هل أخذ المصريون يشعرون بالحنين لمبارك وعهده؟
٢٩ أبريل ٢٠١٣يرى خليل فاضل، الكاتب واستشاري الطب النفسي أن الحنين ليس لمبارك بالتحديد، بل هو حنين إلى الاستقرار والهدوء. ويشير فاضل إلى جرافيتي تم رسمه على أحد جدران القاهرة في أعقاب الثورة يقول: "إوعاك ياخدك غرورك، تهندس المجهول". الخوف من المجهول يتحكم في حياة الناس، وما يحدث الآن هو المجهول بالنسبة لهم.
حارس البالوعة
وينطلق فاضل من مشهد مبارك في المحكمة: "مبارك كان يقوم بدور حارس البالوعة، فلما رحل انكشفت البالوعة وانكشف ما تحتها من حشرات وفضلات آدمية، لذا فإن أيام الثورة صحيح أنها كشفت عن أفضل ما في الإنسان المصري، لكن ما تلاها كشف عن أسوأ ما فيه. وهو يدرك هذا، ولذلك فهو سعيد بالنتائج التي تحققت بعد رفع غطاء البالوعة. الناس يحللون الوضع بشكل صحيح، يقولون إن مبارك كان فاسداً ولكنه كان لديه حس بالإدارة".
الوضع فيه شق نفسي أيضاً، يضيف، مثل الطفل الذي يبكي عندما يرحل أبوه، هو لا يبكي أباه وإنما يبكي نفسه بدون أبيه، فهكذا هم المصريون، يبكون أنفسهم بدون مبارك. ولكن هناك ظروف اجتماعية أيضا. هناك إحساس بعدم أمان حقيقي في الشارع، وهو يغذي الإحساس النفسي بالخوف، بالإضافة إلى الشيطنة المبالغ فيها التي قام بها الإعلام للإخوان المسلمين.
وبهذه المناسبة، فلدى فاضل رواية جديدة بعنوان "الصفارة"، بطلها شاب كان يبلغ ثلاث سنوات عندما تولى مبارك حكم مصر، وفوجئ ذات يوم إن مبارك قد رحل عن السلطة، لذا فتختلط عنده الحقائق بالأوهام. لا يحتمل نفسيا هذه الحالة. مبارك كان يمثل بالنسبة له "الحقيقة"، فلما رحل شك في عقله هو نفسه.
أمين الشرطة كرمز لعهد مبارك
أما علي الرجال، الباحث في علم الاجتماع السياسي، فيبدأ بتحليل آليات عمل نظام مبارك داخل أذهان الناس مما يسمح الآن بتواجد حالة الحنين له. يقول الرجال لـ DW عربية: "القمع لم يكن الآلية الوحيدة لمبارك. لقد خلق حالة تماه بينه وبين الناس عن طريق الاتساق في المصالح، والالتصاق المعرفي بخطابه، بالإضافة إلى الاعتياد". جانب الاعتياد هذا يبدو هنا الجانب الأساسي. يحكي الرجال عن لقاء جمعه بأحد سائقي عربات النقل أيام الثورة. كان السائق يبدو متعصباً ضد الثورة. ناقشه الرجّال مشيرا إلى وزارة الداخلية ودورها في التنكيل بالمواطنين، فوافقه السائق وقال له: "أوافقك في كل هذا، ولكن نحن قد فهمنا هذا النظام وتعودنا عليه". واحد من أهم الشفرات التي تعود عليها الناس في نظام مبارك هو أمين الشرطة.
تكونت علاقات عمل ومصالح اقتصادية بديلة في عصر مبارك، كما يشرح، فقد حلت الدخول اليومية والسريعة للناس محل الاقتصاد طويل الأمد. وفي ظل مؤسسات منهارة، فقد كان واحد من أبرز رموز عصر مبارك هو المخبر أو أمين الشرطة. فالمواطن في الشارع يحتاج لأمين الشرطة حتى يتفادى غضب القانون، فيبدأ في رشوته، وأمين الشرطة لا يتقاضى سوى 400 جنيها، فيستجيب: "الإفساد لم يكن قادما من الشرطة إلى المواطنين فحسب، وإنما كان قادماً من أسفل لأعلى أيضاً".
