نقص التمويل يهدد عمليات إنقاذ المهاجرين في المتوسط
١٦ أكتوبر ٢٠١٩عمليات الإنقاذ البحري للمنظمات غير الحكومية عادت مرة أخرى إلى دائرة الضوء في أوروبا بعد القرار التي اتخذته قائد سفينة الإنقاذ الخاصة سي ووتش 3، كارولا راكيته بالرسو في ميناء لامبيدوزا الإيطالي في 29 يونيو /حزيران من هذا العام، رغم عدم حصولها إذن بدخول الميناء والرسو فيه.
كان على متن السفينة التي قادتها راكيته 42 مهاجرا تقطعت بهم السبل في البحر لأكثر من أسبوعين، وبعد مواصلة إيطاليا عرقلة عمل بعثات الإنقاذ الخاصة، ومنع سفن الإنقاذ من دخول موانئها، قامت راكيته بالتوجه إلى الميناء الايطالي، مبررة عملها بأنه لم يكن لديها قرار آخر، بسبب حالة الإرهاق الشديد للمهاجرين على متن السفينة وتخوفها من قيامهم بأي عمل يائس من شأنه تعريض حياتهم للخطر بعد الاكتئاب الشديد الذي كان مسيطرا عليهم. احتفى كثيرون براكيته (31 عاما) التي فضلت إنقاذ الأرواح على القرارات السياسية المتعلقة بالأمر.
بيد أن تصرف راكيته هذا لم يلق الترحيب ذاته في إيطاليا، حيث وصفها وزير الداخلية آنذاك ماتيو سالفيني بأنها "مجرمة وتهدد الأمن الوطني الايطالي" وبأنها أيضا "شيوعية ألمانية مدللة". راكيته أصبحت بتصرفها وجها إعلاميا يمثل مكافحة تحديات الهجرة في أوروبا، ونظر إليها كثيرون كقدوة لهم. بعد فتره وجيزة من رسوها بسفينتها في لامبيدوزا، ألقي القبض على راكيته وأفرج عنها بعد ذلك بوقت قصير. لكنها لا تزال قيد التحقيق وتواجه عقوبة السجن لمده تصل إلى 15 عاما، في حال تم إدانتها بالتهم الموجهة إليها.
قصه نجاح قصيرة الأمد
وإدراكا منهم أنها قد تواجه تكاليف قانونيه باهظه، احتشد مؤيدو راكيته حولها وفي غضون 48 ساعة من اعتقالها الأولي في 29 يونيو/ حزيران، حيث تم تأمين أكثر من مليون يورو لتمويل الدفاع عنها ودعم المراقبة البحرية بشكل عام. وأصبحت قصه كارولا راكيته واحده من أكبر القصص التي جذبت التبرعات لمبادرات الإنقاذ البحري الخاصة. وكانت مبادرة التمويل الجماعي بقياده المذيع الألماني الساخر، يان بومرمان، الذي دعم الحملة واستخدم شهرته لجذب التبرعات، لها الأثر الأكبر في نجاح الحملة ودعم راكيته.
بيد أن هذا الحماس من أجل دعم عمليات الإنقاذ البحري قد فتر. فبعد شهرين من حملة التبرعات الخاصة براكيته، اتبع كلاوس بيتر رايش قبطان سفينة الإنقاذ ايلينور، التابعة لبعثة شريان الحياة مسارا مماثلا لراكيته، حيث قام بدخول ميناء صقلية والرسو هناك بسفينته التي كان على متنها 100 مهاجر، بالرغم من عدم حصوله على أي إذن مسبق من السلطات الإيطالية.
واعتقل رايش لفترة وجيزة، وتم الإفراج عنه فيما بعد انتظارا لمحاكمته. ولكن إذا لم تسقط التهم الموجهة إليه، فإنه يمكن أن يواجه عقوبة سجن قد تصل إلى 20 عاما، فضلا عن غرامه تصل قيمتها إلى 300 ألف يورو. بيد أن ما قام به رايش والعقوبة التي تهدده لم يلق الصدى الذي حصل مع كارولا راكيته، حيث حاول ناشطون تأمين المبلغ المطلوب لدفع الغرامة، بيد أنه تم جمع 19 ألف يورو فقط على مدار ثلاثة أسابيع، وهو ما يوازي خمسة بالمئة فقط من المبلغ المطلوب.
