مونديال 2022.. هل تحقق قطر حلمها الاقتصادي باستضافة البطولة؟
٥ مايو ٢٠٢٢قال مسؤول حكومي قطري لرويترز إن تخطيط أغلب الأعمال تم بشكل منفصل مع سعي الدوحة لتنويع أنشطتها الاقتصادية غير المعتمدة على الطاقة، طامحة في أن تصبح مركزا إقليميا للأعمال وإلى زيادة عدد السياح إلى ثلاثة أمثاله ليبلغ ستة ملايين سائح سنويا بحلول 2030.
لكن المحللين والأكاديميين غير مقتنعين بأن إنفاق قطر الضخم من عائدات الغاز سيضمن لها تحقيق حلمها الاقتصادي فور انتهاء البطولة التي تستمر 28 يوما. إذ تواجه قطر منافسة ضارية من دول في المنطقة مثل السعودية والإمارات، اللتين توفران أسواقا أكثر رسوخا وتنويعا أكبر جذبا للسياح.
لكن هذا لم يثنِ هذه الدولة الصغيرة الغنية عن إنفاق المال لتحقيق مكانة على الساحة الدولية. وفي ذروة ازدهار أعمال البناء في عام 2016، أنفقت قطر 18 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي على البنية الأساسية وهو مبلغ ضخم يتضاءل أمامه ما أُنفق على التحضير لبطولات كأس العالم السابقة.
فقد أنفقت جنوب أفريقيا 3.3 مليار دولار على البنية الأساسية أثناء التحضير لبطولة عام 2010، في حين أنفقت البرازيل 11.6 مليار دولار على البنية التحتية لاستضافة الحدث في 2014، رغم أن نصف المشروعات الموعودة لم تتجسد على أرض الواقع.
وتضم قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية وبها أكثر القنوات التلفزيونية العربية تأثيرا. وهي لم تنفق بسخاء على ملاعب كرة القدم وحسب، بل أيضا على القطارات السريعة وشبكة مترو الأنفاق وعلى ميناء على مياه عميقة ومطار ضخم.
لكن البعض يخشى أن تصبح هذه المباني الجديدة خاوية بعد انتهاء البطولة مع رحيل الزوار المتوقع وانخفاض الطلب المحتمل وتباطؤ النشاط الاقتصادي غير المعتمد على الطاقة.
وقال روبرت موجيلنيكي الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن "الأمر يتطلب تفكيرا عميقا وجهدا كبيرا لتشغيل الكثير من هذه البنية الأساسية كي تخدم أغراضا أخرى بعد بطولة كأس العالم".
"قاعدة انطلاق تسويقية"
وقال المسؤول الحكومي لرويترز إن الدوحة ترى أن أول بطولة لكأس العالم تقام في منطقة الشرق الأوسط "قاعدة انطلاق تسويقية" للزوار في المستقبل.
وفي جنوب أفريقيا، قال المسؤولون إن بطولة كأس العالم لعام 2010 أطلقت ازدهارا سياحيا وإن عدد الزوار زاد باطراد ليبلغ في أعلى مستوياته قبل جائحة فيروس كورونا 10.2 مليون زائر في 2019 عندما أسهمت السياحة بنحو عشرة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأنفقت الشركات الحكومية القطرية ومستثمرون من القطاع الخاص مليارات على مشروعات تجارية مثل مراكز التسوق والفنادق والعقارات والساحات الترفيهية. وقالت كارين يانغ الزميلة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن "إنها فلسفة ‘شيّد وسيأتون ‘ للتنمية في الخليج".
وحلّت الأنفاق والطرق العلوية محل شوارع قطر المكدسة ذات الاتجاهين والميادين البريطانية الطابع، وزُرعت على جوانب الشوارع أشجار النخيل وأشجار المورينجا المزهرة والحشائش والجهنمية. وقالت يانغ "كل هذه الإيرادات بحوزة الدولة، لذلك لا يغضب الشعب إذا رأى إسرافا في بعض الأحيان أو لو لم تنجح بعض الأمور".
وحتى الآن، يقود ازدهار قطاع الإنشاءات الذي تشرف عليه الدولة النشاط الاقتصادي غير المعتمد على الطاقة. ويمثل القطاع 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وفقا للتوقعات الاقتصادية لجهاز التخطيط والإحصاء القطري لعام 2022-2023.
ويعمل بقطاع الإنشاءات نحو نصف القوى العاملة في قطر مما أسهم في زيادة عدد السكان بنسبة 67 بالمئة منذ 2011.
لكن مع انتهاء هيمنة قطاع الإنشاءات سيتباطأ النشاط الاقتصادي غير المعتمد على الطاقة على الرغم من السعي لتنويع الاقتصاد الذي يهدف إلى تحقيق اكتفاء ذاتي. وتقول شركات عقارية ومحللون عقاريون إن الطلب الراهن على الوحدات السكنية قوي ومن المتوقع أن يزداد قوة مع بدء البطولة لأن العديد من الشقق والفيلات الجديدة تم تجنيبها لاستضافة المشجعين في 64 ألف غرفة على الأقل على مستوى البلاد.
لكن هناك مخاوف من أن تتكدس الوحدات الخالية في السوق لدى طرحها بعد البطولة.
العودة للغاز
قطر إحدى أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم ومن ثم أصبحت واحدة من أغني دول العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج ويبلغ عدد سكانها 2.8 مليون نسمة، 85 بالمئة منهم من المغتربين.
لكن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن عدد سكان قطر سينخفض في السنوات التالية على البطولة بنحو 1.2 بالمئة سنويا إلى 2.5 مليون نسمة في 2027. ومن المتوقع كذلك مع انحسار ازدهار قطاع الإنشاءات أن يغادر الكثير من عمال البناء القادمين من جنوب آسيا والذين كان أسلوب معاملتهم وأجورهم محط الأنظار في إطار التحضير لبطولة كأس العالم.
ويقول أليكسيس أنطونيادس أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج تاون في قطر إن البلاد ستفقد كذلك مهندسين ومصممين ومشرفين وغيرهم من المهنيين من أصحاب الأجور العالية الذين يعملون على مشروعات توشك على الانتهاء الآن.
وبالنسبة ليونس، صاحب متجر السلع في لوسيل، فإن ذلك مبعث قلق. يقول "ربما تصبح هذه مباني خالية بعد كأس العالم. لا نعرف... أترى كل هذه الشقق؟ هناك الكثير جدا من الوحدات السكنية هنا".
وفي حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد القطري بمعدل 3.4 بالمئة هذا العام بفضل النشاط المرتبط بكأس العالم، تشير التوقعات إلى تباطؤه إلى 1.7 بالمئة في 2024.
وحتى إذا لم يؤتِ الاستثمار في الاقتصاد غير المعتمد على الطاقة ثماره، فإن الغاز كفيل مرة أخرى بدعمه. فقد فاقم غزو روسيا لأوكرانيا من أزمة طاقة عالمية مما عزز الطلب على الغاز الطبيعي المسال.
لكن أنطونيادس يقول إن العمل في قطر أبعد ما يكون عن الانتهاء. وأضاف "كنا نتوقع أن يتباطأ الاقتصاد... لكن الآن جاء وقت انفتاح قطر على العالم واجتذاب المواهب والشركات واجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياح".
ص.ش/ أ.ح (رويترز)