نزعة الاستقلال والجمهورية.. تحديات قد تهدد عرش الملك تشارلز
٢٠ سبتمبر ٢٠٢٢من البديهي أن يكون أول يوم عمل لأي شخص صعبا وشاقا، ويعج بالكثير من التساؤلات أبرزها: "كيف سيكون رئيسي في العمل؟
لكن لا يمكن أن ينطبق هذا على الملك تشارلز الثالث (73 عاما) الذي لم يرث فقط عرش بريطانيا وإنما ثروة بالملايين معفاة من الضرائب ووظيفة مدى الحياة.
يتولى الملك الجديد العرش البريطاني بعد حقبة والدته الملكة إليزابيث الثانية التي امتدت لقرابة سبعة عقود وكان يُنسب إليها الفضل، ليس من قبل مؤيديها فقط وإنما من قبل منتقديها أيضا، في التزامها بدورها المحدد في السياسية وعدم الانخراط في موافق صعبة أو نزاعات، حيث حافظت على حيادها السياسي.
وكشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف" في وقت سابق من العام الجاري أن نسبة استحسان البريطانيين للملكة الراحلة بلغ 75 بالمائة مقارنة بنسبة 42 بالمائة حصل عليها الملك الجديد.
ويشير ذلك إلى التحديات الملقاة على عاتق تشارلز، خاصة وأن العائلة المالكة عصفت بها العديد من الفضائح مؤخرا. إذ تعرضت صورتها لضربة قوية بسبب صداقة نجل إليزابيث الأمير أندرو برجل الأعمال جيفري إبستين الذي ألقي القبض عليه عام 2019 بتهمة إدارة شبكة للاتجار بالفتيات بغرض الجنس!
وتزايدت الأمور سوءا عقب اتهام الأمير أندرو بالاعتداء الجنسي على فتاة عام 2001 في لندن عندما كانت قاصرا في السادسة عشرة من عمرها. ولكن الأمير نفى هذه التهمة، وأعلن استقالته من جميع مهامه الملكية وعدم استخدام لقب "دوق يورك" أو "صاحب السمو الملكي" بأي صفة رسمية.
وفي يناير/ كانون الثاني عام 2020، حدثت واقعة هزت النظام الملكي تمثلت في إعلان دوق ودوقة سسكس، الأمير هاري وزوجته ميغان تنازلهما عن مهامهما الملكية في واقعة أُطلق عليها اسم "ميغست" على غرار لفظ "البريكست" الذي يشير إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في العام ذاته.
أما الملك تشارلز الثالث، فإن سمعته لم تسلم هي الأخرى من الأذى، خاصة عقب طلاقه من الأميرة ديانا أو "أميرة القلوب" كما كانت تُلقب في عام 1996 لتلقى ديانا حتفها بعد ذلك بعام في حادث سيارة مأساوي في باريس.
شخصية تشارلز
قد تشير مشاعر الحزن التي سادت غالبية البريطانيين عقب وفاة الملكة إليزابيث، إلى تمتع النظام الملكي في البلاد بمكانة جيدة، بيد أن الأستاذة الجامعية بولين ماكلاران، لا تتفق في هذا الرأي. وتقول ماكلاران مؤلفة كتاب "حمى الملكية: الأسرة المالكة في بريطانيا في عصر ثقافة المستهلك"، إنه من غير الضروري أن "ينتقل دعم (العامة) من الملكة إلى النظام الملكي والملك الجديد".
وقد كشف استطلاعا "يوغوف" عن أن دعم النظام الملكي من قبل العامة لا يزال مرتفعا، لكن انخفضت نسبة التأييد من 75 بالمائة عام 2012 إلى 62 بالمائة قبل شهور قليلة.
وترى ماكلاران أن هذا الأمر لا يمثل سوى جزء من المخاطر والتحديات الجسام التي تواجه تشارلز لا سيما شعبيته الضعيفة والأقاويل حيال تدخلاته في السياسية.
وتقول ماكلاران إن "الناس أعربوا عن مخاوفهم من تدخلات تشارلز في السياسة" في ضوء ما تعرض له حينما كان وليا للعهد، حيث يرى كثيرون أنه لم يحذُ حذو والدته الملكة إليزابيث في البقاء على الحياد عند التطرق إلى القضايا السياسية أو الاجتماعية.
وأشهر الوقائع على ذلك كانت سلسلة من الخطابات حملت اسم "مذكرات العنكبوت الأسود" ويعود هذا الاسم إلى الطريقة التي كُتبت بها المذكرات، ونشرت عام 2015 بعد أن نجحت صحيفة غارديان البريطانية بعد معركة قانونية خاضتها لمدة عشرة أعوام في الحصول على الحق في نشر الخطابات التي كتبها الأمير تشارلز للوزراء في محاولته للتأثير على السياسة.
وفي هذا السياق، تعتقد ماكلاران أنه ربما يكون الخطر الأكبر الذي يواجه تشارلز يتمثل في أنه سينُظر إليه باعتباره رجلا أبيضا مؤيدا للعلاقات بين الجنسين ويحظى بامتيازات كبيرة في وقت يتزايد فيه الوعي حيال قضايا الهوية والماضي الاستعماري.
