هل بات ربيع مصر الثوري على أعتاب خريف الغضب؟
١٥ أكتوبر ٢٠١١جاءت أحداث الأحد الماضي (9 تشرين أول/ أكتوبر 2011) التي شهدتها القاهرة لتعيد إلى الأضواء مسألة التعاطي مع الأقباط وحقوقهم، وهو أمر ليس بالجديد على مصر، إذ أن العلاقة بينهم وبين السلطة مثقلة بالكثير من التراكمات. وما كانت هذه الإحداث إلا إشارة على تسلسل من التصعيد الذي يزداد توتره حدة وطائفية.
لقد بدأت الأحداث الأخيرة في القاهرة بتظاهر محتجين من المسيحيين الذين يمثلون نحو عشرة في المائة من السكان، احتجاجاً على قيام مسلمين متشددين بهدم جزئي لكنيسة في محافظة أسوان الأسبوع الماضي. وطالبوا أيضا بإقالة محافظ أسوان لعدم توفير الحماية للمبنى. لكن المظاهرة انتهت بعد أن قام الجيش بالرد بعنف لسحق الاحتجاجات، كما يتهمه البعض، ما خلف 25 قتيلاً ومئات الجرحى.
دويتشه فيله عربية ناقشت هذه التطورات وتأثيرها على عملية التحول الديمقراطي في مصر، خصوصاً وأنها جاءت قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في 28 تشرين ثاني/ نوفمبر، والتي ستكون الأولى بعد سقوط نظام مبارك وتولي الجيش مقاليد الأمور في مصر.
من المستفيد من أحداث ماسبيرو؟
عن الجهة المستفيدة من وراء هذه الأحداث قال محمد السيد صالح، مدير تحريرِ صحيفة المصري اليوم، خلال استضافته في برنامج "نادي الصحافة" الذي تبثه قناة دويتشه فيله عربية، إن "جهات كثيرة في الداخل تستفيد من تداعيات هذه الأحداث، لا أعتقد أن ما تُسمى بفلول الحزب الوطني تقف وراء تلك الأحدث، المستفيد الأكبر هي تلك القوى الداعمة لغياب القانون وفرض شيء من العشوائية، تظهر عبثية تصرفات المجلس العسكري".
وعلى الرغم من نفى المجلس العسكري، في أكثر من مناسبة، أن تكون قواته قد أطلقت النار خلال تلك الاشتباكات أمام مبنى التلفزيون المصري في منطقة ماسبيرو بوسط القاهرة، إلا أن ميشائيل شتورمر، كبير مراسلي صحيفة "دي فيلت" الألمانية، يعتقد أن "مثل تلك الأحداث لا يمكن أن تحدث في القاهرة أو مكان أصغر في مصر دون موافقة المجلس العسكري، الأمر الذي يظهر خطاءً في القيادة العسكرية".
طريقة تعامل المجلس العسكري مع هذه الاحتجاجات فتحت الباب أمام تكهنات عدة؛ أن المجلس العسكري يرغب في إطالة أمد بقائه في السلطة من خلال تقديم نفسه كضامن لاستقرار الوضع في ظل اضطرابات داخلية، وفقا لما تحدثت عنه صحيفة "واشنطن بوست" صراحة. وبنما يرى صالح أنه "لا يوجد على الأرض ما يدل على ذلك حتى الآن، وأن ما حدث يقلل من شعبية المجلس العسكري ومن قبوله جماهيرياً"، يرى شتورمر أن هذه الأحداث أبرزت "نوعاً من الخلل الذي يضعف سطوة القوى السياسية ويزيد من هيمنة المجلس العسكري، الذي سيظهر بدوره كقوة وحيدة قادرة على السيطرة على الوضع، ما يفتح الباب بالتالي أمام فرضية تأخير الانتخابات أو التلاعب فيها".
وفي تعليق مشاهدي قناة دويتشه فيله عربية على الفيسبوك حول هذه النقطة يرى يوري بوستن أن "لا مصلحة للجيش في حدوث فوضى عارمة، فهذا الجيش نفسه هو الذي حافظ على الاستقرار في مصر، لكن ذلك لا يعني أن فلول النظام القديم قد لا تكون وراء مخطط يهدف إلى إشعال فتنة طائفية انتقاماً من الشعب المصري، وللفت الأنظار عن متابعة طابور المتورطين في قضايا فساد إبان حقبة مبارك سواء مسلمين أو مسيحيين".
