نهاية الطريق: أوضاع اللاجئين على جزيرة ليسبوس
١٦ مارس ٢٠١٧تدفع الرياح البحر في حركة مدّ تلتهم تدريجياً الشاطئ الشمالي لجزيرة ليسبوس اليونانية، لتصل أمواجه إلى أطراف الشوارع. كما تظلّ جبال الجزيرة غيوم محملة بالأمطار، وفي الأفق يستطيع المرء بالكاد استيضاح السواحل التركية.
تبدو شواطئ الجزيرة الممتلئة بالحصى مهجورة وفارغة – لا شيء فيها يذكّر باللظروف الدرامية التي شهدتها خلال أوج أزمة اللاجئين في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2015، عندما كانت جزر بحر إيجه اليونانية تستقبل يومياً نحو خمسة آلاف لاجئ. أما اليوم، وبعد عام على الاتفاق الأوروبي التركي بخصوص اللاجئين، لا تشهد الجزيرة سوى بعض العشرات من اللاجئين كل أسبوع.
على الشواطئ شرقي موليفوس، التي تبعد عشرة كيلومترات فقط عن الساحل التركي، تبدو الأوضاع هادئة للغاية، وفي أزقة قرية الصيادين، التي تقع على سفح قلعة أثرية، لا يرى المرء أي أثر للاجئين، باستثناء سفينة لخفر السواحل اليوناني رابضة بجانب جدار الميناء وبقايا قارب مطاطي متناثرة على الصخور، وحولها ستر نجاة برتقالية اللون تطفو فوق الماء.
اللاجئون لا يستسلمون
يقول أخيليس تسيموس، من منظمة "أطباء بلا حدود" في إحدى مقاهي مدينة ميتيليني، عاصمة جزيرة ليسبوس: "منذ إبرام اتفاق اللاجئين تغيرت طرق تهريب اللاجئين، فبات الكثيرون يختارون طريق ليبيا المحفوف بالمخاطر". لقد احتجت هذه المنظمة، التي تمتلك عيادة تعتني باللاجئين قرب المقهى، على الصفقة الأوروبية التركية. بالنسبة لها لا تشكل عمليات التفتيش الأكثر صرامة عائقاً في وجه اللاجئين، بل إنها تجبرهم على اللجوء إلى طرق أكثر خطورة.
ولكن بغض النظر عن كيفية رؤية المرء للاتفاق الأوروبي مع تركيا، فمن غير المشكوك فيه أن هذا الاتفاق أدى إلى تراجع كبير في عدد اللاجئين القادمين إلى جزر بحر إيجه. كما لا يمكن استبعاد نقض أنقرة لهذا الاتفاق إذا ما نشب نزاع بينها وبين أوروبا. وعلى الرغم من كل ذلك، ما تزال تركيا تسمح بتسلل بعض القوارب إلى اليونان، فيما تتكفل الأوضاع الحياتية على تلك الجزر بإخافة اللاجئين.
ملجأ أم سجن؟
لقد انتهت مرحلة صعود العبّارة من تلك الجزر إلى العاصمة اليونانية أثينا، ومنها عبر ما يسمى بطريق البلقان إلى وسط وشمال أوروبا. فمنذ توقيع اتفاقية اللاجئين، بات هؤلاء عالقين في الجزر لحين أن تنظر السلطات اليونانية في طلبات لجوئهم. وإذا ما مُنح هؤلاء اللاجئون حق اللجوء، عندها فقط سيُسمح لهم بالانتقال إلى اليابسة اليونانية (ولكن لن يسمح لهم بالعبور إلى ألمانيا أو إلى بلد أوروبي آخر). أما إذا رُفضت طلباتهم، فإنهم يُعادون إلى تركيا.
