مونديال جنوب إفريقيا والتحديات الأمنية
٩ ديسمبر ٢٠٠٩اعتبرت بطولة كأس القارات Confed Cup التي أقيمت في جنوب إفريقيا في يونيو الماضي بروفة ناجحة لما ينتظر هذا البلد الذي سيستضيف صيف 2010 بطولة نهائيات كأس العالم لكرة القدم. ولاقت جهود اللجنة المنظمة للمونديال تنويها خاصا من لدن المسئولين داخل الإتحاد الدولي للكرة القدم (الفيفا). إذ أن رئيس الاتحاد، جوزيف بلاتر، منح البلد المنظم 7.5 من النقاط من معدل 10 تعبيرا منه عن المستوى التنظيمي للبطولة. في حين أثنى القيصر الألماني فرانس بيكنباور على زملائه الأفارقة منوها بأن التنظيم "كان رائعا، رائعا جدا ولم تعكر صفوه مشاكل تذكر".
واليوم وبعدما أجريت قرعة كيب تاون ووزعت المنتخبات إلى ثماني مجموعات وحددت تواريخ مباريات الدور الأول، بدا وكأن مونديال 2010 لا ينتظر سوى قدوم شهر يونيو. فكل "شيء على ما يرام". إلا أن ما حدث للمنتخب المصري لكرة القدم، أثناء بطولة كأس القارات عندما كان ضحية للسرقة في فندقه، والاعتداء الذي تعرض له أربعة مشجعين انجليز العام الجاري أثناء مرافقتهم لفريق "الأسود الإنجليز" للكرة المستطيلة. أو حتى حادثة القتل المفجعة التي تعرض لها لاعب كرة القدم النمساوي المعتزل بيتر بورغستالار نهاية عام 2007. كلها أحداث تكشف جميعها على أن مونديال جنوب إفريقيا لن يكون كسابقيه، فالهاجس الأمني كان ولا يزال من أكبر التحديات التي ستواجهها حكومة الرئيس جاكوب تسوما واللجنة المنظمة للمونديال في هذه التظاهرة العالمية.
جنوب إفريقيا... أقل دول العالم أمنا
ورغم الوعود التي أطلقتها جنوب إفريقيا للحد من نسب الجريمة، إلا أنها لا زالت تتصدر قائمة الدول الأقل أمنا في العالم. والأرقام لا تشكك في ذلك. إذ تسجل الأجهزة الأمنية يوميا خمسين عملية قتل وأزيد من مائة عملية اغتصاب. ويحاول مسئولو الفيفا التقليل من المخاوف عبر إطلاق تصريحات بين الفينة الأخرى لطمأنة المشجعين. إلا أن اتحادات المنتخبات المشاركة تدرك تماما أن الوضع في جنوب إفريقيا له خصوصياته ومن تم لا ترغب في خوض تجربة المونديال من دون اتخاذ إجراءاتها الخاصة. وهذا ما ألمح إليه مدير الكرة في المنتخب الألماني أولفر بيرهوف عندما ذكر "أن اللاعبين الألمان لن يستطيعوا التحرك بحرية في جنوب إفريقيا كما كان الأمر في مونديال ألمانيا 2006 وبطولة أوروبا في سويسرا 2008". مشيرا إلى أن الهاجس الأمني "يبقى التحدي الأكبر بالنسبة للمشرفين على منتخب بلاده".
خطة أمنية خاصة
واستنادا لهذه المعطيات، عمد الإتحاد الألماني لكرة القدم على أخذ زمام الأمور وتطوير خطة أمنية، اعتبرت أولوياتها القصوى الحفاظ على سلامة الطاقم الكروي أثناء قيامه "بمهمة جنوب إفريقيا". وأسندت إلى هيلوت شبان، رئيس الجهاز الأمني داخل الإتحاد الألماني مهمة إعداد تقرير شامل حول فندق فيلمور الواقع في محافظة غاوتنغ والذي سيستقبل المنتخب الألماني ابتداء من الأسبوع الأول من شهر يونيو.
و شبان بدوره، طالب أصحاب المسؤولين في جنوب إفريقيا بإطلاعه على آخر الإجراءات الأمنية التي اتخذت عقب قرعة كيب تاون التي أجريت في الرابع من الشهر الجاري، بالإضافة إلى ملخص لتطور الوضع الأمني في المدن التي ستحتضن مباريات المونديال. وأوضح شبان أنه بحاجة "إلى مُسودة حول تفاصيل الخطة الأمنية المتعلقة بمكان إقامة المنتخب الألماني والمركز الإعلامي التابع له". كما كشف رئيس الجهاز الأمني أن خبراء أمنيين قام الإتحاد بإرسالهم ضمن البعثة الألمانية لبطولة كأس العالم للشباب من دون 17 عشر عاما والتي نظمتها غانا مؤخرا وذلك من أجل تدريبهم على ما ينتظرهم في المونديال الصيف القادم وأيضا للإطلاع على طبيعة الظروف الحياتية والأمنية في البلدان الأفريقية.
"جنوب إفريقيا ليست أفغانستان"
من جانبه، يرى الألماني ميشائيل كور، رئيس شركة أمنية عاملة في جنوب إفريقيا في حوار مع موقع نيوز الألماني، أن النقاش الدائر حول سلامة اللاعبين أثناء مونديال جنوب إفريقيا مبالغ فيه، كونه يعتقد "أن المشجعين أكثر عرضة لعمليات السطو أو الخطف من اللاعبين الذين تقوم بحراستهم طواقم أمنية محترفة إلى جانب الأجهزة الرسمية". من جهته، رصدت حكومة جنوب إفريقيا هذا العام 700 مليون يورو لتضاف إلى الميزانية المخصصة لمكافحة الجريمة، والتي من المنتظر أن يبلغ سقفها الإجمالي نهاية البطولة ثماني مليارات يورو.
فضلا عن ذلك، تم توزيع كاميرات المراقبة ووحدات أمنية خاصة في مواقع اعتبرت "ذات أولوية قصوى" كالمطارات والملاعب وضواحي الفنادق التي ستقيم فيها المنتخبات الـ 32 المشاركة في البطولة. في المقابل، لم تترك اللجنة المنظمة للمونديال في جنوب إفريقيا مناسبة لم تدحض فيها المخاوف الأمنية من أن تعكر الجريمة صفو المباريات، مؤكدة عزمها على تنظيم "تظاهرة كروية إفريقية بمستوى يليق بالعالمية". والدليل على ذلك حسب المنظمة، البطولات التي احتضنتها جنوب إفريقيا في السابق كبطولة كأس العالم للكريكت عام 2003 " التي صرح فيها ثلاثة بالمائة فقط من المشجعين الأجانب أنهم سقطوا ضحية اعتداء أو سرقة". وكذلك البطولات السابقة كبطولة الكرة المستطيلة عام 1995 وبطولة كأس إفريقيا عام 1996 وغيرها. وإن كان هم جنوب إفريقيا هم إفريقي يتجلى في إنجاح أول مونديال يقام على القارة السمراء، فإن الأمن لا يزال المحك والمطرقة الذي لن تظهر خطورته من عدمها سوى عند انطلاق المونديال.
الكاتبة: وفاق بنكيران
مراجعة: طارق أنكاي