نجل الجنرال الألماني فون شتاوفنبيرغ: "المسؤولية الأخلاقية دافع للمقاومة"
٢٠ يوليو ٢٠٠٧تبدأ اليوم في ولاية براندنبورغ الألمانية أعمال تصوير فيلم سينمائي عن الجنرال الألماني فون شتاوفنبرغ الذي حاول في عام 1944 اغتيال الزعيم النازي أدولف هيتلر. وجاء اختيار الممثل الأمريكي توم كروز للقيام بهذا الدور ليثير موجة كبيرة من الانتقادات بسبب انتماء الممثل لجماعة ساينتولوجي الدينية المثيرة للجدل. يشار إلى أن فيلم "فالكيري" مستوحى من قصة حقيقية عن مؤامرة فاشلة للإطاحة بنظام هتلر شارك فيها شتاوفنبرج. وأعدم شتاوفنبرج بسبب تورطه في محاولة اغتيال هتلر كما تم القبض على زوجته ونقل ابنائه الأربعة لإحدى دور الرعاية. واعترض ابن شتاوفنبرج نفسه على اختيار كروز لأداء دور والده وصرح في وقت سابق لصحيفة ألمانية قائلا إنه لا يحبذ قيام كروز بتمثيل دور والده.
في هذا الإطار وبغرض التعرف على تداعيات هذه العملية على حياة عائلة الجنرال غراف فون شتاوفينبرغ، أجرى موقعنا حوارا مع أحد أبنائه وهو برتهولت ماريا شينك غراف فون شتاوفينبيرغ.
دويتشه فيله: كان عمرك لم يتجاوز عشرة أعوام عندما توفي والدك. هل كنت على علم بمخططاته لاغتيال الديكتاتور النازي هتلر، أو على الأقل هل كان أحد من أفراد العائلة يعرف شيئا عنها؟
فون شتاوفنبيرغ: طبعا أنا لم أكن أعرف شيئا عن هذه المخططات، فعمليات من هذا القبيل تتطلب سرية تامة والأطفال في العادة لا يستطيعون كتمان السر. لكن والدي أعلم والدتي ببعض التفاصيل التي وجدت تأييدا منها.
متى علمت والدتك بالتحديد بهذه العملية؟
أعتقد أن والدتي لاحظت في وقت مبكر نسبيا بعض التغييرات في تصرفات والدي، ما دفعها إلى التساؤل حول أسباب ذلك. وبالتالي فقد كانت والدتي على علم بالعملية، لكنها لم تكن تعلم أن والدي هو الذي كان يريد وضع القنبلة شخصيا.
متى وأين علمت بالعملية الانتحارية؟ ماهي المشاعر والأفكار التي دارت في ذهنك في ذلك الحين؟
لقد علمت آنذاك من الراديو بمحاولة اغتيال هتلر. وبعد يوم أخبرتنا والدتي (أنا وشقيقي) أن والدي هو من كان يقف وراء تلك العملية. طبعا نحن عجزنا عن فهم ذلك الأمر، فقد كان ذلك الخبر بمثابة صدمة كبيرة لنا، خاصة وأنه تم في نفس اليوم إلقاء القبض على والدتي التي لم نرها حتى يونيو/حزيران عام 1945.
كيف تفسر أسباب الصدمة الكبيرة التي أصابتك في ذلك الوقت: هل لأنك علمت بوفاة والدك أم لأنك علمت بمشاركة والدك في المقاومة ضد النازية؟
في الحقيقة أنا صدمت جدا طبعا أولا لفقدان والدي وكذلك عندما علمت بأنه كان يريد اغتيال هتلر. فعلى الرغم من أن الموت في تلك الفترة، أي خلال الحرب العالمية الثانية، لم يكن بالأمر الغريب، إذ أن ثلث زملائي في المدرسة آنذاك فقدوا آباؤهم في الجبهة أو تحت قصف الطائرات. أما بالنسبة لوالدي فقد كان الأمر مختلفا، حيث أنه فارق الحياة وهو يحاول اغتيال هتلر. وهذا ما لم يتوافق مع تصورنا آنذاك، إذ أننا تساءلنا لماذا أراد والدي بالذات قتل "القائد"، بيد أن والدتنا قالت إن والدي كان قد أخبرها، بأنه فعل ذلك من أجل ألمانيا.
هل تلقيت تربية تتوافق مع القيم والمبادئ السائدة في ذلك العصر؟
لم نتلقى تربية تستند إلى الأفكار النازية، كما أن محيطنا لم يكن نازيا. مثلما قلت من قبل فقد كان والداي حذرين جدا ولم يجرؤا على انتقاد النظام النازي بحضورنا لكنهما لم يعبرا أبدا عن تحمسهما له. غير أننا تلقينا في المدرسة تربية مستمدة من الفكر والفلسفة النازية.
