نساء يهوديات يطالبن بحقوق الصلاة على قدم المساواة مع الرجال
٢٩ يونيو ٢٠١٣لم تتوقع الناشطة الصهيونية و اليهودية الأرثوذكسية، بوني راس، أن تجد نفسها في المحكمة بتهمة ضد دولة إسرائيل، إلا أن القاطنة في القدس اكتشفت اسمها في شهر نيسان /إبريل الماضي ملحقاً بقضية قضائية بسبب علاقتها بجماعة مصلين تدعى " نساء الحائط". اللافت هو أن هذه السيدة شكلت موقفاً بطولياً نسائياً من خلال دفاعها عن حقها في ممارسة طقوسها الخاصة عند الحائط الغربي، أقدس موقع في جبل الهيكل المعروف لدى اليهود، أو المعروف لدى المسلمين بالحرم القدسي.
تعد الصلاة اليهودية عند الحائط الغربي جزءاً من تقاليد اليهود الحريدية أو الأصوليين الأرثوذكس، منذ سيطرة اليهود عليه عام 1967. و يصلي الرجال اليهود بعيداً عن النساء، فللرجال الصلاة و الغناء و قراءة التوراة عالياً مرتدين شال الصلاة، في حين تحافظ النساء على صمتهن. كان هذا حال اليهوديات دوما، ولم يتم التعرض له و الاعتراض عليه إلا حديثاً.
ومنذ 25 عاماً تمارس جماعة "نساء الحائط" صلواتهن شهرياً عند الحائط الغربي. لكن الوضع أصبح "مريراً" في عام 2009، حين حاولن قراءة التوراة بصوت مرتفع مرتدين ثياب الصلاة، وفقاً للناشطة لليهودية راس.
ما معنى أن تكون يهودياً؟
" طموحنا ليس أن نصبح رجالاً، فكلنا نساء متدينات و مثقفات و قبلنا بالوصايا الدينية التي تعفي نساء يهود الحريدية من بعض المهام. لكننا جميعاً نتشارك بالحائط الغربي"، تقول راس.
و لم تثر زيارات النساء الشهرية للحائط حنق اليهود الحريديين فقط، بل تجاوزت ذلك لتثير غضب دولة إسرائيل، التي تعرف نفسها بأنها دولة ديمقراطية و يهودية في ذات الوقت. فقد لامست هذه الزيارات نقاط أساسية لخلافات تؤرق المجتمع الإسرائيلي، مثل: ما معنى أن تكون يهودياً؟ أيجب توسيع مفهوم اليهودية في إسرائيل ليضم كل التوجهات اليهودية الأخرى، غير الحريدية المسيطرة في إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948؟
كثيراً ما جذبت اعتقالات إسرائيل المنظمة للنساء المتدينات وسائل الإعلام أثناء ممارستهم لطقوس دينية في مواقع مقدسة دون تناغمها مع العادات المحلية بتهمة خرق القانون. وقد صب هذا الكفاح من أجل التعددية الدينية في مرافعة قضائية في المحكمة و انتهت بكسب " نساء الحائط" للقضية في قرار تاريخي صادر عن محكمة القدس، إذ نص القرار على أن النساء اللاتي يرتدين لباس الصلاة أو يقرأن التوراة بصوت مرتفع عند الحائط الغربي لا يتعارضن مع العادات المحلية أو يسببن إزعاجا للذوق العام، و بناءاً على ذلك لا يجوز حبسهن.
أزمة الهوية
أثارت هذه القضية استقطابا في المجتمع اليهودي، حيث يدعم 56% من الإسرائيليين النساء، في حين يعارض 34%، وفقاً لدراسة أجراها مركز الديمقراطية الإسرائيلي و مؤشر السلام التابع لجامعة تل أبيب حول هذه القضية. أحد معارضي هذا القرار هو حاخام الحائط الغربي و غيره من الأماكن المقدسة، حيث يدعم المحافظة على التقاليد اليهودية الحريدية. ويقول الحاخام في هذا السياق " أعتقد أن القرار غير مناسب أبداً"، معلقاً على قرار المحكمة، " فنحن نتحدث حول جماعة صغيرة تسعى لتغيير هذه العادات و أنا أرجوهم أن يتوقفوا عن فعل ذلك".
