نوال السعداوي.. رحيل أيقونة واجهت الثالوث
٢٢ مارس ٢٠٢١نضال طويل ذلك الذي خاضته الطبيبة والناشطة النسوية الراحلة نوال السعدواي، في رحلة واجهت فيها تحديات ومواقف صعبة من التهديد بالاغتيال وصولاً إلى الاعتقال والسجن.
مواقف واجهتها السعداوي بشجاعة استثنائية على مدى عقود متواصلة في نضال بدأ من خمسينات القرن الماضي وكان عنوانه الرئيس "حقوق المرأة" حتى أصبحت رمزاً للحركة النسوية في العالم العربي.
وبفضل كلماتها الحادة ولهجتها الواثقة وكتاباتها الصريحة وتصادمها المباشر والمعلن مع الكثير من المسائل المتعلقة بالدين والجنس والسياسة، أصبحت نوال السعداوي اسماً مرموقاً في عالم الفكر والثقافة والأدب، لكنها في الوقت نفسه اكتسبت الكثير من الأعداء أيضاً وبوجه خاص من التيار الديني.
تمكنت الراحلة من تغيير الكثير من العادات والقوانين في مصر بل وامتد تأثيرها إلى الدول العربية أيضا، وأصبحت الكثير من كلماتها مرجعاً ومضرباً للمثل كجملتها الشهيرة "أنا أقول الحقيقة.. والحقيقة متوحشة وخطيرة"، والتي نقلتها عنها المطربة الأمريكية اريانا غراندي في إحدى تغريداتها:
ختان الإناث.. انتصار بعد عقود من النضال
بفضل نوال السعدواي، تغيرت رؤى ووجهات نظر ملايين السيدات بل وحتى الرجال في العالم العربي للمرأة، وخصوصاً لطبيعة العلاقة بين الطرفين، ليس فقط في العلاقة الجنسية وإنما في المعاملة اليومية وفي الإطارات المختلفة.
كانت الراحلة من أوائل المطالبين بتجريم ختان الإناث، مواجهة في ذلك عادات وتقاليد شديدة الرسوخ في المجتمع المصري، بل واصطدمت في ذلك مع الدولة نفسها ومع الكثير من رجال الدين، ما أدى إلى أن تخسر عملها في وزارة الصحة في السبعينات بسبب كتابها الجريء "المرأة والجنس"، وإلى سجنها لاحقاً عام 1981 ضمن حملة اعتقالات شملت معارضي الرئيس الراحل أنور السادات.
وبعد عقود من السجال، تم تجريم ختان الإناث في مصر عام 2008 ومؤخراً خرج الأزهر ودار الإفتاء المصرية بفتوى تحريم ختان الإناث وتغيرت تشريعات وقوانين ألقت بأطباء وآخرين في السجن بسبب تلك الممارسة غير الإنسانية.
في كتابها "الوجه العاري للمرأة العربية" تحدثت نوال السعداوي عن واحدة من أسوأ تجارب طفولتها، وهي تجربة الختان حين كان عمرها ستة أعوام، واصفة حجم الألم الجسدي والنفسي الذي تعرضت له بسبب تلك العملية، لتصبح واحدة من أهم القضايا في حياتها باعتبارها "أداة لقمع النساء". وكان كتابها على الرغم من كونه جاء صادماً ومتحرراً من قيود مجتمعية عديدة، إلا أنه كان شديد الإفادة للأجيال الجديدة من النساء وأدى الى تغيير الكثير من المفاهيم المتعلقة بالمرأة.
صدام مع الدين والسياسة
كانت نوال السعداوي شديدة الجرأة في الكثير من أطروحاتها، سابقة بذلك الكثير من رائدات العمل النسوي. فكانت من أوائل من طالبوا بمساواة المرأة مع الرجل في الميراث، كما كانت لها آراء قوية ضد حجاب المرأة، مثل قولها "فالحجاب ضد الأخلاق، لأنى لو أنا أردت أن أظهر بمظهر الشريفة، ساشترى حجاباً بخمسين قرش أو بخمسين جنيه، واشترى الجنة بهذا المبلغ، وأنا أريد أن أدخل الجنة بأخلاقى وسلوكي، وليس بقماش على رأسي"، وكانت ترى الحجاب رمزا لاضطهاد المرأة.
نوال السعداوي قالت خلال أحد لقاءاتها إن أحدهم سألها "هل أنت مسلمة؟ فقلت له: أي إسلام بتاع السعودية ولا مصر"، مؤكدة على أن هناك عدة صور من الإسلام، وأن كل نظام سياسي يفسر الإسلام على هواه ولصالحه وكانت من أشد المناهضين لاستغلال الدين سياسيا.
وكانت الراحلة تعتقد أن الإيمان بالفطرة باطل: "إحنا ورثنا الأديان عن أهالينا، وأنا بقيت مسلمة بالصدفة لأن أبويا كان مسلم"، وأن الخوف من الآخرة والعذاب والنار أمور زرعت في نفوس أطفال المنطقة العربية: "المدرسين خوفونى وأنا صغيرة بالنار في الآخرة ولما قولت لأمى قالتلى مفيش نار في الآخرة دي رمز بس".
وأكدت نوال السعداوي في أكثر من لقاء أن تهمة "ازدراء الأديان" التي تطارد الكثير من المفكرين والمثقفين في العالم العربي هي "تهمة مزيَّفة ومسيَّسة ومصدر دخل لهواة الشهرة".