ما الذي حدث بعد أن تم إلقاء القبض على والدتك؟
لقد تم تشتيت العائلة، حيث تم إرسال الكبار إلى معسكرات الاعتقال النازية، حتى أفراد العائلة الذين تبينت عدم مشاركتهم في المقاومة، وبالتالي فقد تمت معاقبة كل العائلة. أما والدتي وعمتي فكانتا سجينتين على ذمة التحقيق لفترة طويلة للحصول على معلومات حول حركة المقاومة، لكن النازيين لم ينجحوا في انتزاع أي اعترافات منهما. في حين تم نقلنا نحن الصغار إلى ملجأ للأطفال تم تخصيصه لكل أطفال المقاومين الذين شاركوا في عملية العشرين من يوليو/تموز، إلى أن تم تحريرنا من قبل الجنود الأمريكيين بعد دخولهم ألمانيا.
هل أثرت العملية التي قام بها والدك على بقية مجرى حياتك؟
نعم، لقد أثرت على حياتي تأثيرا كبيرا، إذا كان لك اسما شهيرا مثل اسمي فإنك تعيش بطريقة تختلف عن غيرك، خاصة إذا عملت في نفس المجال الذي عمل فيه والدك.
ولكني قررت في الحقيقة الالتحاق بالمجال العسكري، لأنني كنت أظن بأن العمل هناك ممتعا وليس لأني كنت أريد مواصلة تقاليد العائلة، ليس من أجل والدي ولكن بالرغم من منه.
هل هناك أقاويل ترددت عن والدك أزعجتك كثيرا؟
نعم، لقد ترددت إشاعات تقول إن والدي كان في البداية نازيا ثم تحول بعدها إلى معسكر المقاومين. طبعا هذا الإشاعة تعطي شرعية لأولئك النازيين الذين زعموا بعد نهاية الحرب بعدم وجود علاقة لهم بالنازية، لكن هذه الأقاويل لا تمت للواقع بصلة. في الحقيقة لم يكن والدي في البداية لا من أنصار النازية ولا من معارضيها، لأنه كان يريد مراقبة تصرفات النازية عن كثب والحكم عليه بطريقة مستقلة.
ما الذي ينقص الصورة المتداولة عن والدك؟
أنا لا أستطيع أن أقول شيئا لأنني لم أكن أعرفه جيدا. ولكن بإمكاني القول إنه كان رجلا ذا موهبة مميزة.
لقد تم تصوير سبعة أفلام سينمائية ووثائقية حول حياة والدك ومقاومته للنازية. كما أن هناك مشروع فيلم جديد يلعب فيه الممثل الأمريكي توم كروز دور والدك. هل تشعر أن قصتك الشخصية قد تم الاستحواذ عليها من قبل الرأي العام؟
نعم لقد استحوذ الرأي العام على قصة والدي. فإلى جانب الأفلام التي سعت بصفة عامة إلى إبراز بطولته، هناك أمثلة أخرى في الأدب رافضة لهذه الرؤية البطولية، بل هناك كذلك أخرى تحتقره.
غير أن عائلتي لم تتدخل بصفة مباشرة من أجل الدفاع عن صورة والدي أو تلميعها أو تعديد مزايا ما قدمه لألمانيا.
ولكن ماذا عن الضجة التي أثارها توم كروز بعد أن أعلن تقمصه دور والدك، ألم تطرق وسائل الإعلام بابك وتسألك عن موقفك من ذلك؟
هذا صحيح، لقد أجرت معي صحيفة "زود دويتشه" حوارا عبرت فيه عن رأي الشخصي حول الموضوع، وأظن أنه من الطبيعي جدا في مجتمع ديمقراطي أن يعبر المرء عن رأيه الشخصي دون أن يحدد مطالب معينة.
أنا لم أطالب بإيقاف تصوير الفيلم كما أني لم أطالب بمنع توم كروز من تقمص شخصية والدي في الفيلم، لكني أعتقد أنه من حقي الشرعي أن أعبر عن عدم سعادتي بذلك.
ما مدى أهمية أحداث 20 يوليو/تموز لألمانيا والمجتمع الدولي؟
أنا لا أريد أن أستخرج أي عبرة من هذه الأحداث بالنسبة للشعب الألماني، ولكن أستطيع القول إنه عندما يحس المرء بمسؤوليته الأخلاقية تجاه أي قضية مثلما كان عليه الأمر مع والدي الذي شعر بنفسه مجبرا أخلاقيا باتخاذ الإجراء المناسب في نظره من أجل إنقاذ البلاد من النازيين. وعليه فإن دوافعه لم تكن لا سياسية ولا ديمقراطية وإنما هي أخلاقية بالأساس، فما من أحد بإمكانه السماح بأن يسيطر عدد من المجرمين على شعب بأسره، حتى ولو كانوا هؤلاء منتخبين.