مهاجرة سورية: ربما يلزمنا الاحترام لنصحو باكراً!
٢٣ أكتوبر ٢٠١٦استيقظت في الصباح الباكر جدا، في ذلك الوقت الباكر الذي ينتقد كبارنا فقره بين أبناء جيلي عندما كنت في سوريا، بالنسبة لي مأساة صباحية، أتحايل على قسوتها بتجميلها برائحة القهوة وصوت فيروز كصور من الزمن الجميل لتصبح أخف وطأة وتطرد عني بقايا النعاس واستذكار كل المواعيد الصباحية التي رتبتها لمدة سنة قادمة.
منذ أن بدأت ذاكرتي بتسجيل أحداث حياتي المتعاقبة كحلقات مسلسل متعدد الأجزاء، أولى المشاهد التي أذكرها وجه أمي توقظني للذهاب إلى المدرسة، صوت فيروز، المدفأة، ورائحة الشاي التي اختلفت مع الزمن.. والأهم الجري السريع إلى مدرستي إذ اعتدت التأخر دائماً وخصوصاً في المواعيد الصباحية في كل أجزاء مسلسلي!
على أية حال ذهبت في ذلك اليوم إلى موعدي لمقابلة موظفة شؤون الطلاب الأجانب في جامعة بون بألمانيا، التي لم تتأخر يوماً في الإجابة عن أسئلتي الكثيرة ولم تتردد في مساعدتي اطلاقا ً-على نحو مفاجئ حقاً- الأمر الذي لمسته في ألمانيا خلال تقديم طلبات الدراسة، حيث تمت المراسلات مع الجامعات بسلاسة عبر البريد الالكتروني وباستجابة سريعة وأسلوب لطيف وودي ملاحظ، لم تكن عملية التسجيل الجامعي ومتابعتها عبارة عن عقوبة منهكة للأعصاب أو كالسيل الذي يطفئ شعلة الحماس كما كان الحال في سوريا. حيث أذكر جيداً رئيس قسم شؤون الطلاب في جامعتي بحمص، عندما أخذ يركل الحائط بقدمه لعدة ثوان متتالية بسبب سؤالي له عن نتائج الامتحانات، حيث لم يكن له جواباً. ولأنه (رئيس) قسم شؤون الطلاب، المدعوم كما كان يبدو من إحدى جهات السلطة العليا "المقدسة" في البلد، يحق له الركل والصياح لإظهار الاحترام الرفيع الذي يتمتع به. ترك مشهد ذلك الموظف في نفسي أثرا بالغا، وخصوصاً، لأنني لم أقل له عالياً (هِش).. بمعنى آخر إخرس.
في ذلك الصباح الرمادي البارد كلوحة فنان مكتئب، وقفت بانتظار القطار المتجه إلى الجامعة، كانت مدة انتظاري المفترضة 10 دقائق فقط، وبعد 5 دقائق انتظار، ظهرت على الشاشة كتابة تعلن عن تأخر القطار لمدة ربع ساعة إضافية، تململت قليلاً لأن الفكرة المثالية عن هذا البلد الذي يعرف بدقة المواعيد قد أصيبت مراراُ برصاص الخذلان فيما يتعلق بمواعيد القطارات على وجه الخصوص، إلا أنني لم أتمكن من إخفاء ابتسامتي عندما سمعت طفلاُ ألمانيا يقول لوالدته غاضباً :"القطارات الألمانية لا يعوّل عليها". بحثت عبثاً في كل أركان ذاكرتي عن مؤسسة واحدة أو أي تفصيل آخرعن بلد يعوّل عليه، لكنني لم أجد، فهل خانتني الذاكرة أم خانني الوطن؟.. هذه المقارنات الخاسرة غير مقصودة غالباً، غير أنها تطفو من اللاشعور إلى الوعي لتعيد رسم المشاهد القديمة التي نحب كل ما فيها من تناقضات وسقوط، مثل سقوط الياسمين على أرصفة الشوارع السورية.
جاء القطار أخيراً، وبالرغم من تأخره، إلا أنني لم أتأخر عن موعدي إذ كنت أقصد الخروج أبكر من المعتاد تحسباً لأي طارئ، كالتأخير الذي حدث، وذلك لرغبتي بعدم تكرار المشهد الحاضر دائماً في كل قصة في حياتي لا سيما بأنني قد بدأت قليلا ..وأعني قليلاً، بالتخلي عن هذه العادة، ولأن تلك الموظفة اللطيفة في مكتب شؤون الطلاب الأجانب تستحق أن أبادلها الاحترام الذي أظهرته لي بمناسبات عديدة.
وصلت مكتبها واستقبلتني كالمعتاد بابتسامة لطيفة مجيبة عن كل أسئلتي بصدر رحب، لدرجة تشعرني بأنني صديقتها، والسبب البسيط أنها تقوم بعملها ( الاهتمام بشؤون الطلاب الأجانب) بكل مصداقية واحترام. انتهى الموعد وأنهيت ما جئت لأجله وغادرت المكتب غير مستاءة كالمعتاد من المواعيد الصباحية المزعجة التي أمقتها...فربما لم نكن بحاجة سوى للقليل من الاحترام لنستيقظ باكراً!.
ريم ضوا