نجاح وساطة ماكرون يفتح الباب لإعادة دور فرنسا في ليبيا
٢٦ يوليو ٢٠١٧طرحت الوساطة، التي قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وجمع من خلالها بين رئيس وزراء ليبيا فائز السراج والقائد العسكري في شرق البلاد خليفة حفتر، تساؤلات حول سر الدور الفرنسي، الذي يرى بعض المراقبين أنه أتى الآن بشكل مفاجئ. ويزداد حجم هذا الدور بعد البيان المشترك بإعلان ليبي لوقف مشروط لإطلاق النار والعمل على إجراء انتخابات في الربيع القادم.
وإثر اجتماع بمنطقة سيل سان كلو قرب باريس وبمبادرة من الرئيس ماكرون، وافق السراج وحفتر على بيان من عشر نقاط تمت تلاوته أثناء مؤتمر صحافي. وأكد نص البيان أن "حل الأزمة الليبية لا يمكن أن يكون إلّا حلا سياسيا، يمر عبر مصالحة وطنية، تجمع بين الليبيين وكافة الجهات الفاعلة: المؤسساتية والأمنية والعسكرية".
وخاطب ماكرون الصحفيين بعدما تصافح الزعيمان الليبيان وابتسما أمام الكاميرات "توجد شرعية سياسية تقع في أيدي السيد السراج. وتوجد شرعية عسكرية تتمثل في القائد العسكري حفتر. لقد قررا أن يعملا معا. هذا عمل قوي". وتابع قوله "إنهما يتمتعان بالشرعية ولديهما القدرة على أن يجمعا حولهما كل من يريد المشاركة في عملية سياسية من أجل المصالحة وصنع السلام".
فرنسا نجحت على عكس آخرين
ويرى المراقبون أن نجاح باريس في جمع حفتر والسراج يمثل نجاحا كبيرا للدبلوماسية الفرنسية، وذلك بالرغم من العديد من المحاولات السابقة، التي فشلت في جمعهما، إذ أنه وللمرة الأولى وبعد محاولات القاهرة وأبو ظبي، تنجح باريس في جمعهم والوصول لاتفاق وإصدار بيان. وكانت أبو ظبي قد نجحت في السابق في جمع الأطراف الليبية المتنازعة، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى أي اتفاق.
وكثيرا ما تعثرت اتفاقات السلام السابقة في ليبيا جراء الانقسامات الداخلية بين مجموعة كبيرة من الجماعات المسلحة المتنافسة التي ظهرت في ظل الفوضى، منذ أطاحت قوى معارضة بمعمر القذافي في 2011.
ويرى الباحث والأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة باريس، خطار أبو دياب، في حوار مع DW عربية، أن الدور الفرنسي كان "حاضرا وبقوة في الشأن الليبي في عهد ساركوزي". وكان لفرنسا دور كبير في حصول أغلبية في مجلس الأمن للقرار 1970، الذي كانت هي أيضا وراءه. كما أن الدور الفرنسي كان حاضرا منذ بدء الأحداث في بنغازي وفي مصراته، وكذلك قيام فرنسا بالضربات الأولى على ليبيا واعترافها الرسمي كأول دولة بالمجلس الانتقالي، يوضح الباحث في العلاقات الدولية.
ويؤكد أبو دياب أن الدور الفرنسي تراجع في عهد الرئيس السابق أولاند، في حين حاولت إيطاليا أن تحل محل الدور الفرنسي ، فقامت بتوطيد علاقتها مع القوى الليبية، إلا أن الدور الإيطالي لم يترجم بأي اتفاق على أرض الواقع.
سر توقيت المبادرة الفرنسية!
من جهته يعتقد زيدان خوليف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس في حوار مع DW عربية أن ماكرون اختار إحياء الملف الليبي والدفع به كأولوية؛ بناء على عدة أمور قد تكون أهمها انخفاض شعبيته في فرنسا، "التي تعود لفشله في تحقيق وعوده الانتخابية الداخلية ومنها محاربة البطالة وتحقيق الرفاهية للشعب الفرنسي". ويوضح خوليف أن ذلك "دفع به إلى اختيار ملف خارجي من أجل رفع أسهمه من ناحية ومن ناحية أخرى لعب دور قيادي في الشأن الأوروبي، ما يتيح لباريس بالظهور بمظهر قيادي خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
ويرى خوليف أن ماكرون يريد أن يظهر موقفا فرنسيا قياديا، وهو مدفوع من مستشاريه لأخذ زمام المبادرة أوروبيا، وذلك بعد اتهامه من المعارضة الفرنسية بأنه "مبتدئ في عالم السياسة الخارجية، وغير ضليع بدهاليزها بحكم سنه"، وهو ما يريد ماكرون إثبات أنه أمر غير صحيح.
