نظـام تشغيل لينوكس - مشروع النوايا الطيبة
المستخدم العادي لجهاز الحاسب الآلي اليوم لايكاد يعرف شيئاً عن عالم الكمبيوتر سوى نظام ويندوز الذي طورته شركة ميكروسوفت. حيث يعمل هذا النظام على قرابة ٩٠٪ من أجهزة الحاسب الآلي الشخصية في العالم، بالإضافة إلى استخداماته الواسعة في الهيئات والجهات الرسمية. غير أن تغيراً أخد يطرأ على سوق البرمجيات في العشرة أعوام الأخيرة، حيث ظهر منافس جديد لنظام ويندوز، ألا وهو نظام لينوكس Linuk. بدأ هذا النظام كفكرة عجيبة تحمس لها المهووسون بالبرمجة، وأخذ يزداد قوةً وكفاءةً يوماً بعد يوم، حتى أصبح يجتذب إليه الآن هيئات كبيرة مثل البرلمان الألماني (البوندستاغ) وبلدية مدينة ميونخ واستوديوهات هوليوود وغيرها. هذا الأمر اجبر شركة مايكروسوفت مؤخراً على الالتفات للخطر الحقيقي الذي قد يتهددها ويوقع باحتكارها لسوق البرمجيات.
انطلاقة مثيرة
يرجع الفضل في كتابة نظام تشغيل لينوكس إلى الطالب الفنلندي لينوس تورفالدوس، الدارس آنذاك في جامعة هيلسنكي. فقد بدأت علاقته بأجهزة الكمبيوتر وهو في التاسعة من عمره، حيث كان جده يُجلسه بجواره ويملي عليه برامجه، ليكتبها لينوس على جهاز الكمبيوتر نيابةً عن جده لضعف نظره. وشيئاً فشيئاً انجذب لينوس إلى هذا الجهاز السحري، واخذ يهتم بمعرفة طريقة عمله. وبدلاً من ان يقضي صباه في لعب هوكي الجليد والتنزه في الغابات كأقرانه في فنلندا، كان لينوس يجلس أياماً متواصلة وحيداً في غرفته الصغيرة، يحملق في شاشة جهاز الكمبيوتر، ويكتب برامج تدرجت في الصعوبة والتعقيد، حتى استطاع من خلاها فهم الكثير عن منطق الحاسب الآلي. اما فكرة كتابة نظام تشغيل فقد اخذت تختمر في ذهن لينوس صيف ١٩٩١، وهو في سن الحادية والعشرين، وذلك عند كتابته لبعض البرامج على حاسبه الشخصي لم تقدم النتائج التي كان يتوقعها، فبدأ يتحرى سبب النتائج الخاطئة، وتوصل إلى أن السبب لايعود إلى خطأ في برمجته، ولكن يرجع إلى وجود عيوب كثيرة في نظام التشغيل الذي كان يستخدمه آنذاك. لكنه لم يستطع معالجة تلك العيوب بسبب حجب برنامج نظام التشغيل من قبل الشركة المنتجة. فبدأ يعمل على كتابة برامج لتلافى تلك العيوب، وشيئاً فشيئاً أخذت تلك البرامج تنمو وتتطور متخذةً شكل نواة لنظام متكامل، فقرر أن يحول مشروعه من تطوير نظام التشغيل الموجود على جهازه إلى مشروع كتابة نظام تشغيل متكامل ومستقل. وعلى الشبكة العالمية أخذت الحلقة الملتفة حول هذا المشروع تزداد مع الوقت، وتحول المشروع من مشروع فردي لمبرمج واحد، إلى مشروع جماعي تتضافر فيه جهود مبرمجين من مختلف الأقطار. حتى نجح هذا المشروع بعد مرور عشر سنوات على بدايته في تقديم نظام تشغيل متكامل وناضج لايقل كفاءة عن نظام الويندوز إن لم يفوقه.
