"ميركل الإندونيسية".. سري مولياني أيقونة الإصلاح
٢٥ يوليو ٢٠٢١لم يكن لدى سري مولياني أندراواتي هدف سوى شق طريقها للنجاح وإثبات جدارتها وإحداث تغيير في إندونيسيا التي تعد أكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان، لكنها كانت تدرك أن التحديات أمامها جسام خاصة الطريق إلى السلطة.
وفي مقابلة مع DW، تقول سري مولياني – التي تتولى منصب وزيرة المالية في إندونيسيا – إنها كانت تعي جيدا أن طريقها إلى السلطة أكثر صعوبة من الرجال. وتضيف أن "العالم ليس منصفا وعادلا للمرأة"، ورغم ذلك قطعت سري مولياني شوطا كبيرا في هذا التحدي.
ففي عام 2005، تم تعيينها وزيرة مالية في إندونيسيا لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في البلد المحافظ الذي يشكل فيه المسلمون أغلبية. وأصبحت سري مولياني بذلك أيقونة للعديد من النساء ليست فقط في بلدها إندونيسيا وإنما في آسيا والعالم.
"عصر ميركل.. نساء في السلطة"
وتأتي مقابلة سري مولياني مع DW في إطار سلسلة من المقابلات تحت عنوان "عصر ميركل.. نساء في السلطة" بمناسبة قرب انتهاء الولاية الرابعة للمستشارة التي تحكم ألمانيا لأكثر من 15 عاما.
وخلال المقابلة، سلطت سري مولياني الضوء على التحديات التي واجهتها في بداية عملها. وقالت "كون الرجال مؤهلين لتولي مناصب رفيعة يعد أمرا مفروغا منه، أما بالنسبة للنساء فيتعين عليهن إثبات جدارتهن وهو ما يمثل عبئا إضافيا على النساء الطامحات في تولي مناصب قيادية".
وتعد سري مولياني خبيرة اقتصادية إذ درست الاقتصاد في إندونيسيا ونالت درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة. وعقب تعيينها في منصب وزيرة المالية في إندونيسيا بفترة وجيزة، اندلعت الأزمة المالية العالمية لتكون الفرصة سانحة أمامها كي تثبت جدارتها وأحقيتها في تولي هذا المنصب شديد الأهمية.
وفي خضم الأزمة المالية الكبيرة، نجحت سري مولياني في قيادة إندونيسيا – أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا – بشكل ناجح خلال تلك الحقبة حيث طردت المسؤولين الفاسدين وبدأت في إصلاح النظام الضريبي. وفي عام 2010، شهدت إندونيسيا أعلى معدل نمو اقتصادي منذ الأزمة المالية الأسيوية في أواخر تسعينيات القرن الماضي.
ضمن أقوى نساء العالم
ومنذ ذلك الحين وبسبب نجاحها، باتت سري مولياني رائدة في الإصلاح ونالت عددا من الألقاب أبرزها "أقوى سيدة في إندونيسيا". كما تم اختيارها "كأفضل وزير مالية" في شرق آسيا والمحيط الهادي في عدة سنوات وكذلك كانت ضمن قائمة مجلة "فوربس" الشهيرة لـ "أقوى 100 سيدة في العالم" عدة مرات.
وحظيت باهتمام كبير في وسائل الإعلام حول العالم، وفي عام 2010، انتقلت إلى الولايات المتحدة لتعمل في البنك الدولي وبعد ذلك بست سنوات، عادت إلى بلدها لتتولى منصب وزيرة المالية مجددا.
حماية حقوق النساء في إندونيسيا
أما عن عائلتها وطفولتها، فقد كانت أسرة سري مولياني (58 عاما) تتألف من عشرة أطفال، فيما كانت والدتها من طليعة السيدات في إندونيسيا اللاتي حصلن على درجة الدكتوراه في مجال التعليم وهو ما أثار ضجة في هذا البلد في ذلك التوقيت.
وأثر كفاح هذه السيدة الإندونيسية في الفتاة سري مولياني التي تولت فيما بعد منصب وزيرة المالية في إندونيسيا إذ دفعها إلى بذل قصارى جهدها وعدم الرضوخ لليأس مهما كانت الصعاب. بيد أن سري مولياني لم تشعر بالإحباط أبدا، مؤكدة "هناك دافع دائما للتأكيد على أننا نستحق الأفضل وأننا بمقدورنا القيام بذلك".
ومع ذلك، تشير الإحصائيات بأن نصف النساء فقط في إندونيسيا يعملن في وظائف مدفوعة الأجر فيما لم يتحسن معدل شغل المرأة للوظائف لأكثر من عقدين إذ ما زال الاعتقاد السائد في إندونيسيا أنه يتعين على النساء رعاية الأسرة وتربية الأطفال أولا وقبل أي شيء.
