موقع "قديتا.نت"- نافذة لتجاوز المحرّمات في المجتمعات العربية
٢٥ أغسطس ٢٠١٠في خضم بيئة فيها الكثير من القيود والتابوهات الاجتماعية والسياسية والدينية أُطلق يوم الاثنين (16 آب/ أغسطس 2010) موقع "قديتا. نت/ Qadita.net" من قبل مجموعة من المثقفين والصحفيين الفلسطينيين. الموقع حمل أسم قرية "قديتا" الجليلية التي هُجّر سكانها خلال حرب 1948 بين العرب والإسرائيليين. وقد انبثقت فكرة إنشاء الموقع من الحاجة إلى وسيلة للتعبير خارج إطار هذه القيود والتابوهات، التي تنعكس سلباً على نوعية المواد المنشورة في المواقع العربية الأخرى، فهامش الحرية المكبل بهذه التابوهات لا يسمح بالتعرض للعديد من المواضيع السياسية والظواهر الاجتماعية بشكل نقدي وجريئ.
عن هذا تقول المحررة رشا حلوة في حوار مع دويتشه فيله: "إن مشكلة أغلب مواقع الإنترنت العربية والفلسطينية تكمن في سطحيتها. لذلك أراد مدير "قديتا. نت" علاء حليحل إنشاء موقع، يكون منصة حرة يمكن لكل كاتب نشر مقالاته فيه بعيداً عن القيود الرقابية ذات الصبغة التجارية أو الحزبية أو الدينية". وتضيف الصحفية الفلسطينية قائلة: "إن المعيار الأساس لعمل الموقع يتلخص في أن لكل كاتب الحق في نشر مقاله، شريطة أن يكون جيداً من الجانب النوعي". وبحسب حلوة فإن موقع "قديتا.نت"، على الرغم من إنه يُدار من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، يحاول الوصول ليس إلى المتلقي الفلسطيني فحسب، بل والعربي أيضاً، وهو يعتمد في ذلك على ثورة الاتصالات التي "كسرت القيود المفروضة".
خطوة جريئة تُجابه بالحظر
للوهلة الأولى يبدو الموقع كأي موقع عربي آخر يتناول قضايا سياسية واجتماعية وثقافية فقط، لكن من يتصفح أبوابه ومواده المتنوعة يرى فيه محاولة لكسر أحد المحرمات المتجذرة في العالمين العربي والإسلامي: ففي زاوية "مثليون ونص" يمكن للمثليين والمثليات أن ينشروا تحت أسماء مستعارة قصصاً وقصائد تصور تجاربهم الشخصية. ومن الطبيعي أن يثير نشر مواد تتعلق بالمثلية الجنسية في المجتمعات العربية حتى ولو كان إلى جانب المواضيع الثقافية والسياسية الكثير من الانتقادات في الأوساط المحافظة، فبعد أقل من أسبوعين من إطلاق الموقع تم حظره في الأمارات العربية والسعودية، كما جاء في الموقع.
وفي هذا الإطار قال علاء حليحل في بيان نشر في الموقع يوم الثلاثاء (24 آب/ أغسطس 2010): "يتضح من قائمة أسباب المنع أنّ السبب الوحيد الممكن لحظر الموقع يكمن في فئة "التعري والإباحية"، فالموقع لا يتعامل مع الإرهاب أو غيره من المسميات في هذه القائمة". وأضاف حليحل: "لم نتوقع صراحة أن يلقى موقع "قديتا.نت" ترحاباً من المؤسسات الحكومية أو الدينية أو المحافظة التي يمكن أن ترى فيه منصة لما يسمونه الانحلال أو العداء للدين وما شابه. نحن ندعو جميع الراغبين بتصفح الموقع إلى إتباع منظومة البروكسي في التحايل على الحظر".
من جهة أخرى فإن إبراز ظاهرة المثلية في المجتمعات العربية يمكن أن يلقي بظلال قاتمة على جدية الموقع لدى الشريحة المتلقية المُخاطبة، لكن رشا حلوة ترى في ذلك نقطة قوة وعنصرا يميز موقع "قديتا.نت". وعن ذلك تضيف: "نحن كشعب فلسطيني يطمح إلى نيل حريته الفردية والجماعية، يجب أن ننظر إلى حرية الآخرين. وعلينا أن نخطو الخطوة الأولى من أجل تغيير واقع النظرة إلى المثلية الجنسية في المجتمع".
"لا نريد دفن الرؤوس في الرمال"
أما راجي بطحيش، محرر زاوية "مثليون ونصف"، فيرى من جانبه أن تخصيص زاوية لكتابات المثليين والمثليات يهدف إلى "تسليط الضوء على وجود مثليين ومثليات في المجتمع العربي". ويضيف بطحيش في حوار مع دويتشه فيله: "لا نريد دفن الرؤوس في الرمال، بل نهدف إلى طرح قضية أن المثليين والمثليات يشكلون 10 في المائة في المجتمعات العربية، لكن الخطاب الأبوي السائد لا يريد النظر إلى هذه الحقيقة". ويقول بطحيش إن الموقع يعد أيضا فرصة لتسليط الضوء على دور جماعات المثليين في فئة من خلال الأدب والفن على سبيل المثال.
وهنا يُشير بطحيش إلى بعض الشعراء المثليين في العصر العباسي، الذين - بغض النظر عن مثليتهم- تركوا بصمات على الأدب العربي. وعلى الرغم من أن قصائد هؤلاء الشعراء تعد جزءا من هذا الأدب، إلا أنها باتت تُهمش اليوم بشكل متزايد. وفي هذا الإطار يقول راجي بطحيش: "كانت المثلية منتشرة في العصر العباسي، لكن طغيان الذكورية على المجتمع في القرون اللاحقة ألقى بظلاله على انتشارها وشكل تهديداً لها، الأمر الذي أستوجب كبتها في مجتمعنا اليوم". وعلى أي حال تبقى خطوة الموقع في تسليط الضوء على المثلية في المجتمعات العربية خطوة مثيرة للكثير من الجدل في بيئة اجتماعية، توصف فيها المثلية بأنها "مستورد غربي"، وفي بعض المناطق في هذه المجتمعات قد تصل العقوبة إلى حد الموت.
الكاتب: عماد مبارك غانم
مراجعة: ابراهيم محمد