تونس: تحفظات في الداخل وترحيب دولي بحكومة الائتلاف
٩ فبراير ٢٠١٥بعد سلسلة من المشاورات السياسية عرض الحبيب الصيد حكومة ائتلافية مشكلة من خمسة أحزاب بقيادة حزب حركة نداء تونس وبمشاركة الكتلة الثانية في البرلمان حركة النهضة الاسلامية ،الخصم الأول لنداء تونس، الى جانب حزب الاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق تونس والحركة الوطنية. وهي أحزاب حداثية قريبة من نداء تونس.
وعلى الرغم من ان الحكومة تتمتع بغطاء سياسي قوي في البرلمان، ما يجعلها بمنأى عن ضغوط المعارضة فإن التحدي الأكبر سيكون مقترنا بما ستحرزه الحكومة من تقدم في الملفات الحارقة التي تنتظرها سواء في الحرب على الارهاب أو في الاصلاحات الاقتصادية والتنمية والتشغيل.
تطلعات متباينة في الشارع
وبالعودة الى تطلعات الشارع، يبدي ناصر الميلي، وهو موظف متقاعد بقطاع النقل في حديثه مع DWعربية، ارتياحه من عملية انتقال السلطة التي تمت بطريقة سلمية وحضارية، معبرا عن تفاؤله بالمرحلة المقبلة.
ويدعم ناصر الميلي فكرة تشكيل حكومة ائتلافية واسعة تضم أحزاب مختلفة بما في ذلك حركة النهضة الاسلامية، مؤكدا في نفس الوقت أنه "لحزب نداء تونس يعود فضل كبير في إحداث توازن سياسي في البلاد. لكن، ورغم فوزه بالأغلبية فإنه من غير المنطقي ان يحكم البلاد وحده ".
ويشدد ناصر على أن نجاح الحكومة الجديدة في عملها لا يرتبط فقط بضرورة وجود توافق بين الأحزاب وما ستقدمه من برامج وإنما أيضا بضرورة انتشار ثقافة العمل والتضحية لدى المواطنين ومضاعفة الجهود والانتاج والكف عن الاحتجاجات المطلبية واحترام القوانين، كما حدث في دول ديمقراطية في الماضي، حسب قوله.
ويضيف ناصر أنه "لا يمكن أن نتقدم في اي قطاع يعمل بمستوى عشرين بالمئة من طاقته الانتاجية فقط أو في ظل احتجاجات مطلبية. فتحسين الأوضاع الاجتماعية هو مطلب شرعي لكن يجب ان يقترن بالعمل والقدرة الانتاجية".
وكانت حكومة الحبيب الصيد قد تعهدت بالفعل باتخاذ اجراءات عاجلة فيما يتعلق بالملفات الاجتماعية العالقة، مثل مراجعة الأسعار واستئناف المفاوضات الاجتماعية مع النقابات والانطلاق في اصلاحات اقتصادية والدفع بالاستثمارات لخلق فرص عمل والحد من البطالة خاصة في الجهات الفقيرة من البلاد.
وتعتقد الفة المرزوقي التي تتبلغ من العمر 29 عاما، وهي عاطلة عن العمل، "ان تقييم نجاح الحكومة المقبلة سيتم من خلال محك سياسة التشغيل. فإذا نجحت هذه في ايجاد فرص عمل للشباب ومن بينهم لحاملي الشهادات فسيمكنها الصمود، وإلا فسيؤدي كل فشل الى تأجيج الاحتجاجات بشكل أكبر من ذي قبل".
وتضيف ألفة المرزوقي لـDWعربية "لا يمكن للشباب ان يكون متفائلا بأي مستقبل من دون عمل. لقد نجحنا في تخطي مرحلة انتقالية صعبة في البلاد، لكن إذا حدثت انتكاسة اجتماعية جديدة، فإن خطر العودة الى المربع الاول سيظل قائما وسيهدد التجربة التونسية".
