مهرجان البيرة الفلسطينية على الطريقة البافارية الألمانية
٨ أكتوبر ٢٠١٤دبت الحياة في قرية الطَّيْبة القريبة من رام الله بعد أن ازدحمت شوارعها بالزوار الأجانب والمحليين، الذين جاءوا ليستمتعوا بتذوق بيرة تُصنع بأيدٍ فلسطينية لأول مرة في مهرجان خاص انطلق عام 2005. جال الزوار المحتفين بالمناسبة، على وقع أنغام الطبلة والشبابة المرافقة لرقصة الدبكة الفولكلورية الفلسطينية وأنغام الفرق البافارية والبرازيلية والإيطالية، متنقلين بين أكشاك خشبية نصبت خصيصا تفوح من معروضاتها روائح الخبز الطازج والنقانق والفلافل والشاورما والمسخن الوجبة الفلسطينية التقليدية المكونة من دجاج مشوي وخبز بلدي منقوع بزيت الزيتون الصافي والبصل المُضاف إليه اللوز والسماق البلدي إلى جانب أطباق ساخنة وباردة من الطعام الشهي.
الأكشاك الذهبية اللون كانت قِبلة الناظرين حيث عُرِضَت زجاجات البيرة على رفوفها. إقبال الجمهور المحلي والأجنبي على الطيبة يُسهم بإنعاش الحياة الاقتصادية في البلدة الصغيرة ومدينة رام الله القريبة.
موزاييك
حظيت أكشاك البيرة الذهبية والداكنة بإقبال كبير من عشاقها من مختلف الأعمار والجنسيات فاصطفوا لشراء النوع المفضل لديهم. المشهد اللطيف يعكس حيوية البيرة بصنع التواصل بين الناس. فما أن يمسك عشاق البيرة بأيديهم أكوابا ذات حجم كبير حتى تعلو صيحات "بروست" و"بصحتك" بلغات المتذوقين الذين يقرعون أكوابهم قبل البدء بتذوقها، في حين فضل آخرون شُرب البيرة تحت أشعة الشمس والاستماع لأنغام الموسيقى، التي تقدمها فرق محلية وأوروبية تتغلغل في نفوس الشباب فتدفعهم للرقص والغناء.
يتبادر للزوار الناظرين انطباعات بأن بلدة الطيبة، الصغيرة بعدد سكانها (1500 نسمة) والواقعة شرقي مدينة رام الله والمطلة على سفوح وتلال ومنحدرات مكسوة بأشجار الزيتون، كبيرة بعطائها لما توفره من بهجة في النفوس ومتعة النظر عندما يشاهدون كنائسها الثلاث، بأبراجها الثلاثة وجدرانها المكتسية ألوانا بيضاء، مظهرة هويتها المسيحية في مكان مسكون بحكايات قديمة تروي على ألسنة سكانها أن السيد المسيح مر منها أثناء رحلته إلى مدينة الناصرة.
تغص ساحة مهرجان الطيبة بالسياح الذين يتوافدون من مختلف دول العالم، ليشاركوا في هذا المهرجان التقليدي السنوي، حيث تُعرض المنتجات الفلسطينية التي تشتهر بها بلدة الطيبة.
يروي نديم خوري، صاحب فكرة بناء أول مصنع فلسطيني لإنتاج البيرة في بلدته الطيبة، لـ DW عربية، ذكرياته الأولى عن حلمه أثناء دراساته الجامعية في الولايات المتحدة حيث تعرف على صنع البيرة ودأب على تجريب إعدادها في بلدته عندما يعود إليها في فترة التسعينيات، وسط فضول وتشجيع من عائلته بتحقيق حلمه وكذلك بتشجيع من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وبعد سلسة تجارب وتوفر فريق عمل من العائلة نجح نديم بإنشاء مصنع للبيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة كان هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط.
يعتمد مصنع الطيبة على صناعة البيرة على الطريقة البافارية ووفقا للقانون الألماني "راين هايتس غيبوت" Reinheizgebot لسنة 1516. وكما يوضح نديم أن هذا دفعه لأن يعمل شيئا مميزا لا يوجد مثله في البلد وفيه مذاق فريد".
ويحرص نديم على إنتاج بيرة خالية من المواد الحافظة، لذا فإنه يستحضر المواد الخام من أفخر أنواع الشعير البلجيكي والفرنسي والتشيكي ويستحضر "زهرات الدينار" البافارية الخاصة التي تمنح المذاق نكهة منعشة لا تقاوم تأسر جميع عشاق البيرة!
وكي يحافظ على جودة المنتَج حَرصَ على إضافة "زهرة الدينار" البافارية على شعار المصنع.
