مواقف متباينة للسياسيين الألمان من حركة "بيغيدا"
١٣ ديسمبر ٢٠١٤تُظهر ردود الأفعال حول المظاهرات التي تنظمها حركة "بيغيدا"، ( وهي اختصار لعبارة أوربيون وطنيون ضد أسلمة الغرب) مدى التباين في مواقف السياسيين الألمان بخصوص التعامل مع هذه الظاهرة. ويتجلى هذا التباين حتى داخل نفس الحزب، فقد دعا رئيس وزراء ولاية سكسونيا ستانيسلاف تيليش، وهو من الحزب الديمقراطي المسيحي، إلى ضرورة الحوار مع أنصار الحركة. وقال في حوار مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية "لابد أن نزيل الخوف عن هؤلاء الناس".
ويعني بذلك المخاوف المتزايدة لبعض المواطنين مما يعتبرونه تهديدا للثقافة الألمانية بسبب تزايد عدد المهاجرين واللاجئين في البلاد. ويرى تيليش أنه لا بد من أن "نوضح للناس أن أغلبية اللاجئين هم أشخاص فروا من الحرب الأهلية في سوريا والعراق وغيرها من بؤر التوتر".
على العكس من ذلك لا يبدي وزير الداخلية الألماني، وزميل تيليش في الحزب الديمقراطي المسيحي، توماس دي ميزير أي تفهم لمطالب حركة "بيغيدا"، واصفا إياها بـ"السفاهة". وفي حوار مع قناة فونيكس الإخبارية الألمانية، قال دي ميزير بأنه لايوجد خطر "أسلمة ألمانيا" كما يدّعي أنصار هذه الحركة.
بدوره، انتقد رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الاشتراكي في البرلمان الألماني توماس أوبرمان بشدة أنصار حركة "بيغيدا" وقال عنهم "هؤلاء الناس ليسوا وطنيون وإنما هم قوى قومية خطيرة". وأضاف بأن أتباع الحركة يعتمدون على شعارات تمزج بين الشعبوية القومية والعداء للأجانب.
الخوف من فشل المقاربة السياسية
من جهته، يؤكد خبير السياسية الداخلية في الحزب الديمقراطي المسيحي فولفغانغ بوسباخ في حوار مع DWعلى ضرورة أخد حركة "بيغيدا" على محمل الجد والبحث على وجه الخصوص في "الدوافع وراء التحاق بعض الأشخاص بالحركة، بالبرغم من أنهم لا يمتون بصلة لا من قريب ولا من بعيد لليمين المتطرف". ويرى السياسي الألماني أن هناك فرقا جوهريا بين من هم قلقون حول مستقبل البلاد وحول المشاكل التي تجدها البلديات في إنجاح سياسة الاندماج بسبب تزايد عدد اللاجئين، وبين من يرددون شعارات "الرحيل للأجانب"، مشددا على ضرورة عدم التساهل مع الصنف الثاني.
ولايستغرب بوسباخ من التعاطف الذي حققته حركة "بيغيدا" في وقت وجيز لأنه كان يرصد منذ زمن بعيد "مخاوف الناس بسبب الخلل الذي يحدث في بلدنا". وتنتشر هذه المخاوف بشكل أكبر في ولاية سكسونيا، حيث تحقق حركة "بيغيدا" نجاحا كبيرا. ففي مدينة درسدن، عاصمة الولاية، خرج الآلاف للتضامن مع الحركة، في حين لم يتعد عدد الأشخاص الذي شاركوا في مظاهرة مماثلة في دوسلدورف، عاصمة ولاية شمال الراين وستفاليا (غرب ألمانيا)، 400 شخص. علما أن "عدد الأجانب والمسلمين الذين يعيشون في دوسلدورف أكبر منهم في درسدن"، على ما يقول بوسباخ.
هل "بيغيدا" ظاهرة مقتصرة على ولايات شرق ألمانيا؟
تبلغ نسبة الأجانب في ولاية سكسونيا 2,2 في المائة من مجموع السكان. ويرى فولفغانغ بوسباخ، خبير السياسة الداخلية في الحزب الديمقراطي المسيحي، أن أحد الأسباب وراء حالة استياء في هذه الولاية من الأجانب قد يكون هو الإجرام العابر للحدود والذي ارتفعت وتيرته منذ أن فتح الاتحاد الأوروبي حدوده نحو شرق أوروبا. "فالناس يتساؤلون لماذا تتركنا السياسة لوحدنا هنا". وحسب بوسباخ، فإنه لا يمكن الاستغراب من دخول قوى متطرفة على الخط مادامت السياسة توانت عن التعاطي مع هذا الموضوع. ويملح في ذلك إلى الحزبين القومي الديمقراطي الألماني (يميني متطرف) وحزب "البديل لألمانيا" المعروفين بميولاتهما اليمينية المتشددة.