وبما أن عملية النظر في طلب اللجوء قد تمتد إلى عدة شهور، فقد أعيد فقط بضع مئات من اللاجئين إلى تركيا منذ إبرام صفقة اللاجئين في الثامن عشر من مارس/ آذار عام 2016. وفي الوقت الراهن، يبقى اللاجئون حبيسي جزيرة ليسبوس، وبالتحديد في مخيم موريا للاجئين هناك، الذي لا يبعد كثيراً عن عاصمة الجزيرة ميتيليني. المخيم يقع في واد خلاب وسط مزارع لأشجار الزيتون، ولكنه يبدو أقرب إلى سجن منه إلى مركز للإيواء.
عدم الرغبة في البقاء في موريا
تحيط أربع طبقات من السياج التي تعلوها الأسلاك الشائكة بمخيم موريا، وعلى مدخله يخضع الأفراد لتفتيش صارم. أما على أطراف المخيم فقد أقيمت أبراج مراقبة ، فيما اتكأ أفراد شرطة يرتدون زياً قتالياً على حافلة أغلقت نوافذها بقضبان معدنية. لا يسمح للصحفيين بدخول المخيم، ولكن أمامه أقيمت بعض المقاهي المؤقتة التي يجد اللاجئون تحت ظلال أغصانها مكانا لشرب الشاي، بعيدا عن أحزانهم داخل الخيام وعن وحدات سكن المخيم.
محمد يجلس على إحدى الطاولات في إحدى هذه المقاهي مع صديق له ويعبثان بهاتفيهما النقالين. الشاب الكردي السوري فر عام 2013 من مدينة عفرين في الشمال الشرقي لسوريا، وأقام في اسطنبول أربع سنوات وعمل هناك في قطاع النسيج، قبل أن يقرر سلوك الطريق إلى ألمانيا عبر اليونان، حيث يقيم أقاربه. لكنه مازال يقبع في موريا منذ خمسة أشهر، ولم تعد تخيفه حقيقة استعادته إلى تركيا خلال عشرة أيام، فكل شيء بالنسبة له أفضل من عذاب الانتظار في موريا.
أسرى السلطات
من جانبه، يقول تسيموس من منظمة "أطباء بلا حدود": "الشك ينهك قوى الناس ... عدم معرفة مدة الانتظار والمستقبل المجهول لأوضاعهم تشكل ضغوطا كبيرة على اللاجئين". النظر في طلبات اللجوء يستغرق وقتاً طويلاً، والبعض ينتظر منذ ثمانية شهور قراراً بالرفض أو القبول في موريا، وما زالوا ينتظرون. كما إن الكثير من اللاجئين لا يفهم العملية القانونية ومسارها ولهم شعور بأنهم أضحوا أسرى للسلطات ولا يدركون ما هي حقوقهم.
ومن أجل تزويد اللاجئين باستشارات قانونية أولية على الأقل، قام كورد بروغمان في العام الماضي بإطلاق مشروع "محامون أوروبيون في ليسبوس". بروغمان، الذي يرأس اتحاد المحامين الألمان، كان في أوج أزمة اللاجئين متطوعاً في جزيرة ليسبوس، حيث بحث عن إمكانية لاستخدام مهاراته القانونية لخدمة اللاجئين. في هذا المشروع، يقدم محامون من كافة أنحاء أوروبا استشارات قانونية للاجئين على أساس تطوعي ويوضحون لهم حقوقهم.
حول ذلك يقول بروغمان، في مقابلة بمكتبه الواقع داخل ميناء ميتيليني: "الاستشارة الأولية ضرورية، وذلك لأن هناك الكثير من القرارات المصيرية التي ينبغي تحديدها في بداية عملية طلب اللجوء، لأن هذه القرارات لا يمكن تغييرها أو العدول عنها فيما بعد". فعلى سبيل المثال، لا يدرك العديد من اللاجئين ما ينطوي عليه طلب اللجوء. لكن فترات الانتظار الطويلة لا يمكن للمحامين تغييرها، مثلما لا يمكنهم تغيير المشكلة الأساسية، وهي أن اللاجئين لا يريدون تقديم طلب لجوء في بلد لا يرغب معظمهم العيش فيه.
أولريش فون شفيرين/ ياسر أبو معيلق