محاولة أخرى تبوء بالفشل
التمويل الجماعي والتبرعات ليست كافية لوحدها من أجل إنقاذ الناس وتسيير مهام البحث، ففي عام 2018، جمع مذيع التلفزيون الألماني كلاس هويفر أوملاوف حوالي 300 ألف يورو لتمويل شراء سفينة جديدة من أجل إنقاذ المهاجرين العالقين في البحر المتوسط، لكن المشروع لم يكلل بالنجاح. فبعد إنفاق معظم الأموال المتبرع بها من أجل تحديث السفينة التي أطلق عليها "غولفو اتسورو" وتجهيزها وتسجيلها رسميا تحت راية دولة بنما من أجل التمكن من التحرك في البحر، نفد المال بسرعة وواجهت السفينة المزيد من العراقيل.
الضغوط الإيطالية حين كان اليميني الشعبوي ماتيو سالفيني وزيرا للداخلية، أدت إلى وقف بنما لتعاونها مع المنظمات غير الحكومية العاملة في الإنقاذ البحري. أدى ذلك إلى إنفاق هوفر-أوملاوف وأنصاره المزيد من الأموال في محاولة لتسجيل القارب في مكان آخر لكن دون جدوى. التكاليف الإدارية المرتبطة بمحاولة تسجيل السفينة أدت إلى عدم قدرة السفينة على مزاولة أعمالها وعدم تمكنها من مغادرة الميناء من أجل إنقاذ المهاجرين من الغرق في البحر. هذا الأمر قام بتنبيه مهمات الانقاذ الخاصة الأخرى إلى محاولة تجنب أخطاء مماثلة كما حصل مع السفينة "غولفو اتسورو".
بعيد عن العين بعيد عن القلب
أكسل شتاير، المتحدث باسم بعثه شريان الحياة قال لمهاجر نيوز، إنه وبعد أسابيع من التركيز الإعلامي والتقارير المفصلة عن كارولا راكيته، فإن العديد من الصحفيين لا يريدون سرد القصة نفسها مع بطل آخر، وتابع "هذه هي الطريقة التي يتعامل بها الإعلام".
ويرى شتاير أن ما ساعد القبطان راكيته إعلاميا "أنها كانت في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، وهو ما جلب اهتمام الناس إليها، وساعدها على إتمام مهمتها". وبحسب المسؤول الإعلامي فإن الحصول على دعم واهتمام الناس هو أمر مهم من أجل إتمام عمليات الإنقاذ البحري. وأضاف أنه بعد قضية كارولا راكيته "اعتقد البعض أن التبرع لأي جمعية، سيفيد بالضرورة جميع بعثات الإنقاذ البحرية الخاصة العاملة، وهذا أمر خاطئ" بحسب المتحدث الإعلامي. الذي يوضح بأن "الناس لديهم صعوبة في التفريق بين المنظمات العاملة المختلفة. إنهم يظنون أننا متماثلون، وأن جميع المنظمات مرتبطة بـ راكيته ولكن في الحقيقة، تختلف المنظمات العاملة في هذا المجال في عملها عن بعضها البعض، وأيضا بالطريقة التي تعمل بها. فهناك جمعيات تهتم بالمراقبة البحرية وأخرى عاملة في الإنقاذ وهكذا".
معجزة عيد الميلاد
وأكد شتاير أنه على الرغم من تلقي بعض المنظمات غير الحكومية الأموال من اليانصيب وغيرها بالإضافة إلى التبرعات، فإن مهمة شريان الحياة تعتمد بالكامل تقريبا على التبرعات "التي تتناقص باطراد منذ عام 2015". ويقول "عيد الميلاد لا يزال وقتا طيبا من السنه بالنسبة لنا. وما زال لدينا مانحون يواصلون دعم عملنا. ولكن عدد الذين يقررون التبرع لنا قد تناقص بشكل كبير. ونحن نعتمد على هذه التبرعات".
معظم الأموال التي جمعتها بعثه شريان الحياة ستخصص لشراء سفن جديده بعد أن صادرت السلطات المراكب السابقة، بما فيها الينور. ويوضح شتاير "حتى لو وافق الاتحاد الأوروبي علي آليه لتوزيع اللاجئين قريبا فلا أعتقد أننا سنعود إلى قواربنا، حيث صودرت سفننا طبقا لقوانين سابقة وأنا أشك في أن أي تغيير في القانون سيطبق بأثر رجعي". "في الوقت الراهن، يتعين علينا جمع 500 ألف يورو من أجل شراء سفينة جديدة، ونحن ما زلنا في منتصف الطريق فقط". وأردف أكسل شتاير، المتحدث باسم بعثه شريان الحياة لمهاجر نيوز "دعونا نأمل فقط أن يكون عيد الميلاد القادم موسما جيدا للتبرعات".