مهندس اتفاقية اللجوء: تركيا ملتزمة بالاتفاق خدمة لمصلحتها
١٨ نوفمبر ٢٠١٩رغم الاتفاق التركي الأوروبي حول اللجوء وإغلاق طريق البلقان إثر ذلك، لا تزال الجزر اليونانية في بحر إيجه تكتظ باللاجئين، إذ أنها تأوي الآن حوالي 35 ألف لاجئ، وتدفق المهاجرين عليها من تركيا مستمر. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهدد من حين لآخر الاتحاد الأوروبي بفتح الأبواب أمام المهاجرين وتكرار أزمة اللجوء التي سبقت اتفاق بلاده مع الاتحاد الأوروبي. لتسليط الضوء على التطورات الأخيرة لملف اللاجئين والعلاقة بين أنقرة وبروكسل في هذا الشأن، أجرى مهاجر نيوز حوارا مع جيرالد كناوس، مهندس اتفاقية اللجوء بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
السيد جيرالد كناوس، أنت تعتبر العقل المبدع وأحد مطلقي الاتفاقية التركية-الأوروبية الخاصة باللاجئين لعام 2016، والتي أدت إلى إغلاق طريق البلقان. إلى أي حد تجد أن هذا الاتفاقية ذات جدوى اليوم؟
لم يكن الهدف من الإعلان الأوروبي-التركي إغلاق طريق البلقان، كما فهم بداية عام 2016 ساسة مثل فيكتور أوربان (رئيس الحكومة المجرية) وسيباستيان كورتس (المستشار النمساوي) اللذان اقترحا منع اللاجئين الذين كانوا قد وصلوا بالفعل إلى اليونان من مغادرتها، وذلك عن طريق بناء سور في البلقان على الحدود اليونانية-المقدونية، على سبيل المثال.
الهدف من الإعلان كان خفض عدد المغادرين بالقوارب من تركيا إلى جزر بحر إيجة اليونانية، وبالتالي خفض عدد الغرقى منهم.
ولتحقيق ما سبق اتفق الاتحاد الأوروبي وتركيا على ثلاث نقاط. أولاً: وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم المساعدة الإنسانية للاجئين السوريين في تركيا، حيث يعيش اليوم هناك وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أكثر من 3,6 مليون سوري، زد عليه المواليد الجدد، حيث ولد حوالي 140 ألف طفل سوري جديد في تركيا العام الماضي. ثانياً: وعد الاتحاد الأوروبي باستقبال السوريين الذين هم بحاجة للحماية من تركيا. وقد تم حتى الآن نقل 25 ألفاً إلى دول الاتحاد الأوروبي. ثالثاً: وعدت تركيا باستقبال كل من يصل بالقوارب إلى الجزر اليونانية. إلا أن ذلك يستدعي سرعة البت بطلبات اللجوء على الجزر اليونانية، ولم يتم توفير الموارد والشروط لتحقيق ذلك كضمان وجود مأوى إنساني للقادمين إلى الجزر اليونانية.
على الرغم من كل النقد الموجه للإعلان لم يأتِ أحد ببديل له ولم يبق أمام الاتحاد الاوروبي سوى تطبيق الجزء الخاص به من الإعلان أو مواجهة المزيد من الخراب. إلى أي حد حققت الاتفاقية أهدافها؟
كان عدد الواصلين في السنة قبل توقيع الإعلان في آذار/مارس 2016 حوالي مليون طالب لجوء، في السنة التي تلت التوقيع انخفض الرقم إلى 26 الفاً. في السنة قبل التوقيع مات 1152 غرقاً في البحر، أما في السنة التي تلته انخفض الرقم إلى 81 طالب لجوء. حتى اليوم يحقق الإعلان هدف خفض عدد كل من الواصلين إلى الجزر اليونانية والغرقى.
كما يسجل هنا هدف تقديم المساعدة الإنسانية للاجئين السوريين في تركيا؛ إذ تلقت مئات آلاف العائلات مساعدات مالية لإدخال أطفالهم للمدارس، ويتلقى 1,7 مليون سوري مساعدات اجتماعية، ويتم تمويل العلاج الطبي. هذا أكبر مشروع إغاثي للاجئين في دول خارج الاتحاد الأوروبي في كل تاريخ الاتحاد.
