ميركل "المنافسة الشرسة" في الانتخابات الألمانية ومخاوف من تزايد أنصار "حزب الكنبة"
٢٤ أغسطس ٢٠١٣ربما يكون هو الرجل المناسب في التوقيت المناسب ، إنه بير شتاينبروك الذي أمسك يوما بزمام الشؤون المالية في ألمانيا فهو رجل يعرف تفاصيل الميزانية بشكل متخصص. شغل شتاينبروك منصب وزير المالية في حكومة المستشارة أنغيلا ميركل السابقة والتي كانت مؤلفة من الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي وهي الفترة التي بدأت فيها الأزمة المالية. واليوم يرغب شتاينبروك في أخذ منصب رئيسته السابقة إذ ينافس ميركل على كرسي المستشارية. لكن توقعات الخبراء وأيضا استطلاعات الرأي تشير إلى تراجعه الواضح أمام منافسته ميركل.
ولتقدم ميركل الكثير من الأسباب فهي الآن في ذروة تألقها السياسي فالمستشارة الألمانية أثبتت أنها تمسك مقاليد الأمور داخل حزبها المسيحي الديمقراطي كما أثبتت قوتها داخل الاتحاد الأوروبي في إدارة أزمة الاستدانة واليورو الأمر الذي جعلها تحظى بإعجاب واحترام غالبية الألمان.
على الصعيد الآخر يركز الحزب الاشتراكي الديمقراطي حملته الانتخابية على الأمور السلبية ، كما يقول خبير علوم الاتصالات، كريستوف موس الذي يوضح أن هذه الاستراتيجية غير مجدية في الوقت الحالي الذي "يشعر فيه الألمان بالسعادة" وبالتالي فالناخب يهتم بمعرفة كيف يمكن أن تصير الأمور أفضل تحت قيادة شتاينبروك ولا يهمه كثيرا الاستماع للأمور السيئة.
ميركل المستفيد الأكبر من برنامج شرودر الإصلاحي
يرى الخبراء أن البرنامج الإصلاحي الخاص بالمستشار السابق غيرهارد شرودر والمعروف بـ "أجندة 2010" هو السبب وراء تماسك ألمانيا خلال فترة الأزمة المالية العالمية. المفارقة أن هذا المشروع الإصلاحي كان محل معارضة واسعة داخل الحزب الاشتراكي نفسه الذي ينتمي إليه شرودر. ووصلت درجة المعارضة للفكرة إلى أن بعض أعضاء الحزب تخلوا عن عضويته بسبب هذه الخطة التي شملت العديد من الإجراءات من بينها على سبيل المثال تقليل معونات البطالة.
ويعتقد المؤرخ إدغار فولفروم من جامعة هايدلبرغ أن الحزب الاشتراكي ربما يعاني اليوم من تأنيب الضمير بسبب موقفه من مشروع شرودر. ويرى الخبير المتخصص في حقبة حكم شرودر أن المشكلة تكمن في أن الاشتراكيين أنفسهم تنصلوا من أسلوب حكم المستشار المنتمي لحزبهم والتي شملت الفترة بين عامي 1998 و 2005. يعتبر شتاينبروك اليوم من مؤيدي "أجندة 2010" والتي أصبحت الآن بالنسبة للكثير من الاشتراكيين "حلا لا بديل عنه". الغريب أن هذه الخطة تحظى بتأييد داخل صفوف الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر أكثر من صفوف الحزب الاشتراكي نفسه. واستفادت ميركل نفسها خلال فترة حكمها من برنامج شرودر الإصلاحي الذي ساعد البلاد في تجاوز الأزمة المالية العالمية.
الكل يطلب ود الطبقى الوسطى
لا تخلو الحملة الانتخابية الألمانية من نقاط خلاف بين المحافظين والاشتراكيين فالحزب الاشتراكي على سبيل المثال يرغب في وضع حد أدنى للأجور يقدر بـ 8.50 يورو ، وهو ما لا يوافق عليه الاتحاد المسيحي الذي يرى أن هذه المسألة يجب أن تكون محل اتفاق بين طرفي العمل دون فرض قانوني. ويرغب الاشتراكيون أيضا في زيادة الضرائب على الأثرياء في حين يركز المحافظون على تخفيض الديون مع الحفاظ في الوقت نفسه على عدم زيادة الضرائب. لكن جميع الأطراف المتنافسة ترغب في الفوز برضا الطبقة المتوسطة حيث تؤكد ميركل أن فوزها في الانتخابات يعني عدم وجود أعباء إضافية على المواطنين ولا على الاقتصاد.
ومع هيمنة قضايا تيار الوسط السياسي على الحملات الانتخابية ، تتراجع شعارات الاستقطاب التي كانت مسيطرة في أزمنة سابقة حتى قضية المفاعلات النووية لم تعد محل خلاف في ألمانيا بعد حادث مفاعل فوكوشيما بعد أن اتخذت ميركل – التي كانت داعمة للطاقة التي تنتجها المفاعلات النووية- وحكومتها المكونة من المحافظيين والليبراليين ، قرارا بإغلاق المفاعلات النووية.