الإرث الاستعماري
وتضيف ماكلاران أن "وريث عرش بريطانيا هو رجل أبيض والذي سيخلفه سيكون أيضا رجلا أبيضا" في إشارة إلى نجل تشارلز الأمير وليام، ولي العهد حاليا، ونجل وليام الأمير جورج. وتشير إلى أن العديد من التساؤلات تطرحها حكومات دول الكومنولث حول ارتباطها مع المملكة البريطانية، فضلا عن دعوات للحصول على تعويضات عن ما وقع خلال الحقبة الاستعمارية.
ويأتي في مقدمة التحديدات ضمان عدم انهيار الكومنولث، حيث لا يزال تشارلز رئيسا لأربع عشرة دولة من دول الكومنولث التي تضم 56 دولة غالبيتها مستعمرات بريطانية سابقة. وتتزايد المخاوف من أن تحذو دول الكومنولث حذو جزيرة باربادوس في الكاريبي التي أصبحت العام الماضي جمهورية بعد 55 عاما على استقلالها عن بريطانيا.
وفي مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، قال غاستون براون رئيس وزراء جزر أنتيغوا وبربودا إنه يعتزم إجراء استفتاء حول هذه القضية في غضون ثلاث سنوات، فيما ألمحت حكومة جامايكا وقوى سياسية في أستراليا عن خطوة مماثلة. ورغم أنه من المبكر الحديث عن مثل هذه الخطوات، إلا أن التطرق إلى الحديث عنها سياسيا يشكل تحددا لملك بريطانيا الجديد.
أنصار الجمهورية
ولا يتوقف الخطر على خارج بريطانيا، بل يمتد إلى داخلها حيث ترى منظمات مؤيدة لإنهاء الملكية في تولى تشارلز عرش بريطانيا فرصة محتملة لحشد الدعم. ومن بين هذه الحركات منظمة "ريبابليك" أو "الجمهورية" التي تأسست في عام 1983 والتي تناضل من أجل رئيس دولة منتخب وتريد إلغاء النظام الملكي.
وقال غراهام سميث، الناطق باسم المنظمة، في بيان الأسبوع الماضي إن "لحظة تولي ملك جديد تعد بمثابة إهانة للديمقراطية وتتعارض مع القيم التي يؤمن بها معظمنا مثل المساواة والمساءلة وسيادة القانون".
ويبدو أن المنظمة كان تستعد للحظة انتقال العرش منذ وقت طويل، حيث أشارت إلى تراجع دعم النظام الملكي. وفي ذلك، قال سميث في يونيو/ حزيران الماضي إنه "لا شك في أنالملكة إليزابيث تعد العضو الأكثر شعبية في العائلة المالكة، لكن بعد انتهاء حقبتها، فإن الملك تشارلز لن يكون في وضع يسمح له بتحقيق نجاح حيث سيفقد للمزيد من الدعم".
ورغم تفاؤل سميث، إلإ أن منظمة "ريبابليك" تواجه مهمة شاقة، فيما يعتقد من المحتمل أن تكون اسكتلندا المكان الأفضل لتوسيع نطاق التأييد لنزعات إعلان "الجمهورية". إذ أظهر استطلاع مركز "المستقبل البريطاني" البحثي هذا العام أن 45 بالمائة فقط من الناخبين الاسكتلنديين يؤيدون النظام الملكي.
ورعم استهجان البعض من تولي تشارلز الثالث عرش البلاد، إلا أن الآلاف في اسكتلندا اصطفوا في الشوارع تعبيرا عن احترامهم للملكة التي اشتهرت بحبها لاسكتلندا. فيما أكد الحزب الوطني الاسكتلندي الحاكم والمنادي بالاستقلال، على أنه سيُبقي على وجود الملك على رأس الدولة حتى في حالة الاستقلال عن المملكة المتحدة. وقد شدد نائب الوزير الأول في اسكتلندا جون سويني على أن هذا الموقف لن يتغير مع تولي تشارلز عرش بريطانيا.
الملكية.. "علامة مميزة"
لكن هل يمكن التساؤل حول فرضية أن سوء أداء الملك تشارلز الثالث قد يدفع اسكتلندا وربما المملكة المتحدة بأكملها صوب إلغاء النظام الملكي؟ في إجابتها على هذا التساؤل، تقول ماكلاران "لا أعتقد ذلك"، مضيفة أنها ترى أن الملك الجديد يدرك المخاطر وسيتحلى بالسلوك الجيد.
وتشدد على أن نهج العائلة بأكملها سيكون في مسار دعم سمعة العائلة على نطاق جماعي، وتضيف أن "تشارلز لا يمكنه فعل ذلك بمفرده وهو يدرك ذلك. لذا سيعمل بشكل وثيق مع وليام وكيت وهما يحظيان بشهرة أكبر ومع الملكة كاميلا من أجل أن تلعب النساء دورا قويا".
وتوضح ماكلاران أن تشارلز نجح في ظهوره الأول في معالجة مخاوف العامة، لكنها تؤكد أن الفترة الحالية تعد بمثابة "فترة شهر العسل، حيث ينتاب الناس مشاعر عاطفية". وتؤكد أنه يتعين على أنصار الجمهورية عدم التقليل من شأن الملك الجديد، وفي نهاية المطاف تعد الملكية "مؤسسة متطورة للغاية."
إيلا جوينر/ م ع