هل تحل ألواح الطاقة الشمسية أزمة الكهرباء في لبنان؟
٢٦ أغسطس ٢٠٢٢انتابت باتريك أرداهاليان صدمة عقب انتقاله من السعودية إلى لبنان عام 2010 بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء في بيروت، مضيفا "لم أرَ انقطاعا للتيار الكهربائي بهذا الشكل من قبل. واللافت أن اللبنانيين لم يشعروا باستقرار إمدادات الكهرباء في حياتهم".
وفي محاولة لمعاجلة أزمة الكهرباء، اضطر أرداهاليان إلى شراء منظومة للطاقة الشمسية، موضحاَ أن "لبنان بلد مشمس للغاية والجميع في حاجة إلى الكهرباء. لقد وافق والدي على مساعدتي ماديا. لدى دراية بالتسويق وذهبت إلى مدرسة لكسب الخبرة في مجال الكهرباء".
وقال أرداهاليان وهو لبناني نشأ في اليوانان، إنه بعد ذلك بشهور، قام بإنشاء شركته الخاصة أطلق عليها اسم "Eco Friendly".
وأضاف أرداهاليان (48 عاما) أن كثيرين كانوا متشككين في مدى قدرتهم على الاعتماد على الطاقة الشمسية، مضيفا "البعض لم يصدق أنّي بمقدوري تزويدهم بالكهرباء عن طريق الشمس، وقالوا إني أكذب ورفضوا الاستمرار في النقاش".
أزمة الطاقة
يشار إلى أن لبنان يعاني من أسوا أزمة اقتصادية منذ عقود في ضوء تخلف الحكومة عن سداد الديون عام 2020 مع تردي قيمة الليرة فيما ألقت أزمة الطاقة الحادة بظلالها على الوضع في البلاد وفاقمت من مشاكل اللبنانيين.
وقد أدى ذلك إلى معاناة سكان البلاد من انقطاع متكرر للكهرباء فيما تواجه بعض المناطق انقطاعا للتيار الكهربائي على مدار اليوم في ضوء أزمة نقص السيولة الحادة التي تعصف بـ"مؤسسة كهرباء لبنان" الحكومية والمسؤولة عن إنتاج 90 بالمائة من الكهرباء في البلاد.
ومع عدم قدرة المؤسسة على تزويد المواطنين بالكهرباء إلا لساعات قليلة، وجد كثيرون في مولدات الديزل باهظة الثمن ضالتهم لتوليد الكهرباء، لكنها مثلت عبئاَ اقتصاديا مع ارتفاع أسعار الوقود بسبب تردي قيمة الليرة فضلا عن استمرار الاضطرابات الاقتصادية.
وفي ضوء ذلك، بدأ كثير من اللبنانيين مهمة البحث عن بديل يعينهم على تحمل أزمات انقطاع الكهرباء بعيدا عن مولدات الديزل.
تفاقم الأزمة
وفي مقابلة مع DW، تحدث محمد الحريري، البالغ من العمر 43 عامًا ويعيش في مدينة صيدا، التي تعد ثالث أكبر مدن لبنان، عن تفاقم أزمة الكهرباء في البلاد "رغم أن الأزمة تعود لسنوات طويلة وليست وليدة اللحظة".
وأضاف الحريري: "يتوقف كل شيء بدون كهرباء. أنا مقتنع بأن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ وأن الدولة ليس بمقدورها حل هذه الأزمة"، مشيرا إلى ارتفاع أسعار الكهرباءفي أعقاب الأزمة الاقتصادية حتى أن فاتورة الكهرباء الشهرية باتت تقترب من متوسط الرواتب.
وبسبب هذا الوضع، وقبل ثلاث أشهر، لجأ الحريري إلى الطاقة المتجددة عن طريق تركيب ألواح شمسية حيث دفع ثلاثة آلاف دولار مقابل تركيب المنظومة التي تنتج قرابة 10 أمبير من الكهرباء صباحا و 3 أمبير ليلا.