اتهامات بتوظيف الأزمة
من جانبه يقول الصحفي الألماني شتيفان بوخن، خلال حديثه في برنامج "كوادريغا" الذي تبثه دويتشه فيله عربية: "إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر يجد صعوبة في نقل السلطة إلى جانب مدني أو الالتزام بالمواعيد التي أعلن عنها في بداية الثورة، لذلك فإن هناك اتهامات له بأنه يوظف مثل تلك الأحداث لتصعيد الموقف حتى يبرر استمرار تمسكه بزمام الأمور، وهذه التهمة مازالت قائمة حتى يثبت المجلس عكس ذلك". غير أن الباحث في الشؤون الإسلامية أحمد فكري إبراهيم يرى أنه "كلما طالت الفترة الانتقالية، كلما زادت احتمالات حدوث انقلابات عسكرية متكررة مستقبلاً على غرار النموذج التركي".
وفي تعليق مشاهدي قناة دويتشه فيله عربية على الفيسبوك حول هذه النقطة يقول خالد الحديدي إن "استمرار المجلس العسكري في الانفراد بالسلطة يفتح الباب أمام مثل هذه الاحتمالات، فضباط الجيش لن يحتملوا أن يضيع شهداء الثورة بلا جدوى، وستحدث انقلابات بالتأكيد. هذا إن لم يكن قد حدث شيء بالفعل وتم احتواؤه بسرعة. ورأينا كيف حدثت انشقاقات فردية في الجيش بميدان التحرير أيام الثورة وأُرسل أصحابها إلى السجون العسكرية".
مصداقية لجنة تقصي الحقائق
وبعد ارتفاع حدة الانتقادات باستخدام العنف المفرط في إخماد المظاهرة، أُعلن عن تشكيل لجنة تقصي حقائق بناء على تعليمات مجلس الوزراء. لكن هذه اللجنة جوبهت منذ الإعلان عنها باعتراض ناشطين وأحزاب مصرية. فقد أعلن حزب "التجمع اليساري المصري" على سبيل المثال اعتراضه على تشكيل لجنة تقصي الحقائق في أحداث ماسبيرو، متهماً إياها بأنها "غير محايدة". عن هذا يقول الصحفي والمترجم المصري سمير جريس: "اللجنة محل شك لدى كثير من النشطاء والثوريين، إذ يقولون هل يُعقل أن يحقق الجيش مع نفسه. لا بد من لجنة تحقيق مستقلة ترؤسها شخصيات مستقلة تتمتع بالمصداقية". ويضيف جريس بالقول: "إذا نظرنا إلى كافة أعمال العنف الطائفي منذ سقوط مبارك، فإنه لم يتم الكشف عن الجناة والحقيقة، ولم يُحاسب أحد بصورة فعلية، وهذا ما يؤدي إلى حالة من الإحباط لدى الكثير من الأقباط. الموضوع ليس موضوع بناء أو هدم كنيسة، إنما يتعلق بكشف الحقيقة ومحاسبة الجناة".
وعن الحلول التي يقدمها المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة عصام شرف يرى أحمد فكري إبراهيم أن "الحلول التي ينتهجها المجلس العسكري في الكثير من التحديات الراهنة على الساحة المصرية هي حلول نظام مبارك وجهاز أمن الدولة السابق، فهناك تعتيم على المعلومات وغياب تام للشفافية". وفي ضوء ذلك يشير إبراهيم إلى أن حل الكثير من الملفات الشائكة في المرحلة الانتقالية لمصر ما بعد مبارك يكمن في "استقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة ثورية تقودها شخصيات مستقلة تتمتع بتفويض الأغلبية، كي تقوم بالتعامل مع هذه المشاكل بحرية، وليس بيد مغلولة" بسطوة المجلس العسكري.
وعلى خلفية أحداث الأحد الدامي في القاهرة قرر مجلس الوزراء "إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات بشأن منع التمييز" وأعلن عن سرعة إقرار قانون موحد لدور العبادة، غير أن جريس يرى أنه بعد أشهر من التوتر والعنف والمواجهات الطائفية فإن هذه الإجراءات قد تكون متأخرة. ويضيف الصحفي المصري قائلاً: "أخشى أن نكون قد وصلنا إلى نقطة لا تنفع معها مثل هذه الحلول الجزئية. منذ سنوات وقانون موحد لدور العبادة مطروح في مصر، ويُناقش مرة بعد أخرى من دون أن يُقر". ويشير إلى أن مناقشة القانون ارتبطت كل مرة بأحداث العنف الطائفي، "فبعد أحداث كنيستي طفيح وإمبابة طرحت الفكرة مرة أخرى ولم يُستجب ها. أنا أخشى أنها تُطرح الآن مجدداً على الساحة من أجل التهدئة فقط"، مشيرا إلى أن "المناخ الآن وصل إلى مرحلة من الاحتقان والتطرف قد لا تنفع معها مثل هذه المسكنات".
عماد غانم
مراجعة: عبده جميل المخلافي