وعلى غرار ألفة المرزوقي تخيم الشكوك في الشارع التونسي بشأن قدرة حكومة الحبيب الصيد على تجاوز التحديات المقبلة، بالنظر الى الصعوبات المنتظرة والقرارات المؤلمة التي يتوقع اتخاذها لتطبيق اصلاحات اقتصادية، كما تطالب بها منظمات مالية عالمية، حيث وضعتها كشروط للإستمرار في القيام بدعم تونس.
الأمن والإقتصاد في مقدمة الاهتمامات
لا ينظر ماهر دريبك، الناشط في المجتمع المدني باطمئنان إلى تركيبة حكومة الحبيب الصيد بسبب التحفظات المعلنة تجاه عدد من الوزراء، غير أنه ينتظر ان يتم الانطلاق في فتح ملفات عاجلة، وفي مقدمتها الكشف الحقيقي عن الاغتيالات السياسية والأمنية التي حدثت خلال فترة الانتقال الديمقراطي. "لقد تحدث الصيد عن ضرورة تعزيز الأمن خلال المرحلة المقبلة لكن أعتقد أنه مطلوب أيضا القيام بإصلاحات واسعة في الجهاز الأمني حتى يتحقق ذلك"، كما تحدث لـDWعربية.
تحفظات من اليسار ومن داخل نداء تونس
في حديثه مع DW عربية أيضا يوضح زياد الأخضر، النائب في البرلمان عن الجبهة الشعبية التي تمثل أطياف اليسار أن "برنامج الحكومة لا صلة ولا علاقة له بطموحات التونسيين، كما عبروا عنها بعد الثورة"، مشيرا إلى ان البرنامج المعلن يعكس سياسات قديمة. وكانت الجبهة قد عارضت تكليف الحبيب برئاسة الحكومة بسبب تقلده لمناصب في نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي كما عارضت تنصيب عدد من وزرائه وخاصة مشاركة حركة النهضة الاسلامية في الحكم نظرا لفشلها في إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية.
وأضاف زياد الأخضر أنه "لا مسؤولية للجبهة في تحالف النداء والنهضة. فالنداء ذهب الى الخيار الأسهل ما يمكنه من أغلبية نيابية. ولكنه يتناسى وعوده الانتخابية والانعكاسات". ولا يختلف رأي عدد من قياديي حركة نداء تونس ومن بينهم الأمين العام الطيب البكوش والقياديين خميس قسيلة وعبد العزيز القطي وعبد الستار المسعودي عما ذهب اليه زياد الأخضر رغم تصويت كتلة النداء في البرلمان بالأغلبية على منح الثقة لحكومة الصيد.
واعتبر القيادي المسعودي في لقاء معDWعربية ان نقطة ضعف الحكومة الحالية هو ضمها لحركة النهضة داخل الائتلاف، مشيرا إلى ان حكم التحالف الذي قادته حركة النهضة لمدة ثلاث سنوات انتج في مجمله حالة من الخراب والموت لأبناء تونس من خلال تفشي الارهاب أو رحلات الهجرة السرية أو القتال في الجبهات الخارجية.
ترحيب دولي بالنموذج التونسي
في هذه الأثناء تجد حكومة الحبيب الصيد ترحيبا من المجتمع الدولي الذي ينظر بإعجاب الى تحالف العلمانيين والاسلاميين في حكومة وحدة في تونس، على خلاف ما يحدث في مناطق عربية أخرى. في لقاء مع DWعربية يشرح المؤرخ الجامعي والمحلل السياسي خالد عبيد هذه المفارقة من خلفية وجود رغبة دولية كبيرة لإنجاح ما يسمى بالاستثناء التونسي في الانتقال الديمقراطي ويقول: "لاحظنا ان المزاوجة بين ما يسمى بالإسلام السياسي المحافظ الذي تمثله حركة النهضة الاسلامية والاسلام الحداثي والليبرالي الذي تمثله أساسا حركة نداء تونس قد قوبلت بترحاب كبير لأنها تجسد تلك الرغبة الدولية في انجاح النموذج التونسي، واحتمال انتشاره في دول المنطقة ".