نصف قرن من تدريس اللغة الالمانية في العراق
١٤ أكتوبر ٢٠٠٥يقول الدكتور غازي شريف رئيس قسم اللغة الألمانية بجامعة بغداد أن أن بدايات بدايات تدريس اللغة الألمانية في العراق تعود إلى تأسيس معهد اللغات العالي عام 1958. ويضيف "أن هذه الانطلاقة كانت البداية الأولى لدراسة اللغة الألمانية وآدابها في العراق بعد أن اقتصر التعريف بالثقافة الألمانية على لغات وسيطة كالإنكليزية والفرنسية". وإلى جانب لغات كالروسية والأسبانية والصينية قام المعهد بتدريس الألمانية وتخريج كوادر متخصصة فيها تحمل شهادة الدبلوم بهذا اللغة. وقد وجدت هذه الكوادر مجالاً للعمل في ميداني الترجمة والتدريس بشكل أساسي. وبعد إلحاق المعهد بكلية الآداب بجامعة بغداد عام 1969 انتقلت مهمة تدريس الألمانية إلى قسم اللغات الأوروبية في الكلية. لكن هذا القسم تحول بدايات عام 1987 ليصبح كلية اللغات الحالية التابعة لجامعة بغداد. ويمنح خريجيه شهادة البكالوريوس في الأدب الألماني/ جيرمانستك إضافة لشهادتي الماجستير في الأدب المذكور ودبلوم الترجمة العالي.
إقبال متزايد على الألمانية قبل الحرب
كان حضور المؤسسات الثقافية الألمانية في العراق متميزاً قبل حرب الخليج الثانية 1991، فقد تم فتح فرعين لمعهد غوته، الأول في بغداد والثاني في البصرة جنوب العراق، إضافة إلى المدرسة الألمانية في بغداد. وقامت جمهورية ألمانيا الديموقراطية السابقة هي الأخرى بفتح المركز الثقافي الألماني التابع لسفارتها في بغداد. وقد شجع ذلك على زيادة إقبال العراقيين على تعلّم اللغة الألمانية. ويرى د. شريف أن هناك أسباباً متعددة لذلك أهم توفر فرصة للعمل سواء في ميدان الترجمة الأدبية أم في الشركات الألمانية التي كانت تعمل في العراق. وهناك الكثير من الطلبة الذين يرغبون في إكمال دراستهم في الجامعات الألمانية لما تتمع به من سمعة جيدة في العراق وباقي الدول العربية. على صعيد آخر أثمر تدريس اللغة الألمانية في العراق في التعريف بالأدب الألماني عن طريق ترجمة الكثير من الأعمال لأدباء ألمان. وهو ينعكس اليوم في حضور هذا الأدب لمترجم عن لغته ألام في المجلات والدوريات الثقافية الصادرة في العراق.
المعاناة من الحصار
بعد احتلال العراق للكويت وفرض العقوبات الاقتصادية مطلع تسعينيات القرن الماضي سادت حالة من الجمود والشلل أصابت العلاقات الثقافية والأكاديمية بين المؤسسة العراقية و المؤسسات الثقافية في ألمانيا. "عاش قسم اللغة الألمانية في حالة عزلة عن البيئة الثقافية التي يهتم بها وتوقف حصول الطلبة العراقيين على المنح التي كانت تساعدهم في إكمال دراستهم في الجامعات الألمانية." يقول د. شريف. كما أغلق معهد غوته والمدرسة الألمانية كذلك وغادر أفراد الجالية الألمانية العراق.وامتدت هذه العزلة لتشمل حتى الحصول على الدوريات والدراسات الأدبية واللغوية الحديثة التي كانت تصل بغداد قبل ذلك الوقت. إلا إن هذا لم يثني القسم الألماني من الاستمرار في دوره الثقافي. ولم تقتصر معاناة القسم هذه على فترة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة في عام 1990، بل انه يعاني اليوم كغيره من مجالات الحياة العامة في العراق تحت وطأة تداعيات الوضع الأمني الذي يسوده التفجيرات وعمليات الاختطاف والاغتيال التي طالت كثير من أساتذة الجامعات العراقية وهو ما دفع الكثير منهم لترك البلد. وبعد أن تم في الحرب الأخيرة إحراق القاعات الدراسية والمكتبة التي كانت الرافد الأوحد لطلاب القسم في كتابة أبحاثهم ومعرفتهم بأدباء واتجاهاتهم الأدبية، اغتيل رئيس القسم الألماني السابق من قبل مجهولين قبل اشهر قليلة أثناء توجهه إلى عمله. كما تم إغلاق شعبة الدراسات العليا التي تظم دراسة الماجستير ودبلوم الترجمة العالي.
عودة الدعم الألماني
بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 عاد من جديد اهتمام العراقيين بتعلم اللغة الألمانية والتواصل معها. وقد شجع الدعم الألماني الكثير من الطلبة على الإقبال على تعلم هذه اللغة ودراسة آدابها. وتمثل هذا الدعم في عدة أشكال منها تقديم المنح للطلاب العراقيين وتجهيز مكتبة قسم اللغة الألمانية في جامعة بغداد بثمانية آلاف كتاب بدعم من معرض لايبتزغ للكتاب والأكاديمية الألمانية للأدب واللغة ومكتبة الدولة في بافاريا وهيئة التبادل الثقافي الألماني وغيرها من المؤسسات الثقافية الألمانية. وقد عانت المكتبة من حريق أصابها بعد احتلال العراق حالها حال الكثير من المؤسسات الثقافية والخدمية الأخرى. وقدمت المؤسسة الدولية للخدمات الجامعية (فوس) مبلغ 12000 يورو من اجل ترميم الأقسام والقاعات الدراسية ومختبرات اللغة التي تمت إقامتها على طراز الجامعات الألمانية. وقد تم افتتاح هذه القاعات يوم 4 تشرين الأول/ أكتوبر من قبل السفير الألماني في بغداد السيد بيرند أيربل. إقبال العراقيين الجديد على تعليم الألمانية تجلى كذلك في إقامة مؤسسات ثقافية عراقية أخرى تعنى بتشجيع الحضور الثقافي الألماني. ومن هذه المؤسسات النادي الألماني-العراقي الذي ينظم مهرجانات ثقافية مرتبطة بالثقافتين العربية والألمانية ويقدم دورات في تعلم اللغة الألمانية، وكذلك الديوان الشرقي الغربي، الذي أقامته الشاعرة أمل الجبوري في بغداد، ويقوم بتدريس الألمانية للأطفال.
عماد م. غانم