الحريري ليس هو الوحيد، الذي وجد في الطاقة الشمسية ضالته حيث اتجه أصحاب منازل آخرين بل وشركات إلى استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. ومع انتشار الأمر، بدأت المصارف اللبنانية في منح قروض لمن يرغبون في تركيب ألواح الطاقة الشمسية.
لكن عانى كثيرون من عدم القدرة على تحمل تكاليف الطاقة الشمسية على الرغم من انخفاض الأسعار بشكل كبير خلال العقد الماضي.
وفي ذلك، قال أرداهاليان إنه يحصل على قرابة ثلاثة آلاف دولار مقابل تركيب المنظومة الشمسية الـ 5 أمبير و تسعة آلاف دولار مقابل المنظومة الـ 20 أمبير، مؤكدا أن معظم اللبنانيين لا يستطيعون تحمل هذه الأسعار.
بدوره، أكد بلال العباس وهو فني يعمل في مجال الطاقة الشمسية لأكثر من 10 سنوات، على أن معظم اللبنانيين لا يستطيعون تحمل تكلفة تركيب منظومات الطاقة الشمسية.
وشدد على أن البعض ممن لجأ إلى الطاقة الشمسية لا يستطيع التخلي عن مولدات الديزل بسبب أن الألواح الشمسية ليس بمقدورها تلبية احتياجات المنازل من الكهرباء طوال الوقت.
ويتفق معه في هذا الرأي مارك أيوب، الباحث في مجال الطاقة والزميل المشارك في الجامعة الأمريكية في بيروت.
وقال "الناس ما زالوا بحاجة إلى شركة كهرباء لبنان لتزويدهم بالكهرباء. قد تساعد الطاقة الشمسية في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم الحاجة إلى حل من الحكومة". وأضاف " "قد تكون الطاقة المتجددة حلا على مستوى البلاد عندما تشرع فئات المجتمع بتركيب مزارع الطاقة الشمسية بقدرات تصل إلى مئات ميغاوات، لكن في الوقت الحالي يقوم الناس بتركيب الألواح الشمسية لتلبية احتياجاتهم الخاصة من الكهرباء".
تعزيز الاعتماد على الطاقة الشمسية
من جانبه، سلط محمد منيمنة، مؤسس شركة "المشرق للطاقة" المتخصصة في مجال الطاقة الشمسية، الضوء على مبادرات جرى تدشينها مؤخرا لتوسيع استخدام الطاقة الشمسية في البلاد.
لكنه قال إن مشاريع الطاقة الشمسية تستدعي الحصول على تصاريح من جهات حكومية فيما يمثل الروتين الحكومي وغياب وجود نظام موحد للتوزيع أبرز العقبات أمام انتشار صناعة الطاقة الشمسية.
وأضاف أن شركته فازت مؤخرا بمناقصة بقيمة 400 ألف دولار لبناء نظام شمسي هجين يُعرف اختصارا بـ "بي في دي" لتزويد حرم "جامعة بيروت العربية" بالكهرباء، بما يشمل تركيب 920 لوحا من الألواح الشمسية لتلبية ما بين 20٪ إلى 40٪ من إجمالي احتياجات الحرم الجامعي من الكهرباء.
وقال إن هذه منظومة تعد خيارا مناسبا لأنها ليست في حاجة إلى وجود بطاريات تصل تكلفتها إلى قرابة 600 دولار، مضيفا "الفئات التي تستهلك الكهرباء بمعدلات أكبر لا تستطيع تحمل تكلفة امتلاك منظومة للطاقة الشمسية فقط نظرا لأن هذا سوف يتطلب تركيب عدد كبير من الألواح".
الجدير بالذكر أن الحكومة اللبنانية تبنت هدفا طموحا لتغطية 30 في المائة من استهلاك البلاد للطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وفي ذلك، قالت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إن لبنان بمقدوره الحصول بشكل واقعي وفعال من حيث التكلفة على 30 في المائة من إمدادات الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، لكن شريطة إسراع الحكومة في تنفيذ الخطط والسياسات الحالية بشكل فعال.
داريو صباغي/ م.ع