المخبر بالنسبة له عنصر دال جدا على عصر مبارك، حيث كان يتجلى فيه كل من الطابع المؤسسي واللامؤسسي للنظام. ونتيجة لضعف مؤسسات الدولة في عصر مبارك فقد أصبح المخبر أو أمين الشرطة هو الذي تحل فيه روح الدولة وهو ممثلها في الشارع. وبدأ التحول في وجهة نظره في دور الدولة عندما تحول دور أمين الشرطة من الدور المعلوماتي – كما كان أيام ناصر – ليصبح أيام مبارك طرفاً في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. "الداخلية لا تستطيع مثلا دخول العشوائيات، فتبدأ في الاعتماد على رجلها الموجود هناك، وهو أمين الشرطة، الذي سرعان ما يصبح جزءا من منظومة العلاقات داخل المنطقة العشوائية".
ولكن هناك أسباب أكثر مباشرة أيضاً للحنين لمبارك، كما يقول الرجّال، فبعد وصول الإخوان للحكم قال بعض داعمي الثورة إن شفيق (آخر رئيس وزراء في عهد مبارك ومرشح الرئاسة السابق) لو كان قد كسب الانتخابات كان الوضع سيكون أفضل، لأنه ليس لديه صلف الإسلاميين ولا عصبتهم. في اعتقاده أن لا شيء قد تغير بين مبارك والإسلاميين. نفس التصورات النيوليبرالية للاقتصاد هي التي تتحكم هنا، ولكن يضاف إليها أيضا الجانب العقائدي، وهو ما يثير الشارع المصري.
ويرى الرجال أنّ أيام المجلس العسكري كان يحدث اضطراب في الشارع كل شهرين أو ثلاثة، أما مع الإسلاميين فكل يوم يكون الشارع في حالة غليان. يضاف إلى هذا "صلف الإسلاميين وقدرتهم على إثارة الرأي العام ضدهم". لهذا كله يقابل الرجّال الكثيرين من جيرانه ممن يلومون الثوار، لاعتقادهم أن الثوار هم من أتوا بالإسلاميين: "يقولون لي أن شفيق لو كان هو من كسب الانتخابات لم يكن ليضرب الشعب سوى في المظاهرات، أما اليوم فالعنف يتخذ ضد الجميع وفي أي مناسبة، ويضاف إلى هذا الاشتباكات الأهلية بين مختلف فئات الشعب، هذه لم نرها أيام مبارك".
لم يكن هناك بديل سوى الثورة على مبارك
أحمد فهمي دبلوماسي يعمل بالقنصلية المصرية في لندن، ويعد في نفس الوقت رسالة دكتوراه حول "شرعية الدولة المصرية الحديثة وعلاقتها بالثورة المصرية". ويبدو فهمي في رؤيته لمجريات الثورة مستفزا للكثيرين من الثوار، بسبب حرصه على تحليل الوضع بعيداً عن الجانب الرومانسي في الثورة، بالإضافة إلى تصنيفه نفسه إصلاحياً وليس ثورياً، ولكنه برغم هذا فقد شارك في الثورة ضد مبارك. يقول لـ DW عربية: "بالرغم من أنني أرى أن الثورة - أي ثورة - هي تعبير عن فشل مجتمعي وسياسي هائل وتناقضات بلغت ذروتها، وبالتالي فهي لا ترتبط في وجداني بصورتها التلفزيونية المبهرة وإنما بمعاني الغضب والفشل واليأس، برغم هذا فقد كنت وصلت لقناعة أن طرق الإصلاح قد سُدت، وأن الثورة أصبحت طريقاً وحيداً لتحريك الأمور". وبالرغم من اقتناعه أن حال مصر الآن أسوأ بما لا يقاس مما كانت عليه أيام مبارك، ولكنه في نفس الوقت يعرف أنه لم يكن هناك بديل غير الثورة على مبارك، وإن انحدار الأحوال بعد ذلك لا تتحمله "فكرة" الثورة في حد ذاتها بقدر ما تتحمله نرجسية الثوار وانتهازية السياسيين والإخوان.
في نفس الوقت لا يحمّل فهمي مبارك وعصره مسؤولية كوارث مصر، يعتقد أن هذه الكوارث أعقد كثيراً من مساهمته فيها، وأن "حكم التاريخ عليه سيكون على ما لم يفعله وكان يجب عليه فعله، وليس على ما فعله بالفعل".