في الجهة المقابلة، الذي لم يسر على ما يرام هو البت السريع بطلبات اللجوء على الجزر اليونانية، بحيث لا يمكث طالب اللجوء أكثر من بضعة أسابيع هناك. هنا لا بد من الإشارة إلى عدم وجود الموارد اللازمة لذلك. اليوم انخفض عدد الذين تم إعادتهم من اليونان إلى تركيا إلى مستوى أقل مما كان عليه الحال قبل الاتفاقية. على سبيل المثال بلغ الرقم في عام 2019 حوالي 12 شخصاً. وفي نفس الوقت ارتفع منذ منتصف 2017 أعداد الواصلين. بلغ الرقم في عام 2019 حوالي 50 ألفاً قدموا عبر البحر. يبقى الرقم أقل من نظيره في شباط/فبراير 2016، غير أنه وعلى الرغم من كل شيء ونظراً لبطء البت بطلبات اللجوء، يؤدي ذلك إلى أوضاع إنسانية كارثية على الجزر اليونانية.
في أيلول/ سبتمبر الماضي حذرت من انهيار الاتفاقية. كيف يجب تعديل الاتفاقية لتبقى قابلة للحياة؟
يتعين تطبيق الاتفاقية في الاتحاد الأوروبي أيضاً. البت بطلبات اللجوء والطعون القضائية المقدمة بحق الطلبات المرفوضة يستغرق وقتاً طويلاً في اليونان. يجب توفير المزيد من الموظفين للبت في الطلبات بما يمكّن اليونان من نقل المقبول طلباتهم من الجزر وإرجاع المرفوضين إلى تركيا. وهنا لا بد أن تقدم الدوائر والهيئات المعنية باللجوء في دول الاتحاد الاوروبي المساعدة. وقبل أي شيء لا بد من توفير تصور للعمل: عندما يصل في اليوم وسطياً حوالي 150 شخصاً، كما هو الحال حتى الآن في 2019، يجب أن يتم تقدير عدد المترجمين والمحققين وبقية الطاقم، حتى يكون بالإمكان البت بالطلبات في أقل من ثمانية أسابيع.
السؤال هنا: كم عدد الموظفين الذين تستطيع اليونان تقديمهم؟ وكم عدد الذين تستطيع باقي دول الاتحاد تقديمه؟ كيف يمكن توفير شروط تحفظ الكرامة الإنسانية على الجزر خلال عملية البت بالطلبات. طالما ينام الآلاف في خيم في الشتاء على جزر ساموس أو ليسبوس، فإن الاتفاقية في خطر. تغير ذلك يجب أن يصبح قضية مركزية بالنسبة لألمانيا، وإلا ستنهار الاتفاقية.
يجدد أردوغان بين الحين والآخر تهديداته بفتح الحدود إلى أوروبا أمام اللاجئين السوريين. برأيك، كيف يجب أن يكون رد فعل الاتحاد الأوروبي؟
تمسك تركيا بالاتفاقية حتى اليوم يرجع إلى أنها هي من اقترحتها لأنها تخدم مصلحتها أيضاً. بمقارنة عدد من وصل من تركيا إلى اليونان في عام 2019 بـ 3,6 الموجودين هناك نجد أن الرقم ضئيل. على الاتحاد الأوروبي أن يوضح أنه يجب الاستمرار في مساعدة الدولة التي تحتضن أكبر عدد من اللاجئين في العالم، وحتى أيضاً بمساعدات أكثر من تلك التي تم الوعد بها. يتعين على الاتحاد أيضاً أن يقولها بشكل واضح بأنه مستعد لاستقبال من هم بحاجة للحماية مباشرة من تركيا، كما ينص عليه الإعلان.
أنت عضو في لجنة حكومية شكلت مؤخراً للبحث وإيجاد حلول لأسباب اللجوء. أخبرنا بالمزيد عن اللجنة!
مهمة اللجنة تقديم مقترحات ملموسة للحكومة الاتحادية الألمانية عن الإجراءات الفعالة التي تمكن ألمانيا من تقليل أسباب اللجوء ومنع الهجرة غير الشرعية. هل ينجح ذلك؟ لا أعرف شخصياً. بدأت اللجنة عملها منذ وقت قريب. بالتأكيد الأمر يستحق المحاولة.
