هل تخمد البحرين ثورتها الداخلية بقوات خارجية ؟
١٤ مارس ٢٠١١طالما طالب المثقفون والساسة المعارضون في دول الخليج بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك، لكنهم لم يتصوروا يوما أن يتم تفعيلها اليوم على هذا النحو. فبعد 4 أسابيع من الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة، قررت السلطات البحرينية "الحفاظ على الأمن"، فيما يبدو عن طريق إخماد المتظاهرين، لا بأفراد الشرطة أو الجيش الوطني، بل بقوات أمن خليجية، تم إرسالها كتعزيزات عسكرية، وفقا لاتفاقية الدفاع المشترك بين دول الخليج الست.
جاءت الخطوة لتزيد الطين بلة في الوضع الأمني المتفجر منذ شهر، على خلفية مطالبة المتظاهرين بسلسلة من الإصلاحات، أولها إقالة الحكومة، ووضع دستور جديد للبلاد يتضمن نظام ملكية دستورية. وهي المطالب، التي يرى حسن مدن، الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي المعارض البحريني في حوار خاص مع دويتشه فيله، أنها سياسية مشروعة، ولا تحتاج إلى "قوة خارقة" للتعامل معها.
كما خرج الإعلان عن استقدام القوات الخليجية، بناء على طلب من المملكة، غداة يوم دامٍ وقعت فيه صدامات عنيفة بين قوى الأمن البحرينية والمتظاهرين في منطقة المرفأ، وفي دوار اللؤلؤة، وسط العاصمة المنامة، حيث يعتصم الآلاف، مطالبين بإسقاط النظام. لكن دكتور منصور الجمري، رئيس تحرير صحيفة "الوسط"البحرينية في حديثه لدويتشه فيله، رأى أن هناك "خطة لتحويل المسيرة من حركة مطلبية سلمية إلى مشاحنات واقتتال، بما يبرر دخول طرف لفض هذا النزاع".
وشهدت البحرين، التي يمثل فيها الشيعة 75% من السكان، اليوم حالة من الشلل التام عقب تلك الأحداث، إذا دعا اتحاد نقابات البحرين إلى إضراب مفتوح عقب المواجهات العنيفة أمس الأحد. وبدت الحياة منذ ساعات الصباح الأولى شبه متوقفة، إذ أغلقت المدارس والشركات والمصانع. كذلك توقفت جامعة البحرين عن التدريس بعد الاشتباكات، التي أكد النشطاء أن "بلطجية" أشعلوها بإدخالهم بالعصي والقضبان الحديدية والسيوف.
الخليج يفعل اتفاقية الدفاع المشترك ضد مواطنيه
لم يكن البحرينيون قد أفاقوا بعد من أحداث الأمس ليستيقظوا اليوم على أنباء وصول "قوة درع الجزيرة"، التي تشكلت عام 1986، طبقا لاتفاقية الدفاع المشترك، بهدف الحفاظ على الأمن في أي دولة خليجية. وكانت هذه القوات قد بدأت بخمسة آلاف جندي، لكنها تتجاوز الآن الثلاثين ألف عسكري من الضباط والجنود، بينهم نحو 21 ألف مقاتل، ويقيمون في حفر الباطن بالقرب من الحدود الكويتية-السعودية.
المثير للانتباه أن هذه القوات تضطلع بمهمة حماية أمن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من أي عدوان "خارجي" تتعرض له أي من هذه الدول. وحول ذلك، علق مدن في حديثه مع "دويتشه فيله" قائلا : " الأمر لا يحتمل دخول قوات أخرى إلى البلاد لأننا لا نتحدث عن تهديد خارجي. القوى الأمنية الداخلية ليست قليلة. هذه خطوة لا داعي لها. نتفهم أن هناك أمن مشترك في المنظومة الخليجية، لكن عندما يدور الحديث عن اعتداء خارجي. أما ما تعيشه البحرين الآن فهو شأن داخلي. هناك تحركات شعبية للمطالبة بحقوق سياسية ودستورية يجب ألا تحل سوى عبر الحوار البناء".
وفي وقت يطرح فيه التساؤل نفسه حول تسلح هذه القوات ومدى تدربها على التعامل مع مدنيين عزل، يقول مدن : "هذه هي المرة الأولى التي تتعاطى فيها قوات أمن خليجية مع تحرك شعبي داخلي. وبصرف النظر عن مهارة وتسلح هذه القوى، فإن المتظاهرين عزل ويتحركون بصورة سلمية. الأمر لا يحتاج إلى قوة خارقة. الوضع مرشح للانفجار، نحن في لحظة خطيرة، ونتوقع الأسوأ، ما لم تبد الدولة استعدادها لتقديم تنازلات مهمة".
ومثلما اعتبر مدن تلك اللحظة خطيرة، وصفها الجمري بـ "نكبة سياسية وأمنية"، مؤكدا أن هناك تحريض داخلي بين الأهالي لإثارة النعرة الطائفية بين السنة والشيعة. لكنه وخلافا للمعارضة التي اعتبرت إرسال القوات الخليجية "تدخلا في سيادة البحرين" و"إعلان حرب"، رأى أنها ربما "تساعد الدولة في الحفاظ على الأمن الذي بدأ ينفلت"، وإن شدد على أن الأزمة "سياسية ومحلية وعميقة جدا" في المقام الأول. وقال "يحتاج الوضع إلى صفقة سياسية كبرى، بدون ذلك فإن وجود جيش محلي أو خليجي لن يحل الأزمة".
السعودية.. مصلحة داخلية ودور حاسم
وحول الدور السعودي البارز في التطورات على الساحة البحرينية، قال الجمري "لا يمكن الاستهانة بما يحدث في البحرين. من الطبيعي أن تهتم السعودية بل وأمريكا بما يجري. أمريكا لديها قاعدة عسكرية يقيم بها الأسطول الخامس. لذا هاتان الدولتان لا يمكنهما تجاهل ما يحدث". أما مدن فأقر بأن "المملكة العربية السعودية هي القوة الرئيسية في منظومة التعاون الخليجي". وأضاف "السعودية دائما معنية بأمن البحرين.. نحن لسنا ضد ذلك من حيث المبدأ، نحن مع أن تكون المنظومة الخليجية العسكرية الاقتصادية متكاملة، ولكن ليس لإسكات أصوات المعارضة أو رفض المطالب الديمقراطية للمواطنين".
ويؤكد محللون ودبلوماسيون في البلدين أن السعودية قلقة من أن تزيد انتفاضة "الشيعة" في البحرين جرأة نظرائهم في السعودية، الذين يقطنون المنطقة الشرقية المضطربة، وهي مركز صناعتها النفطية. وبينما نفى مصدر خليجي مضطلع أن تكون القوات التي وصلت البحرين كلها سعودية، وأكد أنها "من دول الخليج الست"، رجح الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي المعارض أن يكون "الجنود السعوديون يمثلون الجزء الأكبر والحاسم في هذه القوات الخليجية".
أميرة محمد
مراجعة: هبة الله إسماعيل