هايكو ماس ـ سياسي ناجح رغم تعدد الخسائر
٩ مارس ٢٠١٨"مهمتي هي العدالة. طوال حياتي السياسية ناضلت من أجلها. هذا هو شعاري". هكذا يصف وزير الخارجية الألماني الذي سيطون ضمن طاقم الحكومة الالمانية القادمة، هايكو ماس، نفسه على موقعه الإلكتروني. هذه الجملة تناسب منصبه السابق كوزير للعدل. لكنه قريبا سترك هذا المنصب بعد أربع سنوات من شغله له، ليصبح على رأس الدبلوماسية الألمانية. إلا أن هذا لا يعني أن عليه تغيير شعاره السياسي، وربما قد يكون من المطلوب منه مستقبلاً أن يكون أكثر تروياً في تصريحاته، ذلك أن في منصبه الجديد كل كلمة يمكن أن تُفهم بشكل خاطئ قد تكون لها عواقب وخيمة أكثر من أي مجال سياسي آخر.
وبالرغم من أن هايكو ماس ليس شخصاً متسرعاً في الإدلاء برأيه دون تفكير، إلا أنه واثق بنفسه ولا يخفي آراءه أيضا، وهذا ما يستاء منه تحديداً حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي وحركة "بيغيدا" المعادية للإسلام، وذلك بسبب "قانون الإنفاذ الشبكي" الذي أقره ماس، والذي يطالب مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" بمراقبة أي محتوى مخالف للقانون في ألمانيا على منصاتها، ومسح هذا المحتوى إذا اقتضى الأمر.
"خائن للشعب" بالنسبة لليمين
حتى منظمات حقوقية مثل "مراسلون بلا حدود" انتقدت هذا القانون لأنها ترى فيه خطراً على حرية الصحافة وحرية الرأي. لكن العداوة الشخصية يضمرها فقط اليمين المتطرف لهايكو ماس. لكن ماس، البالغ من العمر 51 عاماً، لا تخيفه هذه العداوات، بل على العكس: إذ قبيل صدور هذا القانون كان ماس قد طرح كتابه الجديد "النهوض بل التملص – استراتيجية في مواجهة اليمين". في هذا الكتاب يتحدث ماس، الذي يحمل شهادة في القانون، عن تجاربه مع تعليقات الكراهية ومعارضي سياساته المستعدين للعنف.
وبسبب مسميات غير مثبتة، مثل "قانون الرقابة" وشتائم، مثل "خائن للشعب"، يعرب ماس عن قلقه حيال تماسك المجتمع، إذ يقول: "هنا تنتهي ثقافة النقاش السائدة في مجتمعنا". هذا القلق قد يحمله إلى الساحة الدولية عندما يضطلع بمهامه كوزير للخارجية، ذلك أن اليمين الشعبوي المتطرف يشهد صعوداً في عدداً من الدول حول العالم.
وداعاً للتغريدات السريعة
سيكون على هايكو ماس أن يتعلم التعامل بشكل دبلوماسي مع أصوات نشاز، مثل تلك الخارجة من أنقرة والتي تشبه السياسة الألمانية بـ"الوسائل النازية"، وألا يلجأ إلى التغريد على "تويتر" على استعجال، حتى بالرغم من نشاطه الملحوظ على هذه المنصة، والمتمثل في نحو أربعة آلاف تغريدة تصل إلى ما يقرب من ربع مليون متابع.
على العالم أيضاً أن يجهز نفسه لوزير خارجية ألماني يعتبر إيجاد حلول للمشاكل المجتمعية تحدياً رياضياً! وهذا يتفق مع شغف هايكو ماس بالرياضة الثلاثية (تراياثلون). لكن يبقى من الصعب تقدير ما إذا كان سيجد الوقت الكافي لممارسة السباحة والجري وركوب الدراجة الهوائية أثناء تنقلاته المتعددة حول العالم في منصبه الجديد.