أنت تشكك بجدوى عمليات الإنقاذ البحري الحكومية؟ لماذا؟
لا يمكن لأي إنسان التشكيك بأخلاقية عمليات إنقاذ من يتهددهم الغرق في البحر. في السنوات الماضية غرق 18 ألف إنسان في البحر الأبيض المتوسط. معظم حالات الموت غرقاً حدثت في عام 2014 أثناء العملية البحرية الإيطالية Mare Nostrum (بحرنا) أو في عام 2016 حيث كانت عمليات الإنقاذ الحكومية فاعلة في وسط البحر الأبيض المتوسط. لم يشهد البحر المتوسط مثل هذا العدد من حالات الإنقاذ كالتي وقعت عام 2016: حوالي 18 ألف عملية فقط بين ليبيا وإيطاليا. ولم يشهد أي عام مثل العدد من حالات الغرق مثل العام 2016.
ما سبق لا يعني عدم مساعدة الناس لكي يكفوا عن القدوم. وهذا يجب ألا يؤدي إلى إعاقة ومهاجمة وتجريم المُنقِذين. ولكن لا للعودة للعملية الإيطالية (Mare Nostrum بحرنا). الإنقاذ لوحده لا يفي بالغرض. يتعين علينا العمل على تقليل أعداد راكبي القوارب وأعداد المتوجهين إلى ليبيا الخطيرة من أفريقيا. عمليات الإنقاذ تحقق هدفها بتقليل عدد الغرقى، عندما ترافقها استراتيجية تعمل على تقليل أعداد من يركب البحر بالقوارب.
برأيك، ما هي الطريقة المثلى لتنظيم عمليات الإنقاذ البحري؟
نحن بحاجة لسفن وموانئ آمنة، ولكن أيضاً لسياسة تمنع الشباب من غامبيا والسنغال وساحل العاج أو جنوب نيجيريا من عبور الصحراء وركوب القوارب. في عام 2016 قدم 100 ألف من ست دول غرب أفريقية وتم إنقاذهم من الغرق. كلهم لم يكونوا لاجئين. لمنع تكرار مثل ذلك لا بد من اتفاقيات مع الدول المصدرة للاجئين والبت السريع بطلبات اللجوء وإعادة المرفوضين. أعلنت غامبيا عن استعدادها لاستقبال من يتم رفض طلباتهم في الاتحاد الأوروبي، في مقابل عرض ألمانيا وباقي دول الاتحاد فتح أبواب الهجرة الشرعية وتقديم منح (مالية وفنية). مثل هذا سيؤدي لخفض أعداد القادمين. لو توفرت هجرة شرعية وعمليات ترحيل، لأدى ذلك إلى تقليل أعداد الذين يقضون موتاً.
سبق واقترحت توقيع اتفاقيات ثنائية بين ألمانيا ودول أفريقية. هل فقدت الإيمان بالحل الأوروبي؟
المسألة ليست مسألة إيمان، بل مسألة الدروس المستخلصة من تجارب السنوات الماضية. إذا رغبت ألمانيا بحل ناجع لا بد من الائتلاف مع الدول التي لها نفس المصالح، وعندما ينجح ذلك ستنضم إليه دول أخرى. لنضرب مثالاً ملموساً هنا: لنفترض أنه تم توقيع اتفاق ثنائي بين ألمانيا وغامبيا، تستقبل بموجبه غامبيا كل مواطنيها المرفوضة طلباتهم ليس من ألمانيا فقط بل من إيطاليا وإسبانيا، الذين يصلون ألمانيا من تلك الدول. هذا سيؤدي إلى النتيجة التالية: بدلاً من إعادة المرفوضين من ألمانيا إلى إيطاليا حسب اتفاق دبلن، سيتم ترحيلهم مباشرة إلى غامبيا. يؤدي هذا الأمر إلى تقليل الهجرة غير الشرعية داخل دول الاتحاد الأوروبي.
مما سبق ذكره، يتوجب وقف الهجرة غير الشرعية المهددة لحياة المهاجرين واستبدالها بالهجرة الشرعية والتعاون. لألمانيا المصلحة الكبرى في ذلك ولا بد من أن تمضي فيه قدماً.
أجرى الحوار: خالد سلامة
المصدر: مهاجر نيوز