ميركل..برنامج بحد ذاته
المواقف السياسية ليست هي العامل الوحيد الذي تستفيد منه ميركل لزيادة شعبيتها بل إن شخصيتها أيضا تشكل عاملا مهما فهي قليلة الكلام لاسيما المفاجئ منه كما أنها دائمة التحكم في مشاعرها . وتحولت حركة ميركل التقليدية التي تضم فيها كفيها مع بعضيهما، إلى ما يشبه العلامة المميزة للمستشارة. ويرى المؤرخ فولفروم أن أهم ما يميز ميركل أنها "شخصية عادية وبالتالي يمكن لكل شخص أن يرى نفسه فيها. هذه هي وصفة النجاح فميركل هي نفسها البرنامج".
انتقاد من المعسكر الليبرالي
يمكن أن يقف المعسكر الليبرالي – الذي تعمل معه ميركل ضمن ائتلاف حكومي- مثل حجر العثرة أمام ميركل فالتعاون بين الطرفين داخل الحكومة لم يكن على أفضل ما يرام في الفترة الأخيرة. ويقوم الليبراليون خلال الحملة الانتخابية بانتقاد التحالف المسيحي ، الأمر الذي يبرز في تصريحات المرشح الليبرالي راينر برودرله بخصوص بعض الإعفاءات الاجتماعية على المتقاعدين والأمهات المعيلات.
لكن نتائج الليبراليين في الانتخابات ستؤثر بشكل أو بآخر على ميركل وحزبها فتجاوز الحزب الليبرالي لحاجز الخمسة بالمئة في الانتخابات سيعود بالنفع على ميركل وحزبها إذ سيضمن ذلك لها تشكيل ائتلاف مع الليبراليين. وفي حال خسارة الليبراليين فستجد ميركل نفسها في مأزق حتى حال حصول التحالف المسيحي الذي تنتمي إليه على نتيجة جيدة قد تصل لنحو 40 بالمئة ، لاسيما إذ نجح الاشتراكيون والخضر في الحصول سويا على أغلبية أكبر.
وفي حال حافظ الخضر على شعبيتهم المتزايدة بحسب استطلاعات الرأي وحصلوا على 15 إلى 20% وقرروا التحالف مع الاشتراكيين فإن هذا سيفتح الباب للمرشح الاشتراكي شتاينبروك لاعتلاء كرسي المستشارية. أما إذ فشل الحزب الليبرالي في الحصول على أكثر من 5% من الأصوات ولم يحصل الاشتراكيون مع الخضر على نسبة كافية لتشكيل حكومة ائتلافية ، فسيكون الحل الواحد المتبقي هو إقامة ائتلاف بين التحالف المسيحي والاشتراكيين ، وهو حل غير مفضل للكثيرين لكن الضرورة تفرضه أحيانا.
ورغم أن الائتلاف الكبير بين المحافظين والاشتراكيين يمثل الحل الأخير لإنقاذ الموقف إلا أنه يمثل أحيانا وسيلة حكم فعالة وهو ما حدث بين عامي 2005 و 2009 عندما شغل شتاينبروك منصب وزير المالية في حكومة ميركل ضمن ائتلاف بين المحافظين والاشتراكيين.
مخاوف من "حزب الكنبة"
لا يخشى المراقبون من الاضطرار لتشكيل ائتلاف بين المحافظين والاشتراكيين بقدر خوفهم من الإحجام المتزايد من قبل المواطنين على التصويت في الانتخابات. وتشير الإحصائيات إلى أن معدلات المواطنين الذين لا يشاركون في الانتخابات زادت بنسبة أكثر من ثلاث مرات منذ سبعينات القرن الماضي. ولم يذهب حوالي 30% ممن يحق لهم التصويت في ألمانيا، إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2009 ، ووصلت النسبة إلى نحو 40% في الانتخابات المحلية.
وأظهرت الإحصائيات الأخيرة أن الإحجام عن المشاركة في الانتخابات ليس قاصرا على الأجيال الجديدة كما كان يعتقد ، بل يمتد لجميع الفئات العمرية. ويرى مدير مؤسسة فريديرش إيبرت القريبة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، أن إحجام المواطنين خاصة من كبار السن عن المشاركة في التصويت يمثل "خللا اجتماعيا في نتيجة الانتخابات" ويوضح ذلك بأن امتناع مجموعة معينة من الشعب عن المشاركة يعني أن مصالحها غير ممثلة في هذا الأمر. ومن الممكن أن تشهد ألمانيا ظاهرة فريدة من نوعها في الانتخابات المقبلة حال جاءت الأغلبية لصالح "حزب الكنبة" أو من يمتنعون عن المشاركة بأصواتهم في الانتخابات.