هذا ما تطبقه روسيا من "التجربة السورية" في أوكرانيا!
١٠ مارس ٢٠٢٢"قمنا باختبار أكثر من 320 نوعاً من مختلف الأسلحة في سوريا، بما فيها مروحياتكم"، هكذا قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال لقاء مع كوادر شركة "روست فيرتول" لصناعة المروحيات في تموز/ يوليو الماضي، كما نقلت عنه وكالة "نوفوستي" الروسية. وعاد الوزير ليؤكد في آب/أغسطس لوكالة تاس الروسية أن غالبية الأنظمة الروسية الحديثة جرى استخدامها في سوريا.
تظهر روسيا من خلال هذه التصريحات وأخرى مشابهة أنها استفادت من تدخلها في الحرب السورية والذي اعتبر نقطة التحول التي سمحت للرئيس السوري بشار الأسد بالبقاء في الحكم واستعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد. ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، حذر مسؤولون غربيون من احتمال لجوء روسيا إلى استخدام تلك الأسلحة وغيرها من "الأسلحة غير التقليدية" في أوكرانيا، مشيرين إلى أن موسكو استخدمتها في سوريا، كما نقلت عنهم وكالة الأنباء الألمانية.
ويستحضر الهجوم الروسي على أوكرانيا لدى البعض صور الحرب السورية، ويثير مخاوف من حرب كاسحة، مع مشاهد القصف المكثف والمدمّر والاتهامات بارتكاب "جرائم حرب" واستخدام أسلحة محظورة، وهي اتهامات وجهتها منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش لموسكو في كل من سوريا وأوكرانيا. وقد حذر البيت الأبيض من أن روسيا ربما تخطط لهجوم بأسلحة كيمياوية أو بيولوجية في أوكرانيا في أعقاب مزاعم روسية بأن كييف تقوم بتطوير أسلحة نووية أو بيولوجية. وقال مسؤول غربي إن روايات مماثلة وردت من روسيا قبل "استخدام الأسلحة الكيماوية" في سوريا.
ممارسات روسية متشابهة في سوريا وأوكرانيا
وقد حضت لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا الأربعاء (التاسع من آذار/مارس 2022) قادة العالم على بذل كل جهودهم للحؤول دون أن تتحول أوكرانيا إلى ما يشبه سوريا الدولة التي "دُمرت" إثر 11 عاماً من النزاع. وقال رئيس اللجنة باولو بينهيرو "نرى منذ 2015 ممارسات مشابهة من جانب الاتحاد الروسي في النزاع الذي نراه في بلد آخر اليوم"، مشيراً إلى أوكرانيا.
ويرى تشارلز ليستر، خبير الشؤون السورية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن بوتين يستخدم في أوكرانيا نفس استراتيجيته في سوريا. ونشر على تويتر مقطع فيديو يظهر الدمار في مستشفى الولادة بمدينة ماريوبول الأوكرانية نتيجة القصف الروسي، وكتب: "هذا ليس استثناء أو خطأ - هذا جزء لا يتجزأ من استراتيجية بوتين للحرب. أي شخص صدم من هذا كان أعمى عن 11 عاماً من الجرائم في سوريا".
ويعتقد مسؤولون غربيون أن روسيا قد تلجأ في حربها بأوكرانيا إلى استراتيجيات طبقتها في سوريا. فقد عبر وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان عن خشيته من أن يكون "الأسوأ أمامنا" مع "منطق الحصار" الذي سبق أن استخدمه الروس في سوريا.
"منطق الحصار"
وتعتبر روسيا التي تعهّدت بفتح "ممرات إنسانية" لخروج آلاف السكان من مدن أوكرانية رئيسية تحت مرمى نيرانها، "مهندسة" أبرز اتفاقات إخلاء المدنيين من مناطق محاصرة خلال سنوات النزاع السوري. وبادرت روسيا إثرها الى نسج اتفاقات تضمنت إجلاء مدنيين ومقاتلين، ما فتح الطريق أمام دمشق لاستعادة مناطق عدة. وسادت فوضى بعض عمليات الإجلاء التي تمّ تعليقها لأكثر من مرة بسبب استهداف الحافلات وانعدام الثقة بين الأطراف المعنية وغياب رقابة دولية عن معظمها، كما يحصل الآن في أوكرانيا.
وتقول الباحثة في معهد الشرق الأوسط إيما بيلز لوكالة فرانس برس: "في أوكرانيا، نشهد بعض المخاطر التي رأيناها في سوريا"، وتضيف: "في بعض الأحيان، تقود طرق الإجلاء الى أراض يسيطر عليها أحد أطراف النزاع الذي يخافون من الخارجين، وتكون لديهم مخاوف تتعلق بالأمن والحماية". وتتابع بيلز: "في بعض الحالات، تتم مهاجمة الطرق خلال عمليات الإجلاء، ما يتسبب بإصابة أو مقتل مدنيين".
