ميركل وكورونا ـ شهادات حول أسلوب المستشارة في إدارة الأزمات
٩ مايو ٢٠٢٠. نجم ميركل يسطع في أوج أزمة كورونا
. سر القبول الذي يلقاه أسلوبها في القيادة
. إشادة المعارضين قبل المناصرين
. إعجاب أمريكي بـ"النموذج الألماني"
. عملت كنادلة ـ شذرات لفهم شخصية المستشارة
نجم ميركل يسطع في أوج أزمة كورونا
أماطت أزمة كورونا وأساليب إدارتها اللثام عن تمايزات هائلة بين البلدان وثقافتها السياسية المختلفة. فبغض النظر عن المؤشرات الاقتصادية التقليدية، ظهر سُلم تقدم جديد تقيس به الدول مدى نجاعتها في إدارة جائحة عالمية. وهكذا اكتشف الرأي العام العالمي مقاييس جديدة تُقارن جودة الأنظمة الصحية ونسبة الأسرة المتاحة وأجهزة التنفس الاصطناعي، إضافة لأساليب القيادة السياسية وحتى روح التآزر وخصال التعاون الإنساني. وفي هذا المشهد سطع نجم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وهي التي تنبأ المراقبون بأفولها السياسي في زخم أزمة اللاجئين التي زلزلت المشهد السياسي في ألمانيا، وفي وقت اشتدت فيه المنافسة على خلافتها في زعامة الحزب المسيحي الديمقراطي، وبالتالي، مرشحه المحتمل لمنصب المستشارية.
وأظهر عدد من استطلاعات الرأي أن ثلثا الألمان راضون عن إجراءات إدارة الأزمة التي اتخذتها الحكومة لمكافحة فيروس كوفيد-19. وباتت شعبية المستشارة تحلق عاليا عند حوالي 74 في المائة. واعتمدت استراتيجية الحكومة الاتحادية بالتعاون مع حكومات الولايات، تتبعا دقيقا للمصابين، بالاعتماد على واحد من أفضل الأنظمة الصحية في العالم. ودأبت السلطات الصحية على إجراء فحوص مكثفة (قاربت نصف مليون فحص في الأسبوع).
سر القبول الذي يلقاه أسلوبها في القيادة
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده دخلت في "حالة حرب"، وتهكم بولسونارو من "الخوف" من الفيروس، ولم يعد لرشده حتى بدأ المصابون يموتون في البرازيل. أما بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني فقد احتاج دخول وحدة العناية المركزة ليكتشف حقيقة كوفيد ـ19. فيما فضل دونالد ترامب في البداية مواصلة حياته كالمعتاد. وتشبت رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى النهاية باستضافة الألعاب الأولمبية.
أما ميركل (صاحبة الدكتوراه في الفيزياء) فاختارت طريقا آخر يقوم على الهدوء والاكتفاء بالوقائع والحقائق دون ادعاء المعرفة المطلقة، وكأنها في مختبر علمي. تُذكر بالمخاطر دون تهويل، تُشيد بالنظام الصحي الألماني دون غطرسة أو غرور. في مقابلة مع موقع "ويب.دي.إي" أوضح ستيفان بروخلر أستاذ العلوم السياسية في جامعة هومبولت في برلين (30 أبريل/ نيسان 2020) جانبا آخر من خصائص أسلوبها في القيادة: "أعتقد أن هناك سببين لهذا الأمر. تملك المستشارة ميركل أسلوبا قياديا يعتمد التوافق. أسلوب يجمع بين التصميم والمعرفة العلمية. وتعمل الحكومة في برلين على إشراك رؤساء حكومات الولايات والمعارضة في صنع القرار. هذا النمط من الحكم، يختلف بشكل كبير عن أسلوب سياسيين آخرين مثل دونالد ترامب أو بوريس جونسون اللذان يعتمدان استراتيجية التحدي والمواجهة".
إشادة المعارضين قبل المناصرين
"يمكننا أن نكون سعداء بأن لدينا مثل هذه المستشارة لقيادة بلادنا في هذه المرحلة "، صاحب هذه الجملة لا يخطر على بال، إنه أحد أشد المعارضين الشرسين لميركل في الفترة الأخيرة. التصريح لوزير الداخلية هورست زيهوفر" نشرته صحيفة "بليد آم زونتاغ" (الثالث من مايو/ أيار 2020). هو نفس الوزير الذي قال بشأن المستشارة بعد خلافهما حول سياسة اللجوء في 2018، "لم يعد بإمكاني العمل مع هذه المرأة".
بل والأدهى من ذلك، يبدو أن زيهوفر استأنس بنقاش حول فكرة تقدم ميركل للترشح لفترة خامسة، رغم أنها سبقت وأن استبعدت ذلك. وقال لـ"بيلد": "لا يمكنني أن أنكر أنني سمعت الفكرة مؤخرًا". بودو راميلو، أحد قياديي حزب اليسار (المعارض) ورئيس وزراء تورينغن، وصف لـDW علاقة العمل التي تجمعه بالمستشارة في إدارة أزمة كورونا وقال: "هي هادئة ولطيفة وتتبع أهدافها بتصميم، وهو ما يتجلى بشكل خاص في اجتماعات الفيديو والمحادثات الهاتفية المحكمة التنظيم. هذا يُشيع أجواء الهدوء خلال النقاشات المعقدة".
