مهاجرون تونسيون غير قانونيين يفضلون العيش بالخفاء على العودة
٢٢ يوليو ٢٠١٧في الوقت الذي شرعت فيه الحكومة الألمانية بتسفير التونسيين غير القانونيين إلى أراضيهم، دب الخوف لدى هذه المجموعة التي تتألف غالبيتها من شباب غادروا مدنهم وقراهم أثناء وعقب الثورة التونسية بحرا من أجل حياة أفضل، إلا أنهم يصطدمون بجدار القوانين الصارمة التي تجعلهم يعيشون على هامش المجتمع خفية عن أعين الإدارة الألمانية.
مرارة الغربة أفضل من الحنين إل الوطن
"هنا ألتقي كل صباح بالبعض من الزملاء البولنديين لتناول فطور الصباح وتجاذب أطراف الحديث قبل التنقل إلى العمل"، هكذا شرع سامي (اسم مستعار) الشاب التونسي البالغ من العمر23 عاما يحدثنا في مقهى صغير في حي تامبلهوف في العاصمة برلين. جاء سامي إلى برلين قبل حوالي ست سنوات برفقة أصدقاء له عقب الثورة التونسية بطريقة غير قانونية عبر البحر الأبيض المتوسط فإيطاليا ثم نحو برلين، حيث يقيم بطريقة غير قانونية كبقية أصدقائه من بعض الشباب المغاربيين الذين يعدون بالمئات في المدينة.
سامي الشاب العشريني يعرف جيدا ألا حظَّ له في البقاء القانوني في ألمانيا وأن وضعه يختلف عن وضع اللاجئين السورين. وفي هذا الشأن يقول سامي -لـ DW عربية- محتسيا فنجانا من القهوة: "منذ أن رفضت الشرطة الألمانية قبل حوالي سنتين تمديد إقامتي وبالتالي رفضت لجوئي في ألمانيا تحولت إلى محام مختص في قانون الأجانب للوصول إلى حل إيجابي لوضعي القانوني لكن بدون جدوى".
بالرغم من أن الشاب ذا اللكنة الجنوبية يعلم علم اليقين بأن لجوئه في ألمانيا مستحيل إلا أنه، كما قال لـ DW عربية في حديثه المطول، قد سعى جاهدا من أجل البقاء القانوني في هذا البلد. يقص سامي حكايات حياته ومغامراته في المهجر الألماني وهو يلقي بنظراته من دون انقطاع نحو الشارع الرئيسي المقابل للمقهى الذي يعج بالسيارات والمارة.
" لقد كنت آمل في تمديد صلاحية الإقامة في برلين لكني كنت على يقين أننا كتونسيين لن يتم قبولنا هذا ما أكده لي المحامي سابقا، وهذا ما جعلني أتوجه إلى المركز الألماني العربي في حي نويكولن حيث يتم تقديم الاستشارة القانونية باللغة العربية". كل الاستشارات القانونية المتعلقة ببقائه في ألمانيا عموما باءت بالفشل هذا ما جعل سامي كالعديد من أصدقائه ورفاقه -كما يقول- يعيشون في الخفاء. وبات منذ ذلك الحين مهددا بالتسفير إلى وطنه الأم والعودة إلى عائلة محدودة الدخل في إحدى أرياف مدينة قابس الواقعة في الجنوب الشرقي من البلاد التونسية. ويقول الشاب الوسيم إن قدومه إلى ألمانيا ليست له أية دوافع سياسية، وإن كل ما يريده هو العمل والوصول إلى المال من أجل حياة كريمة.
يضيف سامي أنه لا يتاجر بالمخدرات من أجل المال، بل يعمل في مجال البناء لدى مقاول عربي. وبمدخوله المالي البسيط تسنى له إيجار شقة صغيرة على اسم صديق له". أما حول تواصله مع أفراد عائلته فيقول إنه بدون انقطاع مشيرا بيده إلى هاتف الذكي، ويعني بذلك عبر الإنترنت. وحول شعوره بالعودة القسرية من قبل الشرطة الألمانية يقول سامي وملاح الحسرة قد بدت على محياه: "منذ أن أنسد الأفق أمامي منذ حوالي سنتين وأنا في خوف مستمر من الشرطة الألمانية. أضحيت أتجنب المقاهي العربية والشوارع ذات الكثافة العربية مثل حي العرب في حي نويكولن".