علامة فارقة في حياة هايكو ماس الخاصة كانت انفصاله عن زوجته عام 2016، بعد زواج دام 15 عاماً أثمر عن ولدين، وارتباطه بالممثلة الألمانية نتاليا فورنر. ماس معروف أيضاً في الحياة العامة بملابسه المميزة، خاصة نوعية البدلات التي يرتديها، وهذا ليس بالمستغرب، فوالدته خيّاطة ووالده جندي في الجيش، مما قد يفسر أيضاً صراحته ووضوحه دون الالتفاف على المواضيع.
أحد من كانوا يقدّرون هذه الخصائص في هايكو ماس منذ فترة طويلة هو أوسكار لافونتين، الذي كان عضواً في القيادة الاتحادية للحزب الاشتراكي الديمقراطي وانتقل بعدها إلى حزب اليسار، إذ كان قد عيّن ماس سكرتير دولة أثناء توليه منصب رئيس حكومة ولاية زارلاند عام 1996. وبعد هذا المنصب بعامين، تولى ماس منصب وزير البيئة في جكومة الولاية وهو في سن 32 سنة ليصبح بذلك أصغر وزير في تاريخ ألمانيا المعاصر.
خسر سباق الترشح ثلاث مرات
بعد هذا الصعود السريع، جاءت أولى الهزائم عام 1999، عندما خسر الحزب الاشتراكي في انتخابات ولاية زارلاند ومعها خسر ماس الحقيبة الوزارية. ولكنه تمكن من توضيح معالم سياساته كزعيم للمعارضة في برلمان الولاية. ومع بداية الألفية الثانية، انتخب هايكو ماس زعيماً لفرع الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الولاية، ومن ثم انتخب إلى القيادة الاتحادية للحزب. ولكن المزيد من الصعود داخل الحزب لم يتبع ذلك، إذ خسر الحزب انتخابات الولاية مرتين عامي 2004 و2009، وبالرغم من أنه فشل مرة ثالثة في انتخابات جديدة مبكرة عام 2012، إلا أنه تولى في إطار ائتلاف مع حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي منصب وزير الاقتصاد ونائب رئيس وزراء حكومة الولاية.
في عام 2013 انتقل هايكو ماس إلى برلين وزيراً للعدل في حكومة أنغيلا ميركل، وهو في سن السابعة والأربعين، وهو سن صغير مقارنة ببقية وزراء الحكومة آنذاك.، وتميز بينهم بدفاعه المستمر عن حقوق المواطنين وحرياتهم، وهذا ما اوقعه في جدال مستمر مع وزير الداخلية توماس دي ميزيير، خاصة فيما يتعلق برفضه لقانون حفظ البيانات الإلكترونية الاحترازي.
لكن ماس غيّر موقفه هذا بعد عدد من الهجمات الإرهابية الإسلاموية في أوروبا وأصبح من المؤيدين لحفظ بيانات من يشتبه في تطرفهم وانتمائهم لتيارات إرهابية احترازياً، وهو قرار أكسبه سمعة ليست بالحسنة عند منتقديه. وبعد عدة هجمات أخرى، لاسيما هجوم الشاحنة على سوق عيد ميلاد في برلين عام 2016، أيّد هايكو ماس مرة أخرى قوانين تشدد من الأمن، من بينها إدخال ما يسمى بأغلال القدم الإلكترونية لمن يتم تصنيفهم بأنهم "خطيرون" وقد يرتبكون هجمات إرهابية.
لكن هذه التنازلات أمام المعسكر المحافظ لم تغير كثيراً في الصورة الإيجابية العامة عن ماس، وإلا لما وثق به حزبه الاشتراكي الديمقراطي أو المستشارة ميركل لشغل حقيبة الخارجية الهامة في الحكومة القادمة. وبهذا يكون هايكو ماس مثالاً للسياسي الناجح – رغم الهزائم المتعددة.
مارسيل فورستناو/ ي.أ