بين لينوكس وويندوز
وعادةً ما تُثار نقطتان رئيسيتان عند عقد مقارنة بين نظام لينوكس ونظام الويندوز. النقطة الأولى هي سهولة الإستخدام، فانصار نظام ويندوز يمدحون سهولة استخدام وتحميل النظام على الجهاز، هنا لا يحتاج الأمر إلى معرفة سابقة بالبرمجة إذ يكفي مجرد الضغط على بضعة أزرار باستخدام الماوس.على عكس نظام لينوكس الذي يُنتقد لتطلبه الحد الأدنى من المعرفة بمنطق الحاسب الآلي. غير أن انصار النظام يجادلون بإن هذه السهولة في الاستخدام لها ثمنها الباهظ. وهنا نأتي إلى النقطة الثانية، وهي الحرية، فنظام لينوكس -إضافة إلى كونه مجانياً- هو نظام حر، فشفرة البرنامج أو الكود الذي يقوم عليه النظام مطروح للجميع، يمكن لأي أحد أن يغير فيها ويطورها حسب متطلباته، وبالتالي فحرية الاطلاع والتعديل والتطوير والأستخدام مكفولة للجميع. وذلك بعكس نظام الويندوز الذي تحجب شركة مايكروسوفت الكود الرئيسي باعتباره من اسرار الشركة، فلايستطيع غيرها تعديله او تطويره، بالإضافة إلى تسويقها له على انه منتج يباع مقابل نظير مادي، بل وتسعى إلى تجريم كل من يستخدمه دون دفع الرسوم المعينة. وكما نرى فهناك اختلاف جوهري بين المشروعين، فمشروع لينوكس قائم على النوايا الطيبة، مفتوح للجميع للمشاركة فيه، وغير مقصود منه الربح المادي.
لاعجب أن أدركت العديد من الهيئات الرسمية أنها تستطيع تخفيض نفقاتها باستخدام نظام تشغيل لينوكس الجيد والذي لايكلف شيئاً، وبالتالي تتمكن من توفير المبالغ المدفوعة دورياً ومع كل نسخة جديدة لنظام تشغيل ويندوز إلى شركة ميكروسوفت. فمثلاً قرر البرلمان الألماني استخدام نظام لينوكس على أجهزة " السيرفر" موفرا قرابة المليوني ونصف المليون يورو سنوياً.
اما بلدية مدينة ميونخ فتخطط لاستخدام هذا النظام في أجهزتها التي تقدر بأربعة عشر ألف جهاز في غضون العام القادم. وفي استوديوهات هوليوود أثبت لينوكس كفاءته ودخل في انتاج العديد من الأفلام الحديثة ذات الخدع السينمائية المصممة على الحاسب الآلي مثل فيلم " تايتانيك" و "ماتريكس" و "سيد الخواتم".
لينوكس للاستخدام على الكومبيوتر الشخصي أيضاً
اما علي صعيد المستخدم العادي فلا تقل جاذبية نظام لينوكس عنها في التطبيقات الكبيرة. وابرز مثال يخص المستخدم العربي هو دعم نظام لينوكس منذ البداية لمختلف اللغات. فاللغة العربية متاحة ويمكن استخدامها بسهولة في كافة برامج النظام. يرجع السبب في ذلك الي اعتماد لينوكس علي طريقة النص الموحد Unicode في التعامل مع النصوص. وهذه الطريقة تتيح منذ البداية وبدون ادخال اي تعديلات دعماً قوياً لجميع اللغات وذلك علي عكس نظام ويندوز القائم اساساً علي طريقة الاسكي ASCI code التي لا تحتوي سوى علي الأبجدية الانجليزية. وتحتاج الي اجراء تطويرات عليها حتي تستطيع دعم اللغات الأخري. لذلك كان يجب علي كل مستخدم تحميل جزء منفصل يدعي Language Enabler حتي يتمكن من الكتابة والقراءة بلغته الاصلية. ولعل هذا هو السبب الذي دعي مايكروسوفت الي اعادة كتابة طريقة التعامل مع النصوص في نسخته الجديدة Windows XP لتتماشي مع طريقة النص الموحد Unicode.
واليوم يعيش لينوس تورفالدوس حياةً رغدة في كاليفورنيا، فبالرغم من أن نظام التشغيل الذي اخترعه لم يدر عليه ربحاً مادياً مباشراً، إلا أن السمعة والنجاح اللذان حظيا بهما فتحا له أبواب أكبر شركات الحاسب الآلي في أمريكا مثل شركة ترانسميتا المتخصصة في انتاج المعالجات، حيث يعمل الآن بمرتب يصفه نفسه بأنه خيالي. لينوس تطبيق للمثل القائل من جدّ وجد.