هل ألمانيا بحاجة إلى وزارة للاندماج؟
٣١ يوليو ٢٠١٦ألمانيا تتغير؛ لذلك فإن الدستور الألماني بحاجة إلى التغيير. هذه هي الحجة وراء مبادرة سياسية لجعل ألمانيا تلتزم بدمج القادمين الجدد إلى البلاد، من خلال إضافة مادة جديدة داخل "القانون الأساسي" (الدستور الألماني) من شأنها أن تجعل البلاد تلتزم بإدماج القادمين إليها وجعل ذلك "هدفا من أهداف الدولة".
أبرز الداعمين السياسيين لهذه الفكرة هي أيدن أوزوغوز، مفوضة الاندماج بالحكومة الاتحادية، والتي صرحت للقناة الثانية الألمانية (ZDF) "اعتقد أنها فكرة جيدة إذا ما أعلن القانون الأساسي بوضوح أي نوع من البلدان تكون ألمانيا، أي أنها بلد هجرة".
وأضافت أوزوغوز أن ألمانيا يجب أن تتابع ذلك من خلال إنشاء وزارة اتحادية مخصصة لسياسة الاندماج. وهناك ست ولايات ألمانية لديها بالفعل وزارة من هذا النوع، أو على الأقل لديها أسماء وزارات يذكر فيها الاندماج إلى جانب مجالات السياسات الأخرى، مثل الشؤون الاجتماعية والعدل، والأسرة، والصحة، والعمل والأطفال.
وقد وقع مؤخرا جدال مماثل في المملكة المتحدة، حيث اختارت رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي إسناد مهمة دمج اللاجئين السوريين في بلادها إلى إدارات مخصوصة بوزارة الداخلية، وهو ما جعلها تواجه انتقادات من حزب العمال المعارض.
ما هو المطلوب؟
لكن التغيير، الذي تدعو إليه مفوضة الاندماج أوزوغوز، التي تنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، يعني أمورا جوهرية أكثر بكثير. فحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة أنغيلا ميركل، والذي يعد الشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، أقل تحمسا بكثير للفكرة التي تطرحها أوزوغوز. وقد أصدر الحزب، الذي ينتمي إلى يمين الوسط بيانا يوم الاثنين بعنوان "نحن لسنا بحاجة إلى وزارة اتحادية للاندماج"، بدا فيه بالطبع أنه منزعج بشكل ضمني من اقتراح أوزوغوز.
وجاء في البيان إن "الاقتراحات (التي قالتها أوزوغوز) تعني خطأ، أن الحكومة الاتحادية متقاعسة في سياسة الاندماج". وأضاف البيان "إن العكس هو الصحيح: فقد أقرت الحكومة الاتحادية بوضوح أن الاندماج هو أحدى المهام الأساسية في عقدنا (الحالي)".
جميلة غيوسوف، المتحدثة الخاصة بشؤون الاندماج لدى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) اتهمت أوزوغوز بأنها غير عملية وقالت "الناس لا تحتاج وزارات جديدة أو مواد جديدة في القانون الأساسي" وأضافت "إنهم يحتاجون ويتوقعون دعما ملموسا ومساعدة. ومطالب المفوضة أوزوغوز لا تحل أي من المشكلات بشأن مسألة الاندماج".
لكن فرهاد ديلمغاني، رئيس جمعية "DeutschPlus"، التي اقترحت في البداية الإضافة الدستورية، قال إن هذا ليس المقصود- فبمجرد وضع الهدف من حيث المبدأ، سيتبعه لزاما الآثار العملية المترتبة عليه. وأضاف ديلمغاني في حديث مع DW: "القانون الأساسي حدثت به تغييرات في كثير من الأحيان في السنوات الـ60 أو 70 الماضية، على سبيل المثال عندما تم تكريس حماية البيئة. ويجب أن يعبر القانون الدستوري عن الواقع الاجتماعي".
وكان ديلمغاني قد ذكر العام الماضي في مقال له بصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" مقترحا لنص المادة الجديدة: "إن جمهورية ألمانيا الاتحادية هي دولة هجرة متنوعة، ولهذا السبب فإنها تشجع المشاركة والاندماج على قدم المساواة".
وقال ديلمغاني: "إن الميزة العملية هي أنك حين تنص على (أن الاندماج) هدف من أهداف الدولة فإن أجهزة الدولة تكون ملزمة بمواصلة ذلك من الناحية التشريعية والتنفيذية والقضائية". وتابع "هناك جهات عديدة دعمت (الفكرة) بما في ذلك (سياسيون) محافظون".
مجتمع جديد، تحد جديد وقانون جديد
ويقول البعض، إن هذا الإلزام الدستوري من شأنه أيضا أن يساعد على حل المشاكل في جوانب أخرى. فنحو 20 في المئة من الألمان لديهم بشكل أو بآخر أصول غير ألمانية، لكن تواجدهم في المؤسسات العامة ضعيف. ويضيف ديلمغاني "هذه الفجوة يجب أن تسد".
كما أعرب ديلمغاني عن استغرابه من بيان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وقال: "بالنسبة لي من الغريب أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي / حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي ضد فكرة (إضافة مادة دستورية للاندماج)، لأن كل ولاية من الولايات التي يحكمان فيها، توجد بها وزارة للاندماج". ليس ذلك فحسب، بل إن جميلة غيوسوف تعلن أنه حتى السياسيين المحافظين متفقون على أن الاندماج هو واحد من أكبر التحديات الاجتماعية بالنسبة للبلد. وأضاف ديلمغاني "لكن لا توجد مؤسسة (اتحادية) يمكن أن تتولى هذه المهمة، بل إنه لا توجد حتى لجنة برلمانية للاندماج".
وغالبا ما وضعت إدارات الحكومة الجديدة التغييرات الدستورية المعمول بها في رد فعل على الأزمات أو لمواجهة مخاوف عامة جديدة. فوزارة البيئة فيما كان يعرف بألمانيا الغربية، على سبيل المثال، أنشئت في عام 1986، وهو العام نفسه، الذي شهد كارثة تشرنوبيل النووية، في حين أن مادة جعل حماية البيئة "هدفا من أهداف الدولة" دخلت الدستور الألماني في عام 1994.
في الواقع، فإن ألمانيا الغربية أنشأت ذات مرة وزارة خصيصا للتعامل مع أزمات مختلفة للاجئين- حيث كان هناك "وزارة للنازحين واللاجئين والمتضررين من الحرب" بين عامي 1949 و 1969، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ولكن على الرغم من المخاوف العامة بشأن الهجرة والحاجة الملحة الناتجة عن أزمة اللاجئين، لا توجد لدى الحكومة خطط لتوسيع دور المفوضة أوزوغوز كوزيرة دولة لشؤون الاندماج.
وأضاف ديلمغاني "إن مفوضة دولة هي في الواقع أمين مظالم، أي شكل من أشكال المتحدثين الرسميين أما الوزارة فيمكنها أن تضع قوانين، وأن تمثل وجهة نظر قوية داخل الحكومة أكثر بكثير من مفوضة".
وفي مقابلة أجرتها مؤخرا مع إذاعة "دويتشلاند فونك" ذكرت أوزوغوز باختصار: "مفوض الدولة يستطيع أن يقول الكثير ... ولكن في نهاية المطاف لا يمكنه أن يضع ولو قانونا واحدا، وفي نهاية اليوم عليه أن يسأل وزراء، هل يمكن ربما أن تضعوا هذا أو ذاك بعين الاعتبار؟".