البحث عن نفوذ فرنسي
ويسعى ماكرون إلى أن تقوم بلاده بدور أكبر في إقناع الفصائل الليبية بإنهاء الاضطرابات، التي أتاحت لمتشددين إسلاميين كسب موطئ قدم كما سمحت بازدهار نشاط مهربي البشر في غياب حكومة مركزية قوية.
ويرفض حفتر، الذي أعلن هذا الشهر النصر على مجموعات مسلحة منافسة في معركة للسيطرة على بنغازي ثاني أكبر مدينة ليبية، قبول مشروعية الحكومة. واستطاع القائد العسكري أن يكسب أراضي بدعم من مصر والإمارات.
غير أن الخبير، المنحدر من أصل لبناني، خطار أبو دياب لا يرى أن فرنسا بهذه المبادرة تريد فرض نفوذها في ليبيا، أو الاستئثار بإعادة الإعمار، وذلك لعدم قدرتها على تلك المسألتين. ففرنسا، فبحسب أبو دياب، تسير في النهاية ضمن المجموعة الأوروبية، ولن تستطيع لوحدها أن تنهي هذا الموضوع الشائك. "فرنسا تحاول جمع كل الأطراف وتعلم أن الملف ليس سهلا لذلك أخذت زمام المبادرة"، يقول الخبير في العلاقات الدولية.
ويخشى المسؤولون الفرنسيون أن يحاول مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذين طُردوا من مدينة سرت الساحلية العام الماضي، وغيرهم من المتشددين، استغلال فراغ السلطة في ليبيا لإعادة تجميع صفوفهم، بعدما خسروا أراضي واسعة في سوريا والعراق. ويعتبر المسؤولون ذلك فرصة لدفع الأطراف للتعاون.
انقسام أوروبي
لكن المبادرة الفرنسية أغضبت المسؤولين في إيطاليا، التي سبق أن تولت قيادة الجهود الرامية إلى إحلال السلام في مستعمرتها السابقة، وتحملت عبء الموجات المتعاقبة من المهاجرين الأفارقة، الذين يعبرون البحر المتوسط انطلاقا من الشواطيء الليبية.
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنجلينو ألفانو لصحيفة لا ستامبا أمس الثلاثاء إنه يؤيد المبادرة الفرنسية؛ لكنه أضاف "يوجد الكثير من الأسئلة المفتوحة بشأن ليبيا.. وعدد كبير من الوسطاء وعدد كبير من المبادرات... نريد توحيد جهودنا وتركيزها على مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة".
و يرى الخبير من أصل جزائري، زيدان خوليف، أن إيطاليا كان بودها أن تكون هي صانعة هذا الحدث إلا أنها فشلت، كما أن فرنسا لها ثقل أكبر في الشأن الليبي، وهو واضح هنا في قدرتها على جمع القيادات الليبية والوصول إلى اتفاق بالرغم من العديد من المحاولات المضنية التي باءت بالفشل.
وعن المبادرة الفرنسية بخصوص ليبيا يرى خوليف أن "ألمانيا ستنضم إلى تلك المبادرة بكل تأكيد." وأضاف أن بريطانيا كانت في الماضي متحركا ناشطا في السياسية الأوروبية، "أما الآن فهي إن انضمت للمبادرة الفرنسية – وهو أمر مستبعد- ستمثل نفسها فقط. أما الولايات المتحدة فهي بعيدة حاليا عن الشأن الليبي"، بحسب ما يقول.
وغرقت ليبيا الدولة النفطية، في الفوضى منذ الإطاحة بنظام الراحل معمر القذافي أواخر 2011. وتضم حاليا سلطات ومجموعات مسلحة عديدة تتنازع السلطة مع استمرار التهديد الارهابي وتهريب السلاح والبشر.
ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية من أصل جزائري أن "الفكر الماكروني" بعيد كل البعد عن الإرث الاستعماري الفرنسي، "لذلك فإن الهدف الذي يريده الرئيس الفرنسي الحالي هو إظهار فرنسا بدور قيادي أوروبي، والدفع بمبادرات ناجحة على الصعيد الخارجي، من أجل محاولة التغلب على الشأن الداخلي".
الكاتب: علاء جمعة