و تأتي هذه المشاعر المثارة بسبب قضية " نساء الحائط" في وقت يواجه فيه أسلوب الحياة اليهودية الحريدية و ما يتبعها من امتيازات تغيرات غير مسبوقة، ففي الحكومات السابقة سيطر اليهود الحريديون على عدد محدد من الحقائب الوزارية لضمان استمرار تحكمهم في قوانين الزواج والهجرة والإعالة و التعليم، إضافة لحماية تجمعاتهم وتصوراتهم لمفهوم الهوية اليهودية. أما على الصعيد القضائي، فإن قضاة المحاكم الدينية ينتمون أيضا إلى المذهب الحريدي، في الوقت الذي يتميز فيه الحريديون عن غيرهم في الإعفاء من الخدمة العسكرية، وتوفير المنح الدراسية لهم لدراسة وتعلم الكتب اليهودية المقدسة.
و ينتقد العديد من الإسرائيليين العلمانيين هذه الميزات، طالبين من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يؤسس حكومة خالية من اليمين المتطرف الحريدي، و هو ما قام به نتنياهو في الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في كانون الثاني/ يناير. ويتضمن هذا التغيير تقليص تأثير الحريديين السياسي، فهم الآن يواجهون تغييرات في سياسة الحكومة و الذي يعني بطبيعة الحال تغييرا لأسلوب حياتهم.
" تحاول الحكومة دمج المجتمع الحريدي في المجتمع الإسرائيلي، عن طريق إدخالهم في الدراسات العلمانية و المناهج الإسرائيلية و خدمة الجيش"، كما يوضح الحاخام الأرثوذكسي، كين سبيرو، من المركز التعليمي اليهودي في القدس، آيش ها توراة. و يسترسل قائلاً:" هذه خطوة هائلة و هي الأكبر خلال فترة تواجدي في إسرائيل منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فهي اعتداء مباشر- و أنا أستخدم هذه الكلمة على دراية كاملة ووعي شديد- على مجتمع أفقه ضيق".
أما بالنسبة للعنف ضد "نساء الحائط" وما رافقها من تظاهرات، فلا يمكن له تبريرها. إلا أنه يذكر بأن لا بد من أخذ الصورة العامة للموضوع والتي تتمثل بالهجوم على الحريديين من جميع الاتجاهات و تهديد قوتهم، حسب تعبيره.
انتقال سلمي أم حرب أهلية؟
يشكل الحريديون 10% من الشعب، لكنهم أصحاب أعلى نسبة مواليد بمعدل 8 أطفال للعائلة الواحدة. كما أنهم يحتلون المركز الأول في مجال البطالة. ولذا، كما يرى سبيرو في هذه التغييرات، أمراً جيداً لمستقبل واعد للبلاد، لكن بلطف، وإلا فأن " البلاد ستدخل فيما يشبه حرباً أهلية".
يذكر أن بوني راس كانت قد عبرت عن تعاطفها مع الحريديين المضطرين لتقبل هذه التغيرات، مع علمها بأنهم معزولون إلى حد ما عن العالم الحديث. فتقول:" أنا أتفهم ذلك و أحترمه، لكن ليس من الممكن فرض سيطرتهم على باقي اليهود و العالم أجمع. إنهم لا يشكلون جزءاً من الحكومة اليوم و هذا يزعجهم و يشعرهم بالخطر المحدق. لكنهم اختاروا أقدس مكاناً في اليهودية ليكون ساحة المعركة".
قد تواجه " نساء الحائط" تحدياً قانونياً جديدا، إذا ما تم استئناف القضية في محكمة أعلى، أو إذا ما سعى صناع القوانين إلى تغيير القرار. إذ لم يبدر عن الحريديين الأرثوذكس إلى اليوم أي مؤشر على انتهاء القضية من جانبهم بعد.