"هتلاقي دواك".. تطبيق مصري لتطوير سوق الدواء وتوفيره للمرضى
١٤ يوليو ٢٠٢١في صيدليتها بمركز الواسطي في محافظة بني سويف، تقف هناء الطبيبة الصيدلانية الشابة لتقدم الدواء لهذا المريض والاستشارة لذاك، وما تلبث وأن تعود إلى مكتبها حيث تعكف على تطوير تطبيقها "هتلاقي دواك" الذي دشنته العام الماضي.
في مايو/أيار، كانت جائحة كورونا قد وصلت ذروتها في مصر، وتركت فراغا هائلا ونقصا في بعض الأدوية والمستلزمات الطبية خاصة في القرى والمراكز خارج العاصمة القاهرة. تصف هناء المشهد لـDW عربية، بقولها "لم تكن أزمة كورونا عادية... حدث نقص رهيب في بعض أصناف الأدوية التي كانت تستخدم لتخفيف حدة الوباء مثل الفيتامين وبعض المضادات الحيوية".
لم يكن مصابو الوباء يجدون الدواء بسهولة، وإذ وجدوه يتعرضون "للاستغلال المادي"، حينها أخذت هناء على عاتقها مسؤولية توفير تلك الأصناف الدوائية في صيدليتها لأهالي منطقتها. ساعدها في ذلك شبكة العلاقات التي كونتها مع مخازن ومصادر الأدوية طوال فترة عملها.
قضت هناء أبو طالب طفولتها في الإمارات حيث يعمل والداها هناك، قبل أن تعود إلى مصر عام 2005 لتلتحق بكلية الصيدلة في جامعة بني سويف إلى أن تخرجت منها عام 2010، لكنها لم تحتك بسوق الدواء حتى بدأت إدارة صيدليتها عام 2012، حيث لم تكن هناك سيدة تقف في صيدلية بحكم التقاليد المحافظة في المدينة وقتها.
مساعدة المرضى والصيدليات
"وجدت أن هناك نقص في أدوية كثيرة... كما تنتشر السوق السوداء للدواء بشكل واسع، وهذا كان يزعجني للغاية" تقول هناء وتضيف "لهذا كنت أريد أن أتميز في صيدليتي، والمبيعات تكون من عندي، فكونت شبكة علاقات مع مخازن الأدوية، كما أنها جذبت أطباء للعمل في المدينة"، وساعدها في ذلك زوجها الصيدلاني أيضا وشقيقيها الأكبر الأستاذ في كلية الطب بجامعة بني سويف، وأختها الصغرى طبيبة المخ والأعصاب.
"أعيش في قرية فقيرة، وأدرك جيدا معاناة الناس في العثور على الأدوية، لذلك حاولت قدر الإمكان المساعدة في مواجهة الجائحة"، تقول هناء.
ورغم ذلك شعرت الصيدلانية الشبابية، بعبء أخلاقي مزدوج سواء تجاه أهالي مدينتها، فهي لن تستطيع أن تلبي جميع احتياجاتهم، أو تجاه زملائها أصحاب الصيدليات المجاورة الذين لا يعرفون جميع مصادر الدواء التي تعرفها.
حينها خطرت لها فكرة إنشاء منصة إلكترونية مجانية لا تقتصر على قريتها ولكن على مستوى مصر، لتكون "حلقة وصل بين الصيدليات والمريض لمساعدته في توفير احتياجاته من الدواء وتقديم الاستشارة الطبية، وفي الوقت نفسه تساعد الصيدليات على تنويع مصادرها وتقليل نواقص الأدوية".
استعانت هناء بفريق من 5 أفراد مبرمجين ومصممين لمساعدتها في إنشاء التطبيق وتسجيله، بينما هي تكفلت بالمحتوى الذي ستقدمه حتى رأى التطبيق النور في أغسطس/آب 2020 عبر أجهزة أندرويد.
هجوم من الصيادلة!
خاضت هناء مع فريقها نقاشا حول اختيار اسم التطبيق حتى استقرت على: هتلاقى دواك Hatla2ee Dawak"اعترض فريقي في البداية على الاسم، لكنني تمسكت به لأنه يعبر عن فكرة التطبيق، والاسم باللهجة المصرية سهل الحفظ ويجذب الجميع".
