روسيا عضو في اللجنة الرباعية التي تضم ايضا الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة غير ان دور موسكو كان هامشيا.
موسكو واكتشاف الدور المفقود
تتفق روسيا مع موقف اللجنة الرباعية بضرورة قبول حماس حق اسرائيل في الوجود. هذا الموقف اكده بوتين مرارا وتكرارا وسارع مسؤولون روس الى تكراره. ففي هذا السياق نقلت وكالة انترفاكس للانباء عن الكسندر كالوجين المبعوث الروسي في الشرق الاوسط قوله "يقول الجميع لحماس انه ينبغي السير في مسار محسوب لانها لن تتقدم كثيرا بهذه السياسات المتشددة. نحن من جهتنا سندعو الى تغيير في حماس خلال اجتماع مع ممثليها." لكن دبلوماسيا غربيا قال ان بوتين "يوسع بدرجة كبيرة جدول اعمال اللجنة الرباعية." وقال دبلوماسي آخر يتابع سياسة روسيا في الشرق الاوسط "تجاوز بوتين المسار بكثير من خلال دعوته قيادة حماس لاجراء محادثات دون الاتفاق اولا بشان المباديء التي ينبغي الالتزام بها." واضاف الدبلوماسي ان بوتين يمكنه التراجع عن مبادرته تجاه حماس اذا لم تعدّل حماس سياستها تجاه اسرائيل حين تتولى السلطة. ورغم المفاجأة السياسية التي فجرها بوتين، يشير معلقون الى ان المعونة التي تقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي للسلطة الفلسطينية اكبر بكثير عما يمكن ان تقدمه موسكو، وذلك في اشارة على ما يبدو الى التاكيد على ضعف الثقل الحقيقي لروسيا في المنطقة. ويبدو ان الجرأة الواضحة التي اتسم بها تحرك موسكو ربما يكون غير مكلف في نهاية المطاف، كما انه يعكس بشكل اكبر رغبة بوتين في دعم صورته وصورة روسيا خلال عام مهم تتولى فيه روسيا رئاسة مجموعة الثماني للدول الصناعية الكبرى. وقال دبلوماسي "اعادة التأكيد على دور روسيا كلاعب مهم على الساحة الدولية مدرج على جدول اعمال بوتين. ربما يحاول اعادة بناء ذلك بتكلفة منخفضة نسبيا."
غير ان خطوة بوتين المفاجئة اعادت لفترة قصيرة الى الاذهان ذكريات الحقبة السوفيتية حين استغلت موسكو دورها كراعي رئيسي لحركة فتح التي كان يتزعمها انذاك الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مواجهاتها مع الولايات المتحدة ابان الحرب الباردة. وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وخاصة عقب اقامة عرفات علاقات مع الغرب اقتصر دور موسكو في عملية السلام في الشرق الاوسط على تواجد رمزي فقط.
اسرائيل: "بوتين يلعب بالنار"
تخشى اسرائيل من خلال دعوة روسيا حماس لزيارتها الى انهيار الجبهة الدولية المناهضة لحركة حماس. فمنذ فوز الحركة في الانتخابات التشريعية في 25 كانون الثاني/يناير الماضي تحاول اسرائيل عزل اكبر حركة اسلامية فلسطينية ترفض الاعتراف بالدولة العبرية وتبنت معظم العمليات الانتحارية ضدها خلال السنوات القليلة الماضية. هذا التكتيك لقي اذا انتكاسة كبيرة بمبادرة موسكو التحاور مع حماس التي كسبت نقطة اضافية عندما دعتها ايضا تركيا حليفة اسرائيل الاستراتيجية في المنطقة الى القيام بزيارة مماثلة لها في غضون الاسابيع القادمة. هاتان النكستان أثارتا استياءً شديدا لدى وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي انتقدت موسكو، في تصريح للاذاعة العسكرية، بلهجة ابتعدت الى حد ما عن الدبلوماسية: "ان الدعوة الروسية غير لائقة وغير ضرورية وستحدث ضررا." واضافت "منذ البداية كنا نخشى ان يحاول الاوروبيون اولا والروس ثانيا ابداء نوع من التفهم تجاه حماس واتخاذ مثل هذا النوع من المبادرات". لكنها اشادت بموقف الولايات المتحدة "الواضح جدا"، مشيرة الى ان "الاميركيين رفضوا أي نوع من الاتصال مع حماس". وقالت الوزيرة الاسرائيلية ان "مشاركة حماس في الانتخابات لا تبرئها لانها تبقى منظمة ارهابية." من جهته، قال وزير الاسكان زئيف بويم ان "بوتين يلعب بالنار"، مؤكدا ان موقف روسيا "مقلق جدا". وعبر رئيس الوزراء اليميني السابق بنيامين نتانياهو عن موقف مماثل، قائلا انه وجه رسالة الى الرئيس بوتين تدعوه الى التراجع عن قراره الذي "يعني اضفاء طابع شرعي على آفة الارهاب الاسلامي الدولي".
اما فرنسا فقد اعتبرت ان مبادرة الرئيس بوتين قد تساهم في الدفع بموقف اللجنة الرباعية داعية روسيا في الوقت نفسه الى احترام المبادئ التي حددها المجتمع الدولي. وفي هذا الصدد امتنعت ليفني عن انتقاد فرنسا. وصرحت الوزيرة الاسرائيلية للاذاعة العامة ان "فرنسا لم تندفع باتجاه الفجوة التي فتحتها موسكو بل تدل المواقف التي اتخذتها مؤخرا بشان ايران وملفات اخرى على انها ضد الارهاب". يذكر أن الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة لا يزالان يعتبران حماس "منظمة ارهابية".