رئيس حزب "البديل لألمانيا"، بيرنت لوكه، أظهر في صفحته على موقع فيسبوك تفهما كبيرا لأنصار حركة "بيغيدا". وقال بأن الكثير من الناس لديهم مخاوف مبررة من انتشار أفكار الإسلام المتطرف في ألمانيا. وأضاف لوكه بأن من حق هؤلاء الناس التعبير عن قلقهم. بدوره شارك زميل لوكه في الحزب، المحامي ألكسندر هويمان، في مظاهرة مناهضة "لأسلمة المجتمع" في مدينة دوسلدورف وألقى فيها كلمة. وقد عرفت هذه المظاهرة أيضا مشاركة الرئيس الإقليمي للحزب القومي الديمقراطي، كلاوس كريمر.
وعلّق وزير العدل الألماني هايكو ماس على ذلك خلال حوار مع موقع "شبيغل أولاين" الإخباري بقوله: "حرية التعبير في النضال السياسي لديها حدود أيضا". وأضاف ماس أن جميع الأحزاب السياسية عليها أن تنأى بنفسها عن هذه الاحتجاجات.
سد الطريق على الراديكاليين
فولفغانغ بوسباخ يرى أن التغير الذي طرأ على الولايات التي كانت تابعة سابقا لألمانيا الشرقية، أو ما تسمى حاليا بالولايات الألمانية الجديدة، قد يكون له دور كبير في ما يحدث الآن. فبينما تعوّد المواطنون في غرب ألمانيا منذ فترة طويلة على العيش جنبا إلى جنب مع الأجانب ومع أناس من معتقدات وديانات أخرى بسبب تواجد اليد العاملة الأجنبية واللاجئين، لم تجد ولايات شرق ألمانيا نفسها أمام هذا التحدي سوى بعد الوحدة الألمانية، أي قبل حوالي 25 عاما من الآن.
كما أن ارتباط سكان شرق ألمانيا بالأحزاب التقليدية، حسب بوسباخ، ليس كبيرا بالمقارنة مع غرب ألمانيا، لذلك فإن الناس هناك "ربما يفتقدون للثقة في شجاعة وقدرة الأحزاب الديمقراطية في بلادنا على التحدث علنا على هذه المشاكل وتجد حلا لها". ويؤكد الخبير السياسي الألماني على أن حل المشاكل الموجودة هو وحده الكفيل بسد الطريق على الراديكاليين.
يذكر أن حركة "بيغيدا" نقلت أفكارها لأول مرة إلى الشارع في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي من خلال مسيرة نظمتها في مدينة درسدن و شارك فيها 200 شخص. وقد فضل المشاركون في تلك المسيرة التزام الصمت وعدم الحديث.أما حاليا فقد بلغ عدد المشاركين في مسيرة نظمتها الحركة مؤخرا تحت شعار" لا للحروب الدينية على الأراضي الألمانية" حوالي عشرة آلاف شخص.
كما ظهرت اتحادات وحركات شبيهة بحركة "بيغيدا" في مدن ألمانية أخرى مثل دوسلدورف وكاسل وروستوك وفورتسبورغ وبون وميونيخ. وعلى عكس المظاهرات التي نظمتها حركة "هوليغنز ضد السلفيين"، ظلت الأنشطة التي دعت إليها حركة "بيغيدا" محافظة على طابعها السلمي. لكن ذلك لم يمنع من تواجد أشخاص في تلك المظاهرات ليس همهم الأول هو الخوف على مستقبل ألمانيا. فعلى سبيل المثال، رفع المتظاهرون المشاركون في نشاط دعت إليه حركة (مواطنو دوسلدورف ضد أسلمة الغرب) شعار "من لا يحب ألمانيا عليه مغادرتها" وهو شعار كلاسيكي للحزب القومي الديمقراطي الألماني (يميني متطرف)، كما يرى الخبراء.