تلقت هناء دعما كبيرا من أسرتها وأصدقائها، وزوجها الذي كان متخوفا في بداية الأمر، فيما لم يتقبل الصيادلة الفكرة بسهولة "كنت متخلية أنهم سيقبلون على التطبيق، لكني فوجئت بهجوم كبير لاعتقادهم أن هدفي هو بيع الأدوية أونلاين. لكن ذلك محظور قانونيا ويتعارض مع هدفي في تقليل معاناة المرضى وخدمتهم مجانا، ولن أسمح بذلك عبر التطبيق".
بينما كنا نتحدث معها، جاء خالد علي وزوجته ليشتري الدواء لطفلته، يقول لـDWعربية، "الدكتورة هناء تساعد الأهالي بكل السبل التي تستطيع، وتوفر لنا الأدوية التي فيها نقص. إنها نموذج يحتذى، نتمنى أن يكون هناك كثيرون مثلها".
الحاجة لمزيد من الإصلاح
كسب التطبيق الثقة بسرعة، خاصة بعدما أضافت إليه هناء قاموسا لأصناف الدواء يضم 17 ألف صنف دوائي، "كانت مهمة شاقة استغرقت 6 أشهر فلا توجد مصادر واضحة لأصناف الدواء في مصر، لذلك عكفت على تجميعها من مصادر مختلفة وكذلك بدائلها وأسعارها". بوجود القاموس زاد معدل تحميل التطبيق أكثر من 10 آلاف وانتشر في جميع المحافظات، وصعد إلى المرتبة الثامنة في تطبيقات الدواء الالكترونية في مصر.
وتواجه الصيدليات في القرى والمدن البعيدة عن العاصمة القاهرة مشاكل في وفرة الأدوية حيث لا يوجد موزعون رئيسيون هناك، وبالتالي فإن مثل هذه المبادرات "جيدة للغاية"، يقول الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أحمد عزب. ويشير عزب، إلى أن قطاع الدواء بمصر يعاني من أزمات عميقة ليست وليدة جائحة كورونا، وهو ما دفع صيادلة مثل هناء إلى البحث عن حلول فردية، وسط غياب سياسة دوائية واضحة.
"كانت هناك 3 هيئات منفصلة مسؤولة عن الدواء تتنازع اختصاصاتها، كما كانت المستشفيات أو كليات الطب تعقد صفقات شراء الأدوية منفردة، وهو ما أدى بدوره إلى ارتباك سوق الدواء" يضيف عزب لـ DW عربية. وذلك قبل أن تخطو الحكومة خطوة إصلاحية جريئة في أغسطس/أب 2019، بإصدار قانون لتوحيد قطاع الدواء وضبط السوق.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أول مدينة مطورة للدواء (شمال القاهرة) لمنع الممارسات الاحتكارية وضبط أسعار الدواء، وقال إن بلاده تهدف لتوطين صناعة الأدوية.
"لكن الوضع لا يزال بحاجة لمزيد من الإصلاحات، فلا توجد أي قواعد بيانات حول الدواء في مصر لمعرفة النواقص، كما أننا نعتمد على استيراد 90 بالمائة من المواد الخام للأدوية، ونكتفي بتغليفها وتعبئتها" يؤكد عزب.
وتقول هناء وهي تعمل أيضا كصيدلانية بمركز صحي حكومي في مدينتها، إنها تحاول المساعدة لتغيير الوضع من خلال فكرتها. إذ "هناك إجراءات جيدة للغاية اتخذتها الحكومة مؤخرا في ملف الصحة، لكن علينا أن نبدأ بأنفسنا"، تقول هناء.
وفيما يؤكد الباحث أحمد عزب أن مثل تلك المبادرات الإيجابية يجب أن تتبانها الحكومة لأن "الدواء يمس حياة بشر"، تواصل هناء تطوير تطبيقها لطرحه عبر أجهزة آبل أيضا، فيما تخطط مستقبلا لنقل التجربة إلى دول أخرى مثل الإمارات حيث قضت نصف حياتها هناك.
القاهرة- محمد مجدي