مهرجان مراكش السينمائي... السينما لنبذ العنصرية!
٦ ديسمبر ٢٠١٣شاشة عملاقة احتلت وسط ساحة جامع الفنا، وأعين تتطلع للشاشة وصخب في كل مكان، قبل أن يصبح الصمت هو سيد الموقف إيذانا ببداية فيلم "المسيرة" للمخرج البلجيكي المغربي الأصل نبيل بن يادير، وبطولة النجم الفرنسي جمال الدبوز، هذا الفيلم الذي حضي بمتابعة كبيرة من طرف الجمهور المراكشي لأنه يثير قضية العنصرية في فرنسا خلال ثمانينيات القرن الماضي، وكيف ناضل جيل من المهاجرين ضد هذه القضية، من خلال التأريخ لحدث تعود تفاصيله لسنة 1983 عندما قرر شباب مغاربي من ضواحي مدينة ليون الانطلاق في مسيرة على الأقدام متوجهين إلى باريس من أجل نبذ العنصرية والاحتجاج على من يقوم بقتلهم بالبنادق كالعصافير، وخلال هذه المسيرة تظهر تركيبة المجتمع الفرنسي المعقدة بين مؤيد لهذه المسيرة وبين من قابلها بالسب والضرب، لهذا يقول مخرج الفيلم نبيل يادير في تصريح ل DW عربية "الفيلم يثير قضية في غاية الحساسية، كما أن الصعوبة كانت في المزج بين الوثائقي والحس الفكاهي ثم الحفاظ على جدية الموضوع في نفس الوقت".
"من أجل المساواة والحب"
"لقد فعلها غاندي ونجح فلماذا لا ننجح" مقولة لأحد ممثلي فيلم المسيرة يقولها لصديقه أثناء حديثهم عن الطريقة التي يجب أن يتعاملوا بها مع موجة العنصرية التي يعانون منها، هل بالعنف أم بطريقة سلمية، ليقرروا بعد ذلك الانطلاق في مسيرة سيرا على الأقدام مرورا بمرسيليا ووصولا إلى باريس، البداية ستكون بثمانية شباب بينهم فرنسي ومصورة كندية وكاهن فرنسي، قبل أن تتحول هذه المجموعة إلى عشرات الآلاف قبل الوصول إلى مدينة باريس، "هذا الفيلم درس في التسامح والحب لأنه يسلط الضوء على ظاهرة العنصرية التي مازالت قائمة في العديد من المجتمعات، خصوصا الأوروبية، لذلك من المهم عرض الفيلم أمام هذا الجمهور لأنهم أكثر الناس دراية بأن يكون الشخص ضحية للعنصرية وقدمت هذا الفيلم من القلب حتى أقول بأن معركة المساواة لن تنتهي أبدا" يقول بطل الفيلم جمال الدبوز في ندوة صحفية.
لكن هذا الدرس في التسامح ينتهي أيضا بصورة قاتمة عندما يكتشف أصحاب المبادرة بأن فكرتهم قد سرقت منهم وبأنه "لم يتغير شيء"، هذه النهاية حسب مخرج الفيلم الذي صرح ل DW عربية الهدف منها هو "التأكيد على أن العمل من أجل المساواة هو عمل مستمر ولا يجب أبدا أن يتوقف لأن النضال من أجل الحب ونبذ العنصرية لا يقتصر على خطوة واحدة"، وهي كذلك رسالة إلى الشباب العربي الذي يشعر بأن كل احتجاجاته وتحركاته قد سرقت منه وإحساسه بأنه "لم يتغير شيء".
"الفكرة أكبر من الفيلم"
نظرا للرسائل الحساسة التي يحملها الفيلم وكذلك تأكيده على البعد التاريخي في الفيلم جعل النقاد ينقسمون حول جودة الفيلم وأهمية المضامين، حيث أشار الناقد السينمائي مصطفى الطالبي في تصريح ل DW عربية "بأن الفيلم استطاع تناول موضوع ذي أهمية خاصة وأن هذا الموضوع مازال موجودا ومشكلا راهنا ليس فقط في فرنسا، ولكن في أوروبا بصفة عامة، والمخرج نجح في أن يجعل المشاهد يتعاطف مع أبطال الفيلم خاصة وأن الفيلم يتم عرضه أمام جمهور مغربي"، الطالبي أثنى أيضا على الجانب التقني بالقول "ويظهر على أن المخرج قام بمجهود كبير". لكن هذا المجهود لم يمنع الطالبي من الإشارة إلى أن الفيلم "تخللته بعض لحظات الضعف في المشاهد والحوار وعلى مستوى بعض الشخصيات، وأحيانا نلاحظ الجانب الكوميدي يطغى على الفيلم وهذا لا يتماشى مع طبيعة الموضوع لكن عموما المخرج نجح في إيصال رسالة للمشاهد مفادها أن التسامح هو الحل".
لكن حسن نبراس، الناقد السينمائي، عبر عن خيبة أمله من الفيلم وقال ل DWعربية "نظرا للضجة الإعلامية التي صاحبت الفيلم والمخرج لم ينجح، لأن فكرة الموضوع أكبر من السيناريو كما أن المخرج لم يعطي أية حلول سينمائية ولم يكن هناك بديل، المخرج اكتفى فقط بتسليط الضوء على موجة العنصرية التي تصاعدت خلال فترة الثمانينات لتعود هذه الظاهرة للتصاعد الآن، لذلك فالفيلم هو فيلم وثائقي متوسط جدا لا يمكن التعويل عليه من أجل قول لا للعنصرية".
للجمهور رأي
بعيدا عن آراء أصحاب الرأي في فيلم المسيرة فإن الجمهور الذي حضر بأعداد غفيرة لساحة الفنا لمشاهدة الفيلم تحلقوا في مجموعات للتبادل الآراء حول هذا الفيلم الذي يبدو أنه يمسهم بشكل مباشر. أحمد خليل الشاب الذي لم يتجاوز عقده الثاني يقول ل DW عربية بإن الفيلم "يعكس الواقع الحالي للعنصرية التي أصبحت منتشرة في فرنسا، أنا لدي أخ يعيش في ضواحي باريس ودائما يشتكي من هذا المشكل، لذلك عندما شاهدت الفيلم تذكرت حال أخي في فرنسا وكيف يعاني من هذا المشكل وأتمنى أن تصل رسالة هذا الفيلم إلى المجتمع الفرنسي والأوروبي".
لكن المغاربة الذين شدهم الفيلم واعتبروا أنفسهم معنيين به وبهذه القضية وتفاعلوا معه بشكل كبير، هم أيضا أصبحوا يمارسون العنصرية، حسب ما قالته سارة عبد الجليل التي كانت حاضرة لمتابعة الفيلم وأضافت "أعتقد أن الفيلم عليه أن يجعل الكثير من المغاربة يعيدون النظر في الطريقة التي يتعاملون بها مع المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، لأنه إذا كان آباؤنا ضحية للعنصرية في أوروبا، فنحن نمارس نفس الفعل وعوض أن نكون ضحية أصبحنا نحن الجناة، لذلك على كل من شاهد الفيلم التفكير في هذه الفئة التي تعان الأمرين في المغرب".