صراع مع السلطة الأبوية
أيضاً كانت نوال السعداوي تكن عداء شديداً "للسلطةَ الأَبَويةَ" التي قالت إنها فُرضت على المرأة داخل الأسرة وخارجها، وكانت شديدة الانتقاد تجاه دعوات عودة المرأة للمنزل وعدم اختلاطها بالرجال وابتعادها عن المجال العام، مؤكدة أن ذلك يتعارض مع منطق أن المرأة في الكثير من الدول العربية هي مصدر الدخل الأساسي للأسرة.
وكثيراً ما طالبت بتحرير المرأة العربية مما وصفته بالعبودية للرجل من خلال استقلالها مادياً ونفسياً واجتماعياً من أجل أن تمتلك حرية القرار، وأن على المراة أن تدرك أنها في سبيل ذلك ستدفع ثمن تلك الحرية بدلاً من أن تدفع ثمن العبودية التي تعيشها، وهو ما تناولته بالتفصيل في كتابها " قضايا المراة المصرية السياسية والجنسية".
وفي كتابها "تأملات في السياسة والمرأة والكتابة" كتبت السعداوي تقول إن "العدالة أو الديمقراطية لا تتحقق إلا بعد أن تصبح الحرية والمساواة أسلوب حياة في البيت والشارع والمدرسة والعمل والترفيه واللعب".
وتؤكد على أن "الديمقراطية ليست الانتخابات وإنما العدالة والمساواة بين المواطنين، بصرف النظر عن الطبقة أو الجنس أو الدين أو العرق أو لون البشرة. وهذه الديمقراطية لم تتحقق إلى اليوم في أي بلد من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة حيث القيم العنصرية الطبقية الأبوية تسود الدولة والمجتمع".
زمار الحي لا يطرب!
على مدى سنوات عملها في الحركة النسوية والفكر والثقافة، نالت السعداوي عشرات التكريمات والدرجات العلمية الشرفية من جامعات مختلفة حول العالم. وفي عام 2020 عدتها مجلة التايمز الأمريكية كواحدة من بين أكثر 100 امرأة عربية تأثيراً، ووضعت صورتها على غلافها الخارجي.
الكاتب والروائي الكبير ابراهيم عبد المجيد كتب في رثاء السعدواي متحدثاً عن كتبها والقيم التي تضمنتها ما بين قضايا المجتمع والمرأة وأدب السجون، وكيف أنها كانت نافذة العالم على مصر من خلال إنتاجها الفكري والأدبي الذي تُرجم إلى عشرات اللغات والجوائز الدولية التي حصدتها.
إلهان عمر النائبة في مجلس النواب الأمريكي غردت عن نوال السعداوي متحدثة عن لقائهامع إحدى القنوات الأجنبية شارحة معنى النسوية. تقول النائبة إن الراحلة كانت مصدر إلهام للبعض ومصدر تهديد لآخرين وكيف أن والد إلهان عمر كان من أشد المعجبين بنوال السعداوي وأفكارها.
أليف شافاك الروائية والأديبة التركية الشهيرة كتبت عن نوال السعداوي قائلة إن كتابها "المراة في النقطة صفر" لايمكن نسيانه وإن وفاتها تمثل خسارة محزنة للمنطقة وللعالم.
ورغم كل هذا التكريم الدولي والحفاوة في الأوساط العالمية التي كانت تقابل بها، إلا أنها كانت دائماً ما تشعر بالمرارة بسبب عدم حصولها على أي تكريم مناسب في بلدها، بل على العكس فقد واجهت عشرات القضايا داخل مصر بسبب ما وصف بأنه ازدراء للأديان وتطاول على الإسلام وتحقير للذات الإلهية بل إن إحدى القضايا طالبت بالتفريق بينها وبين زوجها!
وكانت الكاتبة المصرية إقبال بركة قد طالبت محافظة القليوبية - مسقط راس الراحلة – بتكريم نوال السعداوي وأن يطلق اسمها على المدرسة التى درست فيها فى طفولتها وأن يقرر وزير التعليم على المدارس دراسة سيرة حياة ونضال السعداوي وأفكارها ما تحقق منها و مالم يتحقق.
كلمات خالدة
"أنا سأموت وأنت ستموت .. الأمر المهم هو كيف ستعيش حتى يأتي أجلك"
نوال السعدواي وإن كانت قد رحلت عن عالمنا بجسدها، لكن تبقى أفكارها الملهمة وإسهاماتها في الحركة النسوية محلياً وإقليمياً وعالمياً دليلاً لمن سيأتون بعدها. وهذه بعض أشهر مقولاتها:
- "إن شرف الإنسان رجلاً أو امرأة هو الصدق؛ صدق التفكير وصدق الإحساس وصدق الأفعال. إن الإنسان الشريف هو الذي لا يعيش حياة مزدوجة؛ واحدة في العلانية وأخرى في الخفاء".
- "جريمتي الكبرى.. أنني امرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل".
- "علموا بناتكم الاستقلال الاقتصادي حتى يبحثن عن رفيق للحياة وليس عن عائل، وعلموا أبناءكم الاستقلال المنزلي حتى يبحثوا عن حبيبة وليس عن عاملة منزل".
- "لم أعد أخاف الموت، فهو جزء من الحياة وهو جميل كالحياة الجميلة. الحياة بدون الموت غير محتملة وبائسة، لكن ألم المرض يهزمني".
- "يجب أن أكون أكثر صراحة، يجب أن أكون أكثر عدوانية لأن العالم بات أكثر عدوانية، ونحن بحاجة إلى أن يتحدث الناس بصوت عالٍ ضد الظلم".
ولدت نوال السعداوي عام 1931، وكانت الإبنة الثانية بين تسعة أبناء. تخرجت من كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1955 وعملت كطبيبة. ورحلت عن عمر يناهز 90 عاما بعد حياة ومسيرة فكرية حافلة.
عماد حسن