وتحاول روسيا اليوم اتباع استراتيجية تفعيل "الممرات" التي ترى فيها أوكرانيا "حيلة إعلامية"، إذ تؤدي أربعة من ستة ممرات اقترحتها موسكو إلى روسيا أو جارتها وحليفتها بيلاروس. وانطلاقاً من "التجربة السورية"، تشكّك باحثة سوريا لدى منظمة هيومن رايتس ووتش سارة كيالي في نجاح استراتيجية الممرات الإنسانية في أوكرانيا. وتقول لفرانس برس: "هاجم تحالف القوات السورية-الروسية ومجموعات المعارضة الممرات. في بعض الحالات، وجد مدنيون استخدموها أنفسهم قيد التوقيف أو الإخفاء عوضاً عن (بلوغ برّ) الأمان".
حصار فإجلاء فسيطرة!
شكّل هجوم القوات السورية على الأحياء الشرقية، معقل الفصائل المعارضة في مدينة حلب (شمال)، بعد حصار خانق ومحكم، أول مثال على التدخل العسكري الروسي الذي سرعان ما رجّح كفة الميدان لصالح دمشق. بدءاً من منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2016، شنّ الجيش السوري بدعم روسي هجوماً واسعاً على الأحياء الشرقية خوّله في 22 كانون الأول/ديسمبر بسط سيطرته على كامل المدينة، في نفس اليوم الذي انتهت فيه أولى عمليات الإجلاء.
وتمت عمليات الإجلاء بموجب اتفاق أبرمته روسيا وإيران، الداعمتين الرئيسيتين لدمشق، مع تركيا الداعمة لفصائل المعارضة. وبدأت أولى عمليات الإجلاء في 15 كانون الأول/ديسمبر وانتهت في 22 منه. وتمّ إخراج 35 ألف شخص بين مقاتلين ومدنيين، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر حينها.
وعاشت الغوطة الشرقية الواقعة على مشارف دمشق "أطول حصار في التاريخ الحديث"، بحسب رويترز، استمر أكثر من خمس سنوات قبل أن تستسلم في 2018 أمام هجوم ساندته روسيا. وتوصل محققو الأمم المتحدة إلى أن الحصار واستعادة الغوطة الشرقية شهدا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقال المحققون إن حملة استعادة المنطقة انطوت على هجمات عشوائية أصابت المنازل والأسواق والمستشفيات.
"أوكرانيا ليست سوريا!"
وتوقظ حرب روسيا في أوكرانيا ذكريات مؤلمة في سوريا. وأشار زكريا ملاحفجي المسؤول في المعارضة السورية الذي كان ممثلاً سياسياً للمعارضة في حلب عام 2016، إلى أن مناطق في المدينة وأجزاء أخرى من سوريا كانت في السابق في أيدي المعارضة تعرضت لـ"تفريغها من السكان". وقال لرويترز: "تجربتنا تقول هذا. برأيي أن الأوكرانيين ينبغي أن يكونوا حذرين من أي شيء يطرحه الروس"، مضيفاً أنه نقل مخاوفه إلى "صديق" في وزارة الخارجية الأوكرانية. من جهته قال محمود مدراتي (55 عاماً)، وهو ممن تم إجلاؤهم من حلب في 2016: "انتهوا من حلب وانتقلوا الآن إلى بلد آخر (أوكرانيا) ومن يدري إلى أين سيتجهون المرة القادمة".
لكن دبلوماسياً أوروبياً أكد، في تصريح لفرانس برس، أن "أوكرانيا، بالنسبة للروس، ليست مثل سوريا، فبسط القنابل هو أمر أكثر تعقيداً بالنسبة لهم، إنهم اشخاص أقرباء وبعضهم لديه عائلة"، فضلاً عن الدعم الدولي الهائل الذي تتمتع به أوكرانيا. ويتفق معه الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إيلي تينينباوم والذي يقول: "هل سيلجأ الروس إلى أقصى الحدود التي استخدموها في حلب؟ لا أعتقد بوجود أي تردد خاص لدى هيئة الأركان العامة الروسية في ايقاع ضحايا من المدنيين"، ويضيف: "لكن ما يثير الجدل هو إثارة موضوع الجنود المقربين من السكان الأوكرانيين والذين سيشككون في شرعية الغزو".
م.ع.ح/إ.م (د ب أ ، أ ف ب ، رويترز)