في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، أكد كريستيان دروستن واحد من أبرز علماء الفيروسات الألمان، وأحد الذين يقدمون المشورة للحكومة خلال هذه الأزمة، أن قوة ميركل تكمن في درايتها الكبيرة واطلاعها الواسع، وكونها عالمة (فيزياء) يساعدها على التعامل السهل مع الأرقام. هذا يجعل منها قائدة جيدة". وأضاف دروستن أن هناك شيئا آخر يميزها "أعتقد أن الأمر يتعلق أيضا بشخصيتها وقدرتها على التفكير الهادئ. كما أنها لا تحاول توظيف الأزمة الحالية كفرصة سياسية لصالحها".
إعجاب أمريكي بـ"النموذج الألماني"
"قليل من الكلام مزيد من الأفعال" هكذا نصحت قناة "سي.إن.إن" الأمريكية، الرئيس دونالد ترامب ودعته إلى الاقتداء بالمستشارة ميركل. وقارنت القناة بين الصراع المرير الذي يقوده ترامب ضد حكام الولايات الأمريكية والتعاون الوثيق، بل والانسجام بين ميركل ورؤساء حكومات الولايات الألمانية. القناة أشادت بمهارة ميركل، فرغم أن ألمانياوالولايات المتحدة لهما نظامان فيديراليان، حيث تتمتع الولايات بصلاحيات واسعة. فإن ميركل، تقول القناة، أدارت الأزمة بشكل زاد من تعاضد وتوحد الألمان، فيما ساهم ترامب في انقسام الأمريكيين.
وذهبت صحيفة "نيويورك تايمز" في نفس الاتجاه وكتبت "لقد ساهمت الصفات القيادية للمستشارة في انخفاض عدد الوفيات في ألمانيا". كما أشاد الملياردير بيل غيتس بالمستشارة واعتبرها "صوتًا واضحًا" في الأزمة - على النقيض من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ودعا الأخير إلى أخد العبرة من المستشارة. وذكر كريستوف شتارك في مقال لـ DW 24 (أبريل / نيسان 2020) أن صحيفة "نيوزيلاند هيرالد" كتبت: "أسلوب القيادة الألماني، علامة مضيئة في أزمة كورونا. ألمانيا وميركل "رابحتان" في الأزمة و"نموذج يحتذى به" في استراتيجية مكافحة الوباء".
كما أشاد المكتب الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية بما تقوم به ألمانيا. وقال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية هانز كلوغ يوم (24 أبريل / نيسان 2020) برنامج "مورغن ماغاتسين" على قناة "زي.دي.إف" الألمانية إن "ما نراه هو أن الأنظمة الصحية، التي كانت بالفعل قوية حتى قبل الوباء، هي الآن أفضل من حيث القدرة على التعامل مع الجائحة (..) بالطبع هناك أيضا في ألمانيا قيادة قوية للمستشارة ميركل ووزير الصحة شبان".
عملت كنادلة ـ شذرات لفهم شخصية المستشارة
شقت أنغيلا ميركل طريقها في الحياة بصبر وتأني، وهي التي دخلت التاريخ كأول مستشارة لألمانيا. درست الفيزياء وعملت كنادلة في إحدى الحانات أثناء دراستها. كانت الطالبة ميركل تتقاضى أجرا يتراوح بين 20 و30 بفينيغ عن كل مشروب تبيعه، وهو ما يوازي 30 ماركا في الأسبوع، إضافة إلى أجرها الشهري الذي كان يراوح 250 ماركا. مبلغ كان يساعدها على تمويل دراستها وتغطية تكاليف إيجار البيت.
كانت طالبة متميزة أثناء مرحلة المراهقة والأولى في مدرستها. كانت تحلم أن تصبح مدرسة. حلمٌ لم يتحقق، بسبب ضغوط الحزب الشيوعي الحاكم آنذاك في ألمانيا الشرقية الذي اشتبه في معارضة والديها للنظام. وهكذا اختارت دراسة الفيزياء. و درست ميركل في لايبزيغ بين 1973 و1978. وفي عام 1986، حصلت على شهادة الدكتوراة في برلين الشرقية تحت إشراف البرفسور يواخيم زاور الذي أصبح فيما بعد زوجها الثاني، وهي التي ولدت في هامبورغ (ألمانيا الغربية) عام 1954.
ولا يزال الغموض يسود بعض جوانب الحياة الخاصة لميركل (66 عاما) حتى بعد صعودها المفاجئ من متحدثة باسم آخر حكومة في ألمانيا الشرقية عام 1990، إلى زعيمة الحزب الديموقراطي المسيحي في ألمانيا الموحدة عام 2000، وصولا إلى منصب المستشارية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005.
كان والدها قسا في دولة شيوعية ملحدة. وخلال طفولتها تعلمت بسرعة الكلام، لكنها استغرقت وقتا أطول لتعلم المشي. في لايبزيغ تغيرت حياتها في مرحلة الدراسة الجامعية. هناك استمتعت بالحياة الطلابية مع الزملاء من خلال الرحلات والعمل بالوظائف المؤقتة. في عام 1977 تزوجت من زميل لها يدعى أولريش ميركل، الذي احتفظت باسمه وكان يبلغ من العمر 24 عاما، بينما كانت هي تبلغ من العمر 23 عاما.
حسن زنيند