هل تحقق شبكات الطاقة الذكية تحولاً في مجال الطاقة؟
١ مايو ٢٠١٣
من الصعب على بائعة السمك الفلبينية يوهوي لافينغا أن تتخيل الحياة من دون انقطاع التيار الكهربائي. تبيع لافينغا سمك السردين على ضوء الشموع في سوق كورون في الجهة الغربية من فيساياس، حيث يتكرر توقف المولدات الثلاث وانهيار الشبكة التي تزود المدينة بالتيار الكهربائي. وكما هو الحال في العديد من الدول الصاعدة والنامية، يعتبر انقطاع الكهرباء جزءا من الحياة اليومية في الفلبين.
لامركزية استخدام موارد الطاقة
ولا تعطي الإحصاءات الرسمية معلومات موثوق بها حول مصادر الكهرباء حاليا في مختلف أنحاء العالم، وغالبا ما يتم تحوير الأرقام، وهذا ما يعرفه أيضا سريدهار سامودرالا، رئيس اتحاد إمدادات الطاقة اللامركزية WADE، وهي منظمة غير ربحية تعمل في جميع أنحاء العالم من أجل تطوير أنظمة إمدادات الطاقة اللامركزية. ويعمل سامودرالا حاليا في مشروع تجريبي في تايلاند يهدف إلى دمج الطاقات المتجددة في ما يسمى بـ"شبكة الطاقة الذكية". وعلى الصعيد العالمي، تشكل أسعار النفط غير المستقرة تهديدا لإمدادات الطاقة، لذا لا بد من استخدام الموارد المحلية بأسلوب "أكثر ذكاء"، كما يقول الاستشاري في مجال الطاقة.
إنترنت في مجال الطاقة
ما الذي يمنح "الشبكة الذكية" صفة الذكاء؟ أو السؤال بصيغة أخرى: لماذا نصف تلك الشبكة بالذكية؟ يكمن السبب الرئيسي في قدرتها على التواصل، بل ويمكن النظر إليها على أنها نوع من "إنترنت الطاقة"، حيث يمكن لكل جهاز طاقة موصول بها إرسال واستقبال المعلومات بمرونة من خلال شبكة يتم التحكم فيها عن طريق الكومبيوتر. التواصل بين المكونات الفردية يتم عبر نقل البيانات عن طريق مودم Modem أو ADSL، مثال على هذا: إذا سجل النظام وجود سحب فوق الخلايا الشمسية جنوب بلد ما، فإن مزارع الرياح في شمال البلاد تتلقى أوتوماتيكيا أمرا بالتشغيل. وإذا كانت الرياح ساكنة على الساحل مثلا، فإن أنظمة الطاقة الكهرومائية والغاز الحيوي في أماكن أخرى تعمل تلقائيا، وإذا تم إنتاج كميات من الطاقة تفيض عن الحاجة، فيمكن حفظ الطاقة الزائدة في حالة الضرورة في محطة تخزين.
وتُعرّف الشبكة الذكية بأنها نظام هجين يدمج بين الطاقات المتجددة والوقود الأحفوري على حد سواء. وبحسب تقديرات الخبراء، فإن بناء شبكة ذكية على نطاق واسع بالاعتماد على الطاقة الخضراء حصرا لا يزال مرتبطا في الوقت الراهن بتكاليف مادية باهظة.
إيطاليا رائدة ثورة الطاقة الذكية
ويوضح ماركو كوتي من شركة الكهرباء الايطالية أن "الشبكة الذكية تضمن توزيع الطاقة، من خلال التنسيق بين العرض والطلب وتحقيق التوازن المستمر بينهما." طورت إيطاليا قبل 12 عاما أول وأكبر شبكة ذكية في العالم، وقد تم تزويد أكثر من نصف المنازل في إيطاليا بما يسمى بـ"العدادات الذكية" من شركة اينل، ويقوم العداد الرقمي بقياس استهلاك الطاقة الفردي وبناء عليه بتشغيل غسالة الملابس أو آلة تجفيف الملابس على سبيل المثال، في حال توفر فائض من الكهرباء الخضراء في الشبكة، الذي يترتب عليه بالتالي انخفاض السعر.
وقد تم تدشين المزيد من مشروعات الشبكة الذكية في السنوات الأخيرة في عدد من البلدان، من بينها البرتغال وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وهولندا.
ضرورة تجديد شبكات الطاقة القديمة
وبحسب ما يتوقع الاستشاري سامودرالا فإن "ثورة الطاقة الذكية ستبقى مجرد حلم لن يتحقق، إذا لم يتم القيام بإعادة هيكلة جذرية للشبكات القائمة والموجودة أساسا." وليصبح الاستثمار في مجال شبكات الطاقة الذكية مجديا من الناحية الاقتصادية، يتعين على الحكومات أيضا إشراك القطاعات المنتجة في ذلك، وذلك من أجل الخروج بصورة أفضل وأدق مثلا عن استهلاك الأجهزة المنزلية للطاقة وحساب ذلك الاستهلاك بطريقة أفضل. وبهذه الطريقة فقط يمكن التأكد من أن الشبكات الذكية ستعمل بكفاءة أكبر في المستقبل. أما بالنسبة للمستهلكين فإن ذلك "سيعني استثمار مبالغ أكبر لشراء أجهزة أكثر كفاءة"، ويقدر سامودرالا المبلغ بين 500 إلى 1500 دولار أمريكى وهو "استثمار مربح جدا على المدى الطويل”.
تحد للبلدان الصاعدة والنامية
وبالنسبة للبلدان النامية فإن إجراء عملية إعادة هيكلة شاملة يمثل التحدي الأكبر، فالانفجار السكاني والتركيز بشكل مكثف على الصناعة يزيد من استهلاك الطاقة، لذا تعجز الكثير من المناطق عن مواجهة الارتفاع الكبير في الطلب على الطاقة.
"الشبكة الذكية حلم بعيد المنال بالنسبة لنا، فتكلفة المعدات والتركيب والتدريب عالية جدا،" كما تقول سيدة الأعمال الاندونيسية تري مومبوني، وتعمل شركتها في مجال إنتاج محطات توليد الطاقة الكهرومائية في المناطق الريفية في آسيا، وذلك بتمويل جزئي من الجهات الرسمية المعنية.
شبكة الطاقة اللامركزية لا تتطلب فقط توفر بنية تحتية قوية، ولكنها تتطلب أيضا وجود مهندسين على درجة عالية من التأهيل. ولذلك ينبغي لحكومات البلدان النامية استخدام القروض المتاحة بشفافية وبكفاءة كبيرتين، كما يرى سامودرالا.
المستهلك - القوة الدافعة للتحول في مجال الطاقة
حتى لو كانت هذه التدابير تعني مراقبة استهلاك الأفراد للطاقة، التي تحمل في طياتها جوانب سلبية وعلى رأسها معرفة الكثير من البيانات حول الأفراد، إلا أن سامودرالا واثق في أن "المستهلك يمثل في نهاية المطاف القوة الدافعة لإحداث ثورة في مجال الطاقة، وهو يتخلى هنا عن دوره السلبي كمجرد دافع رسوم، إلى مستهلك فاعل في سوق الطاقة."