هل تجدي مقاطعة كأس أوروبا في أوكرانيا نفعاً؟
٤ مايو ٢٠١٢مع اقتراب موعد انطلاق بطولة الكأس الأوروبية التي ستقام مناصفة في كل من بولندا وأوكرانيا، تعالت الأصوات المطالبة في أوروبا بمقاطعة المباريات التي ستنظم على الملاعب الأوكرانية على وجه الخصوص، وذلك بسبب قضية زعيمة المعارضة يوليا تيموتشينكو، التي صدر في حقها حكما بالسجن لمدة سبع سنوات.
وينظر إلى ملف تيموتشينكو على أنها قضية مسيّسة، تأتي في إطار حملة لتقويض المعارضة. وفي هذا السياق، أظهر الساسة الألمان بما في ذلك المستشارة الألمانية أنغيلا موقفا واضحا، مفاده أنه ستتم مقاطعة المباريات في حال لم يطلق سراح تيموتشينكو إلى غاية انطلاق البطولة الأوروبية، وهو الأمر الذي اعتبره الجانب الأوكراني "تدخلا في شؤون البلاد وتسييسا غير مقبول للرياضة".
مقاطعة فعّالة...
ولا تعد الدعوات لمقاطعة تظاهرة رياضية كهذه وليدة تطور الأحداث في أوكرانيا، وإنما هو تقليد يعود إلى الدورة الأولمبية لعام 1936 التي أقيمت في ألمانيا. حينها اندلع نقاش حاد في الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا حول ضرورة مقاطعة تلك الألعاب، حسب ما أفاد به فولفغانغ غرينز السكرتير العام لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا؛ غير أن الجدل خلص في نهاية المطاف إلى قرار إرسال البعثة الأولمبية الأمريكية إلى ألمانيا النازية.
في المقابل، شهدت دورة ملبورن 1956 مقاطعة فعلية من قبل دول عدة ولأسباب مختلفة، تخرج عن نطاق مسؤولية البلد المنظم. ففي الوقت الذي قاطعت إسبانيا وسويسرا الألعاب بسبب القمع الهمجي الذي تعرضت له الثورة الشعبية بالمجر، اتخذت مصر والعراق ولبنان وكامبوديا موقفا مماثلا تعبيرا عن رفضهم للاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء.
وفي سبعينيات القرن الماضي تم إبعاد جنوب إفريقيا من جميع التظاهرات الرياضية الدولية، عقابا لها على سياسة التمييز العنصري الذي كانت تنتهجها. وحسب يورغن ميتاغ البروفسور المحاضر في جامعة كولونيا لشعبة السياسة الرياضية، "أَجبر الموقف الدولي ساسة جنوب إفريقيا على إعادة النظر في مواقفهم، وهناك تصريحات موثقة عن ذلك لقادة جنوب إفريقيين". وأضاف الخبير أن مقاطعة جنوب إفريقيا رياضيا أساءت إلى سمعتها داخل الأسرة الدولية، وفاقت أضرارها حجم أضرار الحصار الاقتصادي الذي فرض على جنوب إفريقيا وكان له بالغة على المستويين الاقتصادي والسياسي".
وكانت الحالة الجنوب الإفريقية الأكثر فعّالية، بحكم أن المقاطعة كانت مثمرة عكس دورة ملبورن الأولمبية التي لم تغير أي شيء على أرض الواقع. ولعلّ من أبرز أسباب نجاحها أن العالم وعبر بوابة الرياضة تبنى بالإجماع خطابا سياسيا صارما، يندد بسياسات التمييز العنصري.
وفي دورة موسكو الأولمبية لعام 1980 تابع مسلسل المقاطعات طريقه، ليشمل هذه المرة نحو أربعين دولة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تعبيرا عن رفضها للاجتياح الروسي لأفغانستان عام 1979. واستغل الاتحاد السوفياتي الدورة التي نظمت في لوس أنجلوس لاحقا (1984) للثأر من الموقف الأمريكي، عبر مقاطعة مماثلة تحت ذريعة "عدم توفير الحماية الكافية للطاقم الرياضي السوفياتي".
...ومقاطعة لم تجد نفعاً
ولم تسفر المقاطعة في كلتا الدورتين عن نتائج تذكر، الأمر الذي جر نفسه على التظاهرات الرياضية اللاحقة حسب الخبير يورغن ميتاغ، حيث ترسخت القناعة أن "لا فائدة من المقاطعة". وخير دليل على هذا الطرح، ما حدث قبيل انطلاق دورة 2008، حيث نظمت في عدد من العواصم الغربية مظاهرات حاشدة لمقاطعة ألعاب بكين من أجل لفت نظر الرأي العام العالمي حول الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المسجلة في الصين. ولم تقنع كل تلك التحركات الحكومة الصينية بأن تغيّر من سياساتها أو تمنح الأقليات داخل البلد مزيدا من الحقوق.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هو هل ستنجح دعوات المقاطعة لبطولة الكأس الأوروبية في تغيير الوضع القائم داخل البيت الأوكراني؟. تعتبر منظمة العفو الدولية وعلى لسان فولفغانغ غرينس أن المقاطعة لن تجدي لا الشعب ولا المعارضة الأوكرانية نفعا، بل بالعكس، إنها تدعو الساسة الأوروبيين إلى زيارة أوكرانيا و"الإدلاء من الملاعب بتصريحات تكرس لثقافة احترام حقوق الإنسان ونبذ القمع، وهذا من شأنه أن يضع حكومة فيكتور يانوكوفيتش أمام المزيد من الضغوط".
ماركو مولر/ وفاق بنكيران
مراجعة: عبده جميل المخلافي