البيرة الأفضل
يسعى نديم خوري لتطوير مهارات الإنتاج ويقول لـ DW عربية إنه بين حين وآخر يزور مصانع البيرة في ولاية بافاريا مثل مصنع "فاين شتيفان" العريق في صناعة البيرة الألمانية. وقد ساهم أحد خبراء المصنع في تطوير نوع بيرة خالية من الكحول.
ينتِج مصنع بيرة الطيبة ستة أصناف من البيرة وهي: بيرة الطيبة الذهبية، البيرة الداكنة، البيرة الخفيفة، العنبر والبيرة البيضاء والبيرة الخالية من الكحول. يتم تسويق نسبة 10% من المنتَج في 6 دول من بينها السويد وألمانيا وبلجيكا واليابان. ويستهلك السوق المحلي 60 % فيما يُباع 30% داخل إسرائيل.
معوقات وتحديات
وأثارت الحرب على قطاع غزة وتداعياتها مزاجا غير ملائم لإقامة المهرجان، كما قال نديم خوري. ويواجه المصنع معوقات تعرقل التسويق الواسع لمنتجها مثل جدار العزل الذي أقامته إسرائيل في الضفة الغربية. وأشار نديم خوري لعائق "تسويقي" آخر يتعلق بالاسم العربي "بيرة الطيبة". يقول السيد خوري إن " بعض المروجين الإسرائيليين طلبوا مني تغيير اسم المنتج، لأن اسم (الطيبة) يشبه اسم بلدة عربية في إسرائيل تسمى (طيبة المثلث)". ويضيف: "رفضتُ طلبهم فـ (الطيبة) اسم بلدتي وتوجد في الأراضي الفلسطينية وأنا فخور بهذه الهوية، عدا عن أن الاسم ذو صلة بالذوق فهي تعني (طيب) أو (لذيذ) وهذا يناسب البيرة التي أصنعها".
وقال خبير التسويق علي القاسم في حوار مع DW عربية إن "العادات والتقاليد في بعض المحافظات الفلسطينية مثل الخليل، لا تزال تشكل عائقا في تسويق بيرة الطيبة في أسواقها المحلية وذلك بسبب نظرة بعض الناس بأنها من الخمور المحرمة، ناهيك عن اقتصار التسويق في محال بيع مرخصة أو في بارات والفنادق محددة".
من ناحية أخرى، تقوم بعض المؤسسات والمنظمات غير الحكومية الأوروبية مثل نقابات العمال في بلجيكا بتشجيع أعضائها على شراء البيرة الفلسطينية لإظهار التضامن ولكونها ذات مذاق طيب.
وقد اعتبرت الصحفية الشابة إيفا ليندر التي ترعرعت في ميونخ، في حوار مع DW عربية، أن بيرة الطيبة لها سحر فريد يمزج بين المذاق البافاري وخصوصية الأراضي الفلسطينية، لكن المشكلة في الأراضي الفلسطينية تكمن بأن مزاج الناس متكدر دائما بسبب ممارسات سلطات الاحتلال اليومية المثيرة للأعصاب وبسبب انسداد الأفق السياسي مما يجعل من تذوق البيرة نوع من الرفاه غير الضروري"، كما قالت.
طيور السلام
يترقب أعضاء الجمعيات التعاونية وأصحاب الحِرَف التقليدية الصغيرة في قرية الطيبة انعقاد مهرجان بيرة الطيبة بفارغ الصبر لترويج منتجاتهم المصنوعة من شجر الزيتون مثل الصلبان ومغارة السيدة مريم وحقل الرعاة في بيت ساحور وطيور السلام، بالإضافة إلى الصابون ووجبات المفتول والمطرزات التقليدية. مثل هذا النشاط يوفر فرص عمل جديدة.
وقد زارت DW عربية معمل للحرف الفنية من السيراميك وخشب الزيتون يديره السيد عبد الله يعقوب. يصنع يعقوب، بمساعدة عماله وعددهم عشرة، " قناديل سلام " وحمامات بيضاء اللون من السيراميك ومثلها من الفخار، وتعلو ظهورها مساحات صغيرة مخصصة لوضع الشمع، مخطط على جوانبها كلمة السلام مكتوبة باللغات: الانجليزية أو الألمانية أو العربية أو اللاتينية أو الإيطالية وغيرها. وقال السيد يعقوب إن هذه القناديل تزود بزيت الزيتون وتباع للكنائس والأديرة في عموم أوروبا.
من وجهة نظر نديم خوري فإن صناعة البيرة الفلسطينية هي شكل من أشكال المقاومة السلمية للاحتلال. فشرب زجاجة من البيرة هي فرصة تمنح الفلسطينيين لحظات من الاسترخاء والفرح والابتعاد لبعض الوقت عن هموم السياسة وغلاء المعيشة!