وخلال عملها كوزيرة، دعمت سري مولياني، حقوق النساء العاملات خلال أثناء فترة الرضاعة كذلك شجعت الرجال على أخذ إجازة لرعاية الأطفال مع الزوجات. ويُنظر إلى هذه الأمور باعتبارها "ثورة صغيرة" في إندونيسيا.
الرجال حلفاء وليسوا خصوما
ولم ترث سري مولياني من أمها الإصرار فحسب وإنما ورثت منها القدرة على تحقيق التوازن بين الأسرة والعمل. بيد أن الأمر عندما يتعلق بشغلها منصبا حساسا كوزيرة مالية في هذا البلد الكبير، فإن الأمر لم يكن بالسهل بالنسبة للسيدة التي كان يتعين عليها رعاية أطفالها الثلاثة.
وفي هذا السياق، تقول "إن الأمر كان صعبا للغاية. ومن دون دعم زوجي، لكان مسار حياتي المهني أكثر صعوبة". وتضيف: "زوجي – مثل والدي - شخص داعم جدا. لم يشعر بالخوف أو حتى بالنقص لأنه تزوج من سيدة ربما يُنظر إليها باعتبارها امرأة قوية".
ورغم ذلك، فإن صورتها كامرأة قوية وذكية أزعج البعض في المجتمع الأبوي في إندونيسيا. وفي هذا الصدد، تقول سري مولياني "عندما تحصل الفتيات على مستوى عال من التعليم، دائما ما يتم إبلاغهن بأن الشباب سيهربون منهن."
ويعد هذا السبب وراء اعتقاد سري مولياني أن التعليم يلعب دورا هاما في تحقيق المساواة، مضيفة "يتعين على الرجال والشباب أن يعرفوا جيدا أن المساواة لا تمثل تهديدا لهم".
وتوضح سري مولياني هذا الأمر بصورة استعارية توضحها بقولها: "لا يمكن لأي شخص أن يمشي ويسير وهو يرتدي حذاء غير متساوٍ الطول. وهذا الأمر ينطبق على الرجال والنساء. يجب أن يكون الرجال والنساء في نفس المستوى حتى يمكن للمجتمع أن يتقدم ويتطور".
إندونيسيا تعد مكانا خطرا للنساء
ورغم ذلك، فإن الواقع الذي تعيشه النساء والفتيات في إندونيسيا حاليا ليس بهذه البساطة، إذ تعد هذه الدولة الآسيوية ثاني أخطر دولة للنساء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ووفقا للإحصائيات، فإن واحدة من ثلاث نساء في إندونيسيا تعرضت أثناء حياتها للعنف، فيما يعد زواج القاصرات شائعا ولا يوجد قانون يحمي الفتيات من الختان رغم أن تلك الممارسة تعتبر على الصعيد الدولي انتهاكا لحقوق الإنسان. ويُنظر إلى هذه القضايا باعتبارها من المحرمات داخل المجتمع الإندونيسي.
وفي هذا السياق، ترى سري مولياني أن هناك حاجة إلى مزيد من التعليم حيال هذه الأمور وهو الأمر الذي يدفعها إلى دعم أن تقوم النساء والفتيات باستغلال مواردهن المالية – حتى وإن كانت ضئيلة – لتحقيق تكافؤ الفرص من خلال التعليم.
أنغيلا ميركل.. رائدة في السياسية والقيادة
وبسبب جدارتها في قيادة بلادها خلال أشد الأزمات المالية، يمكن اعتبار سري مولياني النسخة الإندونيسية من أنغيلا ميركل. وفي ذلك، تقول سري مولياني: "أنا معجبة بها خاصة صفاتها القيادية والطريق التي قادت به أنغيلا ميركل السياسة في ألمانيا وهذا الأمر يعد هاما ليس فقط لألمانيا وإنما للعالم بأسره".
وتؤكد سري مولياني على وجود تحدي كبير أمام الجيل القادم من النساء اللاتي سيخلفن شخصية مثل ميركل إذ سيتم دائما مقارنتهن بها. في المقابل تشير إلى أن هذا الأمر قد يكون حافزا إضافيا للنساء والفتيات بغض النظر عن موقعهن إذ يتعين عليهن بذل قصارى جهدهن وتحقيق أقصى استفادة من قدراتهن. وتقول "حتى إذا كان هذا التقدم ليس سوى سنتيمتر واحد، فإن هذا سيمنح النساء والفتيات فيما بعد مساحة أكبر".
أوكسانا إفدوكيموفا وجانينا سيمينوفا/ م.ع