نار الإرهاب تطاول القاهرة مرة أخرى
شهدت القاهرة عمليتين ارهابيتين نهار أمس السبت، واستهدفت العمليتان أماكن سياحية في قلب العاصمة المصرية. غير أن اللافت هو الاختلاف الكبير بين موجة العمليات الإرهابية الأخيرة وتلك التي حدثت في التسعينات وإن اتفقا في الهدف وهو ضرب السياحة. فعمليتا الأمس كشفت عن ارتباط بين افرادها ومنفذ هجوم الأزهر في السابع من ابريل/نيسان، وتشترك جميعها في بدائية الأسلحة المستخدمة والغياب الواضح لأي تدريب أو استعداد، كما شهدت عمليتا الأمس مشاركة نساء لأول مرة في عمل إرهابي في مصر. ويبد جلياً ان هذا المجموعة هي مجموعة صغيرة تقوم على الجهود الذاتية ولا ترتبط بأي تنظيم، وإن دلت على شيء فهي تدل على مدى الاحتقان السياسي الذي تعانيه مصر. فحظر العمل السياسي ويأس المواطنين من أي بادرة للإصلاح كلاهما تربة خصبة تنمو فيه الأفكار المتطرفة.
قفزة انتحارية ورصاص على الزجاج الخلفي
أظهرت المصادر أن العملية الأولى قام بها رجل مصري قفز من أعلى كوبري السادس من اكتوبر الى ميدان الشهيد عبد المنعم رياض حيث انفجرت عبوة ناسفة كانت بحوزته. وقالت وزارة الداخلية ان الرجل الذي يشتبه بانه منفذ الهجوم يدعى ايهاب يسري ياسين وهو عضو هارب من المجموعة التي خططت تفجيرا أسفر عن مقتل ثلاثة سياح في منطقة أثرية للتسوق بحي الازهر في وسط القاهرة في السابع من ابريل/نيسان. وأضافت الوزارة في بيان ان المصابين هم ثلاثة مصريين ورجل وامرأة اسرائيليان /60 و55 عاما/ ورجل ايطالي /26 عاما/ ورجل سويدي /28 عاما/. اما العملية الثانية فهي غير مسبوقة في تاريخ العمليات الإرهابية المصرية إذ قامت سيدتان منقبتان بفتح النار على الزجاج الخلفي لحافلة سياحية في منطقة السيدة عائشة، ثم اطلقت احداهما النار على الأخرى ثم على نفسها لتنتحر، وقال شهود عيان انهم شاهدوا زجاجا متناثرا ودماء على الطريق غطتها أوراق الصحف ومسدسا وما بدا أنه قفاز أسود من النوع الذي ترتديه النساء المنتقبات. وقالت وزارة الداخلية ان المرأتين المنقبتين هما شقيقة منفذ الهجوم بالقنبلة وتدعى نجاة يسري ياسين وان الاخرى صديقتها ايمان ابراهيم خميس وترتبط بعلاقة عاطفية به.
بعدها أعلنت جماعتان تطلقان على نفسيهما اسمي "مجاهدو مصر" و"كتائب الشهيد عبدالله عزام" في بيانين نشرا على موقع اسلامي على الانترنت مسؤوليتهما عن الهجومين. ولم يتسن التحقق من صحة زعمهما وبدت بعض التفاصيل التي أوردتها الجماعتان غير متطابقتين مع روايات شهود العيان. المحلل المتخصص في عنف الجماعات الاسلامية ضياء رشوان يعلق على العمليتين قائلاً: "يبدو اننا نتحدث هنا عن مجموعة صغيرة من افراد عائلة واحدة وأصدقاء لهم ينفذون هذه الهجمات. هؤلاء الناس ليس لهم أي تنظيم حقيقي. الغضب هو الدافع الذي يحركهم ومن الصعب على رجال الامن ان يعرفوا الكثير عنهم". يذكر أن الحكومة المصرية تواجه حركة للمعارضة السياسية نشطة على غير المعتاد تطالب بتغيير دستوري ونهاية لقوانين الطواريء السارية في البلاد منذ عام 1981.
استنكار من الحكومة ومن الإخوان المسلمين
أدان شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي الهجومين. ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط (أ.ش.أ) عنه قوله "هذه التفجيرات أيا كان لونها هي نوع من التخريب الذي تحرمه جميع الاديان السماوية والعقول الانسانية تحريما قاطعا". ووصف الهجمات بأنها "عمل جبان وخسيس ومرتكبها خائن لدينه ووطنه سواء كان مصريا أو غير مصري". وقال شيخ الازهر "محاربة السياحة تعد لونا من الجهل والعدوان الذي تحرمه الشريعة الاسلامية والاعتداء على السائحين يعد جريمة من أقبح الجرائم التي يستحق مرتكبها أشد العقوبة في الدنيا والاخرة". واستنكر مفتي مصر الدكتور علي جمعة الهجومين ووصفهما بانهما "عمل اجرامي خسيس".ووصف مرتكبي الهجومين بانهم "خفافيش الظلام الذين ما زالوا يعملون على ارهاب المواطنين والنيل من امنهم واستقرارهم بهذه الاحداث
الدامية".
من ناحية أخرى وقال محمد حبيب النائب الاول للمرشد العام لجماعة الاخوان المسلمون أكبر الجماعات الاسلامية واكثرها نفوذا في مصر ان الجماعة "تدين بشدة" الهجومين. لكنه اضاف أنه يجب على السلطات الامنية أن "تتصرف بما هو مطلوب في مثل هذه الحالة دون تجاوز للقانون وألا يتخذ ذلك ذريعة للبطء في عملية الاصلاح السياسي". من المعروف أن الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد المصري شنا هجمات عنيفة على أهداف سياحية في سنوات التسعينات، سقط فيها الكثير من الضحايا، ردت عليها قوات الأمن المصرية بضربات قمعية أسفرت أيضاً عن سقوط ضحايا أبرياء غير أنها نجحت في تحجيم عمليات الجماعات الإسلامية، وتمكنت من الإيقاع بالكثير من ناشطيها وحبستهم في سجونها. وفي نهاية التسعينات أصدرت الجماعة الإسلامية بياناً تعتذر فيه للشعب المصري عن الآلام التي سببتها له العمليات الإرهابية كما تعلن عن رجوعها عن طريق العنف.