نتائج انتخابات مصر... إحباط لدى شباب الثورة وحيرة في الشارع
٢٧ مايو ٢٠١٢ربما هي واحدة من أكثر موجات الإحباط التي مر بها شباب الثورة في مصر منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك. شعور عام يسود الأجواء بين المواطنين في الشارع وأماكن العمل والبيوت بأن الثورة تكتب أحرفها الأخيرة.
بنفاذ صبر، تقول سمر حسنين، فنانة تشكيلية أعطت صوتها في الجولة الأولى لعبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الخارج من السباق، باعتباره ممثل التيار الوسطي: "سأختار محمد مرسي لأن ضميري لا يسمح لي باختيار شخص مثل أحمد شفيق، الذي ثرت عليه. أنا غير مقتنعة بشفيق، ولم أثر عليه وعلى نظامه كي أعيده مرة أخرى".
وأضافت حسنين لـ DW "شفيق لا يمثلني وأفكاره لا تعجبني، وأنا غير مقتنعة بالتصريحات التي يدلي بها". وأكدت "كل أصدقائي غير مقتنعين بمرشح الإخوان المسلمين، ونتفق كلنا على أننا لم نكن لنختار مرسي رئيسا أبدا، لكن نحن الآن في مأزق حقيقي، ومضطرون لانتخابه، لسد الطريق على مرشح النظام السابق".
" مرسي على الأقل سيمكنني الاختلاف معه"
وبسؤالها عن تصورها لشكل الدولة في ظل سيطرة الإخوان على الرئاسة بعد مجلس الشعب، قالت "ليس لدي أي تصور، كل ما أعرفه أن مرسي بكل ما عليه على الأقل شخص يمكن التفاهم معه. على الأقل سيمكنني التعبير عن رأيي فيه بالرفض أو القبول، أما شفيق، فلن أستطيع".
حالة الإحباط تلك لا تقتصر فقط على من قرروا التصويت في المرحلة الثانية، مكروهين، لمرسي، بل أيضا من قرروا التصويت غصبا لصالح شفيق. يشير خالد عنبة، ميكانيكي سيارات، إلى إحدى صور حمدين صباحي، الثالث في ترتيب المرشحين، حسب النتائج شبه النهائية، ويقول "أنا انتخبت حمدين في الجولة الأولى، أما الآن فأنا أمام خيارين كلهما مر، إما فلول أو إخوان".
"دم الشهداء في رقبة شفيق والإخوان ضحكوا علينا"
وأوضح عنبة في حديثه لـDW أمام ورشته: "الإخوان ضحكوا علينا في مجلس الشعب، نائبهم عن دائرة السيدة زينب اسمه عادل حامد، لم نره منذ نجاحه في الانتخابات. حاولنا مقابلته لنعرض عليه بعض مشاكلنا، لكن ما أن دخل المجلس لم يعد يقابل أحدا". وأضاف "صحيح دم الشهداء في رقبة شفيق، لكني سأنتخبه، على الأقل كي أقلل فرص فوز مرشح الإخوان".
في الورشة نفسها، كان يجلس شريكه محمد أبو القاسم، الذي جلس يبتسم بهدوء صامتا. وبسؤاله قال إنه انتخب مرسي منذ الجولة الأولى وسيعاود انتخابه في الثانية. وأضاف "الإخوان لديهم مشروع جيد للنهضة سيفتح مجالات كثيرة أمام الشباب.. المياه ستصل إلى سيناء والسفن ستجد لها منتجعات جديدة في قناة السويس"، على حد قوله.
هدوء أبو القاسم وابتسامته قلما وجدت إلا على وجوه أنصار مرسي أو شفيق، الذين تقترب مؤشرات أصواتهما مجتمعة من 50 % من إجمالي أصوات الناخبين. أما الـ 50 % المتبقية تقريبا فهي التي يسيطر عليها الشعور بالحيرة ما بين شفيق ومرسي أو مقاطعة كليهما.
