ميثاق الصحافة الألماني والدعوات للكشف عن هوية المشتبه بهم
١٣ ديسمبر ٢٠١٦"لا يحق التمييز بين الأشخاص بسبب الجنس أو الإعاقة أو الانتماء العرقي أو الديني والاجتماعي"، كما ورد في البند 12 لميثاق الصحافة الألمانية. ويُسْتَمد من هذا البند بالنسبة لعمل الصحفيين أنه "في حالة تغطية الجرائم يمكن ذكر انتماء المشتبه بهم، الديني والعرقي أو أي أقلية أخرى عندما يكون هناك فقط علاقة مبررة لفهم الوقائع"، لأن هناك خطر "أن يؤدي الكشف عن الهوية إلى تأجيج الأحكام المسبقة ضد أقليات".
فمنذ الاعتداءات التي قام بها مهاجرون في ليلة رأس السنة الميلادية الماضية وجدت وسائل الإعلام الألمانية نفسها محرجة في الكشف عن الحقيقة المرة: فجميع المشتبه بهم تقريبا كانوا من بلدان شمال أفريقيا أو من دول عربية أخرى، وكذلك من طالبي لجوء من سوريا. وهذا أجج المشاعر لتوجيه الاتهام والانتقاد لسياسة اللجوء التي تنهجها الحكومة الألمانية. والتردد في الكشف عن هوية المشتبه بهم جلب لوسائل الإعلام والمسئولين السياسيين تهمة التمويه. ورغم تلك الانتقادات القوية قرر مجلس الصحافة الألمانية بعد مرور أسابيع على الإبقاء على المادة 12 في مضمونها الحالي في ميثاق الصحافة.
أهمية الأصل تخضع للتفسير
ومنذ ذلك الحين، ومع ارتكاب أية جناية من طرف مهاجرين يزداد الجدل حول الكشف عن هوية الجناة أو المشتبه بهم، كما حصل مؤخرا إثر مقتل شابة ألمانية في الـ 19 من عمرها في مدينة فرايبورغ جنوب غرب ألمانيا، حيث يبدو أن الجاني من أصل أفغاني لا يتجاوز عمره 17 عاما. وتدخل ساسة في النقاش، مثل الأمين العام للحزب الاجتماعي المسيحي أندرياس شويير، الذي ينتقد حزبه المحافظ بولاية بافاريا منذ البداية سياسة اللجوء التي تنهجها حكومة المستشارة أنغيلا ميركل، وقال:"أصل الجناة والضحايا يجب ذكره بصفة مبدئية لتفادي الشائعات".
لوتس تيلمانس مدير أعمال مجلس الصحافة الألماني اعتبر مقترح أندرياس شويير "غير واقعي" و"تدخلا صارخا في حرية التحرير الصحفي".
أما نادي "الإعلاميون الألمان الجدد" فيدافع عن تنوع أكثر في وسائل الإعلام، وتنحدر غالبية الصحفيين فيه من أصول أجنبية. ويعتزم النادي باستخدام أمثلة محددة تقديم براهين على السذاجة الكامنة وراء ذكر تفاصيل أساسية مرتبطة بالهوية بالنسبة لأي شخص يرتكب فعلا يعاقب عليه القانون.
ويقول تيلمانس إنه لا يمكن الإجابة بنعم أو لا على السؤال حول احتمال وجود أهمية لذكر هوية المشتبه به في قضية قتل الفتاة بمدينة فرايبورغ. معتبرا أن كل حالة يجب التعامل معها حسب وتفسيرها حسب المعطيات، مضيفا أن ذلك من مهام الصحفي.
رؤساء التحرير يريدون إصلاحا
عضو الحزب الاجتماعي المسيحي أندرياس شويير أشار إلى أن وسائل الإعلام التقليدية لم يعد بإمكانها، بسبب الانتريت ومواقع التواصل الاجتماعي، حجب المعلومات. وإلى جانب الجدل حول الكشف عن الهوية، عايش الرأي العام الألماني نقاشا آخر حول تعامل وسائل الإعلام مع التفاصيل. فسيل الانتقادات وُجه هذه المرة ضد نشرة الأخبار الرئيسية في قناة التلفزة الأولى (ARD) التي لم تسلط الضوء على جريمة القتل في فرايبورغ نظرا "لأهميتها الإقليمية" المفترضة. وقال لوتس تيلمانس من مجلس الصحافة الألماني:"تسمية الأصل في هذه الحالة، التي باتت معروفة على المستويين الألماني والأوروبي أصبحت أساسية ومهمة بالنسبة إلى الفهم".
ممارسة الضغوط لإدخال تعديلات على ميثاق الصحافة لا تأتي حاليا من الجانب السياسي فقط، بل أيضا من جانب الصحافة. تانيت كوخ، رئيسة تحرير صحيفة "بيلد" الشعبية وصفت ذلك البند في ميثاق الصحافة بأنه "رقابة ذاتية غير مبررة" تضر بمصداقية وسائل الإعلام. أما كريستيان ليندنر رئيس تحرير صحيفة "راين تسايتونغ" التي تصدر في كوبلنز فقد اعتبر أن الميثاق قديم على الأقل، وقال:"أريد صياغة جديدة تخرج وسائل الإعلام من زاوية شبهة التكتم عن معلومات لأسباب سياسية". أما صحيفة "زيكسيشه تسايتونغ"، التي تصدر في دريسدن فقد قامت بتلك الخطوة وأصبحت تذكر مبدئيا أصل جميع الجناة حتى الألمان، الذين لا يعودون إلى أصول أجنبية.
وهذا القلق المسجل في صفوف رؤساء التحرير له في المقام الأول على ما يبدو أسباب اقتصادية: لأن قطاع الصحف يعاني من ضغط منافسة وسائل الإعلام الإلكترونية. والقراء الذين يشعرون بأنهم يخضعون لمناورات من قبل صحيفتهم يمكن خسرانهم بسهولة. لكن لوتس تيلمانس لا يريد على الرغم من ضغط مواقع التواصل الاجتماعي فقدان الجودة الصحفية، وقال:"نريد عرض محتويات ذات جودة. المحتويات الصحفية لها جودة أكبر من وسائل التواصل العادية عبر المواقع الاجتماعية". كما أنه عندما يتم الكشف عن هوية المشتبه بهم أو الجناة، "يجب مراعاة التأثير على الجمهور".
ويجمع المختصون في الشأن الصحفي على أن ميثاق الصحافة الألماني ليس مجسما متحجرا غير قابل للتعديل، وأنه يخضع لمقتضيات النقاش الحاصل، ومن ثم فإن البند 12 بوجه الخصوص في ذلك الميثاق سيثير مستقبلا نقاشات قوية.
كريستوف هاسيلباخ/ م.أ.م