مُنْتَجُ كوخٍ بدويٍ يجول العالم.. وجه آخر من سيناء
٣٠ ديسمبر ٢٠١٧تسافر سناء القصاص سنويا إلى كاليفورنيا بالولايات المتحدة، حيث تعيش ابنتها. وذات مرة بينما كانت تجلس في أحد الشوارع مرتدية شالاً أسود مطرزاً بألوان زاهية صنع يدويا بأكمله، تقترب منها سيدة أمريكية مندهشة لتبدي إعجابها بما ترتديه وتسألها عن المكان، الذي اشترت منه هذا الشال، وما إذا كان مصنوعا يدوياً، فتجيبها سناء بأنها من شمال سيناء وأن إحدى السيدات هناك هي من صنعته.
السيدة الأمريكية لم تكن تعلم أن هذا الرداء، الذي كانت ترتديه سناء القصاص، صنعته سيدة تدعى خديجة، في الثلاثينيات من عمرها، تعيش في كوخ صغير من جريد النخل، ليس له سقف يحميها من مطر الشتاء، وكانت بصنعه تكافح من أجل أن تعيل عائلتها الصغيرة، حيث تحصل على 75 جنيها مصريا تقريبا، أي نحو 4 يورو، أجراً لصناعة للشال الواحد.
لكن خديجة تعرضت لمأساة من نوع آخر جعلتها تترك الكوخ، الذي كانت تسكنه مع زوجها وابنها. فقد قُتِل الزوجُ والابنُ معاً في الحادث الإرهابي بمسجد الروضة في شمال سيناء، ضمن 310 شخصا، قتلهم مسلحون فتحوا النار على المصلين أثناء صلاة الجمعة في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. علماً بأن عائلة خديجة كانت قد نزحت قبل نحو عامين من بيتها الأصلي في مدينة رفح الحدودية خوفا على العائلة من العمليات الإرهابية.
"نصدّر منتجات يدوية ولا نصدر إرهابا"
تحكي سناء القصاص أن السؤال عن ملابسها حدث معها كثيراً في دول مختلفة "وهو ما يشعرني بالبهجة، وأصمم على ارتداء مثل هذه الأشياء في سفرياتي؛ حتى يعرف الناس من نحن وأن في شمال سيناء أناس تفكر وتنتج وتصدّر منتجات ومشغولات يدوية ولا تصدر إرهاباً". وتضيف في حوارها مع DW عربية "هناك من يريد العيش في سلام وأمان، ومن يُنتج لن تكون لديه الفرصة لأن يصبح إرهابياً رغم الظروف القاسية التي نعيش فيها".
سناء القصاص تعيش في مدينة العريش بشمال سيناء، وتدير "جمعية الشابات المسلمات"، التي من خلالها تعمل خديجة بالمشغولات اليدوية، ضمن 450 أسرة أخرى، بعد أن توفر لهم الجمعية المواد الخام، ثم في النهاية تسوق لهم أيضاً منتجاتهم، سواء من خلال المعارض أو هيئات دولية وتصدر حاليا لألمانيا وأمريكا وكندا وشاركت في معارض في دول كثيرة.
وتقول سناء: "نحن نأتي لهم بالمواد الخام، التي يستخدمونها كما نقوم بالتسويق، وإذا أردوا أن يقيموا مشغلاً لأنفسهم نساعدهم في ذلك ونأخذ منتجاتهم لنسوقها لهم".
تحسين دخل الأسر الفقيرة
يهدف المشروع إلى مساعدة المرأة "السيناوية" الأكثر فقراً والتي تعول أسرتها، من خلال تطوير وتسويق المنتجات اليدوية ذات الطابع البدوي السيناوي؛ لتدر دخلاً يساهم في تحسين مستوى الأسرة عن طريق التصميمات المبتكرة والبديعة لمنتجات الحرف اليدوية التقليدية، والتي تتميز بالوحدات الزخرفية السيناوية التقليدية.
تقابلت DW عربية مع سناء على هامش معرض "ديارنا" للأسر المنتجة، الذي نظمته وزارة التضامن الاجتماعي هذا الشهر تحت شعار "كلنا سيناء". وفتح المعرض الأبواب للمشاريع اليدوية من كافة المحافظات، وكان الاشتراك بالنسبة للمنتجين السيناويين مجانا، كما خصص الركن الأكبر أيضا للمنتجات السيناوية، بغرض دعمهم بعد حادث الروضة الإرهابي، ولتحسين دخل هذه الفئات وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، في هذه المناطق، التي تقيم تلك المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بحسب الوزارة المصرية.
وكان أهم ما يميز منتجات المعرض أنها يدوية وتراثية مصنوعة من خامات البيئة مثل السجاد والتحف اليدوية وزينات رمضان والمفروشات اليدوية. وتقول سناء إنه لا يقل مستوى دخل السيدة، التي تعمل في تطريز وحياكة الملابس البدوية عن 750 جنيهاً شهرياً (حوالي 35 يورو)، وأحيانا تكون الأم وبناتها يعملن معاً أيضا لتحسين دخلهم، وتضيف "نحاول قدر الإمكان أن يزيد الدخل مع مرور الوقت وألا يقل مهما كان عن هذا المبلغ؛ لأنه لو قل كأننا لم نفعل شيئا لأن الأسعار ترتفع".
وتقول وزارة التضامن إن المعرض زاره نحو 30 ألف شخص وحقق حجم مبيعات بلغ نحو 4 مليون جنيه أي ما يقرب من 200 ألف يورو.
النهوض بالوعي والتعريف بأهل سيناء
وتشير سناء إلى أن الجمعية أيضا تعمل على تنمية وعي المرأة والنهوض بها وتوفير فرص عمل لها لتحسين مستواها الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تدريبها على أنشطة مختلفة مثل الزراعة أو التسويق أو فتح محل صغير، وذلك إذا لم ترد العمل في صناعة المفروشات اليدوية أو الملابس البدوية.
وتقول مديرة جمعية الشابات المسلمات بالعريش "للأسف لا توجد لدينا تنمية في شمال سيناء ولا توجد مشاريع تستوعب الشابات ولذلك نحاول أن ندربهن على التطريز والحياكة والرسم على الزجاج". وعندما يصلون إلى مرحلة الانتاج "نشتري منهم منتجاتهم ونتحمل مخاطر عدم بيعها لأننا لو توقفنا سينقطع الإمداد المالي عن النساء المعيلات"، تتابع سناء.
وهناك هدف آخر تحاول سناء التركيز عليه من خلال اشراك الشباب السيناوي في المعارض المختلفة، مما يؤدي إلى اختلاط أهل شمال سيناء من خلال مشاريعهم الصغيرة بوادي النيل، بحيث ترى الناس هناك عاداتهم وتقاليدهم وينقلون الصور الحقيقية عن سيناء وأبنائها.
ورغم أن سناء كانت تعمل في الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة قبل 4 سنوات، وزارت معظم عواصم العالم، ويمكنها أن تعيش في أماكن أخرى كثيرة؛ إلا أنها تتمسك ببقائها في شمال سيناء. وحكت لـDW عربية عن مشاهد قتل مروعة قام بها الإرهابيون هناك، مثل رؤيتها لرأس صاحب محل معلقة أمام محله أو بيته لأنه باع لعناصر من الشرطة أو الجيش وتقول "ليس هناك إنسان أو دين يقبل بهذا أو يقوم به، هم يريدون أن يقضوا علينا وأن نترك سيناء، الإرهاب يُصدّر إلينا، مع أننا نكافح من أجل العيش في سلام وأمان لكننا لن نوقف المسيرة".
مصطفى هاشم - القاهرة