" نحن أمام شيطان وإبليس فأيهما نختار؟"
يقول أبو بكر جابر (بائع حلويات): "انتخبت حمدين وحزنت لخسارته. لا أريد مرسي ولا شفيق. فالإخوان لم يقدموا لنا شيئا في مجلس الشعب، لأن هدفهم ليس إصلاح حال الناس، إنما مصلحتهم الشخصية". وأضاف "أما شفيق، فهو فلول، يكفي قوله إن مبارك هو مثله الأعلى.. الحل بالنسبة لي هو المقاطعة".
من جانبه، قال مصطفى إبراهيم (معاش مبكر) إن "الإخوان لا يصلحوا للحكم لأن من سيحكم فعليا هو المرشد العام الذي يريد أن يطبق نظام الخلافة. كذلك شفيق لا يصلح بسبب تهديداته للثوار ورفضه للتظاهرات". وأوضح "لو مرسي نجح، ستنهار البلد باشتعال الصراع بينهما وبين المجلس العسكري. ولو شفيق نجح، ستكون علاقته بالعسكر جيدة، لكن ستفتح السجون للثوار. كلاهما خيار صعب، نحن أمام شيطان وإبليس، فأيهما نختار؟". وختم إبراهيم "أنا تعبان ولا أعرف حتى الآن ماذا سأفعل".
كثيرون ممن أيدوا صباحي "الحصان الأسود"، الذي ألهب صعوده المفاجئ للمراقبين والناخبين حماسة أنصاره، يخوضون الآن معارك فكرية ضارية لحسم الجدل بين مرسي وشفيق. جدلٌ كلف البعض خسارة أصدقائه في ظل الاتهامات المتبادلة بـ"خيانة دم الشهداء".
اشتعال "حرب التخوين"
مروان عبد العزيز (صحافي شاب) أغلق صفحته على "فيسبوك" تماما، وقال لـDW "لم تعد أعصابي تتحمل المناقشات. هناك حالات استقطاب من الجانبين، وأنا بحاجة لأن أفكر بهدوء أيهما سأختار". وكان آخر ما كتبه مروان على صفحته "إذا كان اختيار شفيق خيانة لدم شهداء موقعة الجمل، فإن اختيار مرسي، خيانة لشهداء مجلس الوزراء ومحمد محمود وماسبيرو وبورسعيد".
ففي حين يرى منتقدو شفيق أن اختياره "خيانة" لدم ضحايا موقعة الجمل، التي وقعت أثناء توليه رئاسة الحكومة في نهاية عهد مبارك، يرى منتقدو مرسي أن اختياره "خيانة" أيضا لدم سائر ضحايا المسيرات المليونية التي رفض الإخوان المشاركة فيها، أو تلك التي وقعت بعد دخولهم مجلس الشعب.
"حربُ تخوين" هامشية اندلعت بين طرفين كلاهما مُحبط واجهها الكاتب الصحفي مصباح قطب، في مقال تحت عنوان "التصويت للإخوان خيانه لشهداء الحرية" نشرته مجلة "الحياة إيكونوميست" الإلكترونية.
وفي حديث لـ DW، علق قطب على مقاله قائلا إن المشكلة هي أن رافضي شفيق يعتبرون المسألة ثأرا شخصيا فقط، وهذا ليس بمنطق سليم، أما رافضو مرسي فهم يرفضونه لبرنامج التنظيم الذي يقف خلفه. وأوضح "ما يجب أن يثير الخوف الآن هو أن يتولى الحكم من يحتكر السلطة باسم الدين، هذا ما يجب أن نخشاه على الثورة قبل ضياعها وقبل ارتداد مصر لقرون عدة إلى الوراء". ويختم قطب بعبارة وردت في مقاله "أقول للمترددين: صوتوا لشفيق وفي اللحظة التالية طالبوا بإسقاطه في الميادين".
أميرة محمد - القاهرة
مراجعة: منصف السليمي