سامي غير مهتم بالمنظمات الحقوقية الألمانية. ويرى فيها مضيعة للوقت، ويقول في هذا السياق: "الاتفاقية بين الحكومة التونسية والألمانية في السنة المنقضية تنص على ترحيلنا. وترحيل التونسيين أصبح اليوم على قدم وساق".
السيدة حفصية "اسم مستعار" لشابة تونسية جاءت إلى ألمانيا قبل حوالي 6 سنوات. الشابة حفصية البالغة من العمر 27 عاما أتت من تونس بغية الحصول على اللجوء، ودوافعها كدوافع سامي: "جئت إلى ألمانيا كبقية التونسيين آملة في حياة أفضل. كل ما كنت أبتغيه هو الحصول على إقامة قانونية من أجل العمل".
حتى وإن رفضت سلطات الأجانب في برلين إقامة الشابة حفصية إلا أن هذه الأخيرة قررت اللاعودة إلى تونس، وها هي اليوم تعمل بشكل غير قانوني: "أعمل لدى بعض المسنات في شققهن. العمل غير قانوني وشاق جدا أقوم بتنظيفهن وترتيب بيوتهن". حصلت حفصية على هذا العمل من قبل إحدى الصديقات من الطالبات التونسيات في برلين. وتتابع قائلةً: "حتى وإن كان المبلغ المالي الذي أحصل عليه زهيد إلا انه كافٍ لحياتي في برلين وأرسل ما أوفره لعائلتي الفقيرة في القيروان."تعيش حفصية مع قريبتها الطالبة منذ حوالي سنتين في مسكن للطلاب. هنا تشعر الشابة السمراء البشرة بالأمان على عكس الشارع.
الشابة التونسية هي الأخرى تتجنب التجمعات لأنها تعلم جيدا أن نهايتها في ألمانيا مرتبطة باحتكاكها الأول مع الشرطة الألمانية. كان لديها أمل في حق البقاء في ألمانيا، نظراً إلى الفوضى السياسية التي عاشتها البلاد التونسية عقب الثورة التونسية. وأثار قبول السوريين في ألمانيا أملاً لديها بأن يشمل هذا القبول كل العرب في ألمانيا: " كنت أعتقد أن التونسيين على غرار السوريين سيشملهم قانون القبول والإدماج. كنت أظن أن برلين ستقدم يد العون للحكومة التونسية العاجزة اقتصاديا على غرار إيطاليا".
المساعدة القانونية يمكن أن تمدد إقامة المهاجرين غير القانونيين
حفصية تعرف منظمة "برو أزول" وكانت لها لقاءات عديدة معها، إلا أن المنظمة الحقوقية بالرغم من تفهم وضع الشابة لم تتمكن من مد يد العون وكل ما تمكنت من تقديمه لم يكن سوى بعض عناوين المحامين المضطلعين بشأن الأجانب. لكن بالرغم من ذلك تواصل حفصية كلامها لـ DW عربية قائلةً: "حينما علمت ألا أمل لي في البقاء قررت أن أختفي في السكن الجامعي".
الخوف من الترحيل يرافقها طيلة اليوم كما أنها تتحسب لترحيلها القسري كل يوم". عائلتي في مدينة القيروان تعلم عن وضعي في برلين، أنا على اتصال يومي معها عبر سكايب، الكل ينصحني بعدم العودة الطوعية إلى تونس حيث البطالة تنتظرها.
تخصص منظمة بروازيل لزوارها من المهاجرين غير القانونيين موظفين مختصين في تقديم الاستشارة القانونية مثل السيدة ماريون كوني، التي ترى ضرورة في قبول لجوء التونسيين مثلما أقره المجلس الاتحادي الألماني قبل أشهر، قائلة إن تونس غير آمنة ، ناهيك عن المعاملات البوليسية العنيفة في مخافر الشرطة وفي السجون التونسية.
وترى السيدة كوني أن "ترحيل الشباب التونسي حاليا يحدث حالياً بطريقة تعسفية وغير قانونية، وننصح التونسيين بالذهاب إلى محامين اختصاصيين يقدمون خدمة مجانية ومهنية. وحتى إن كانت نجاحاتهم محدودة فإن هؤلاء المحامين قادرون بحنكتهم على تمديد الإقامة لدوافع إنسانية أو صحية"، وتضيف قائلةً: "إنها الطريقة الوحيدة التي تجعل هؤلاء يعيشون ولو لبعض من الزمن بطريقة قانونية في ألمانيا".
شكري الشابي - برلين