منعطف في المشاركة الألمانية في عمليات استتباب الأمن في الخارج؟
٢٦ فبراير ٢٠١٤بضع أيام قليلة وتتتضح معالم السياسة الخارجية والأمنية لألمانيا، حيث سيعقد في 27 من فبراير/ شباط 2014 بالعاصمة البلجيكية بروكسيل مؤتمر الدول المشاركة بقوات في العملية العسكرية الدولية الدائرة في جمهورية إفريقيا الوسطى. وحسب كاترين آشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فإن نصف عدد الجنود الذين يبلغ عددهم 1000 جندي، يفتقدون إلى الخبرة اللازمة. أما ألمانيا فلم تقدم حتى الآن أي معلومات حول عدد الجنود الذين سترسلهم في هذه المهمة، كما لم يدل ووزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل يا بأي تصريح عن القوات العسكرية التي سترسلها ألمانيا. أما الشيء الوحيد المتفق عليه إلى حد الآن هو أن الجيش الألماني سوف يرسل الطائرة الطبية الخاصة (MedEvac) بفريقها الطبي لإسعاف ونقل الجرحى.
توقعات عالية
بالنسبة للعديد من المراقبين في الاتحاد الأوروبي وفي حلف الشمال الأطلسي وفي الأمم المتحدة كانت التصريحات الألمانية خلال الأسابيع الأربعة الماضية توحي بالمشاركة الفورية للقوات الألمانية في العملية العسكرية. فقد أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين (من الحزب الديمقراطي المسيحي) أن القوات الألمانية لم تستنفد قدراتها القتالية وأن ألمانيا لا تستبعد المشاركة في العملية العسكرية في جمهورية افريقيا الوسطى.
وكان الرئيس الألماني يوآخيم غاوك قد اقترح في وقت سابق أنه يجب على ألمانيا أن تأخد التهديدات على محمل الجد ويجب عليها أن تبذل جهدا أكثر من أجل استثباب الأمن، الذي يسهر على تحقيقه في الأساس آخرون. هذه التصريحات ولدت عند الحلفاء الانطباع بأن ألمانيا ستكون أكثر جرأة لتقلد مهام عسكرية صعبة مستقبلا.
وطرح الرئيس الألماني يوآخيم غاوك في مؤتمر الأمن الذي عُقد أواخر يناير بمدينة ميونيخ نقطة المشاركة الألمانية في المهام العسكرية للنقاش، ورافق هذا التصريح رد فعل مفاجئ وإيجابي للرأي العام عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ونوِّه بالتغيير الجدير بالاعتبار، وبالنهج الجديد الجديدة للسياسة الألمانية. وأشاد الكثيرون بالموقف الألماني، ولكن النقطة الحاسمة كانت تأكيد وزيرة الدفاع فون دير لاين على المشاركة في المزيد من البعثات العسكرية الخارجية. وقالت يانا بوغليغين الخبيرة في السياسة الأمنية والعلاقات بين ضفتي الأطلسي من المعهد الألماني للسياسة الخارجية: "تغيير جدري في الموقف الألماني رافقه رد فعل لم يكن في الحسبان".
لا للمشاركة العسكرية غير الممنهجة
وسائل الإعلام الأمريكية تجاهلت العديد من التوضيحات وكذلك تعقيدات الموقف الألماني، كما ترى الخبيرة بوغليغين وتضيف متنبأة بأنه: "لا للالتزام العسكري المطلق، وإنما فكرة الدفاع ستأخد مسارا آخرا". وهذا يعني أن ألمانيا ستلتزم بتدريب الجنود الأجانب، وتقديم المساعدة للاعتماد على النفس عند الضرورة، إضافة إلى تقديم الدعم اللوجستي.
وجاءت تصريحات عدد من أعضاء الائتلاف الحكومي مماثلة، وأوضح وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير (من الحزب الديمقراطي الاشتراكي) أن السياسة الألمانية تفضل الحلول السياسية والمدنية في المشاركة العسكرية، وأن هذا مبدأ أساسي يُنطلق منه. وقال فيليب ميسفيلدر خبير السياسة الخارجية في الحزب الديمقراطي المسيحي في مقابلة أجراها مع دويتشه فيله، إن المشاركة الألمانية يمكن أيضا أن تُعزز التعاون في مجال مساعدات التنمية والمساعدات الاقتصادية، أو كذلك في تدريب الشرطة. وأن هذه المشاركة لا يجب أن تكتسي طابعا عسكريا في المقام الأول.
هذا النهج الحذر تتبناه معظم اللجان البرلمانية كلجنة الدفاع ولجنة السياسة الخارجية مثلا. ففي هاتين الهيئتين يتم تحضير جميع القرارات التي سيتم التصويت عليها لاحقا في البرلمان الألماني (بوندستاغ) كالمشاركة العسكرية الألمانية في مهام دولية.
أنييتسكا بروغر تُمثل حزب الخضر في لجنة الدفاع، وتصف المزاج الحالي على النحو التالي: "الكل متفق في الأحزاب على الاستمرار في ثقافة عدم التسرع في أخد القرارات". يجب على النواب الانتباه على أن أي إجراء جديد سيؤدي حتما في المستقبل إلى سياسة استراتيجية طويلة الأجل، وتقول أيضا: "هذا درس يجب على العديد من النواب أخد العبر فيه، والمقصود هنا المهمة العسكرية الألمانية في أفغانستان".
حل الأزمات الشائكة بطريقة مدنية
""لا أرى أي مجال للتدخلات العسكرية الكبيرة" كما تذكر أنييتسكا بروغر في توقعاتها بلجنة الدفاع. تقرير المفوض للشؤون العسكرية يُظهر أيضا أن مهام الجيش الألماني سوف تكون في نطاق المعقول. وترى أنييتسكا بروغر أن تدابير التقشف المستقبلية سوف تؤدي حتما إلى تغيير جدري، ومعالجة القضايا الشائكة عن طريق تدخل سليم كما يراه عدد كبير من أعضاء البرلمان الألماني وكذلك الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان. ومن بين التدابير اللازمة لاحتيواء المشاكل إعادة بناء البنية التحتية الإدارية. وعلى ألمانيا التفكير في إرسال رجال للقضاء ورجال للشرطة وخبراء إداريين للمناطق المنكوبة لمعالجة الأزمات الطارئة هناك. وخير مثال على ذلك بعثة للاتحاد الأوروبي إلى الكونغو في عام 2006 لتحقيق الاستقرار وتشجيع العملية الديمقراطية.
وكأساس مهم لاتخاذ قرارات في المستقبل بشأن التزام ألمانيا للمشاركة في العمليات الدولية تعتمد لجنة الدفاع على التقرير السنوي لكل المعاهد الألمانية المختصة في أبحاث الشؤون الأمنية، والنتائج التي توصل إليها الخبراء يتم قرائتها وأخذها على محمل الجد. وهناك دراسة لمؤسسة من ولاية هيسن تبحث في قضايا الصراع والسلم (HSFK)، لفتت انتباه لجنة الدفاع. وقامت هذه المؤسسة بدراسة تأثير التدخلات العسكرية الإنسانية على الواقع الإنساني.
"دراستنا جاءت بنتائج مخيبة للأمل" كما يرى ماتياس ديمبينسكي الباحث في الشؤون السلمية من مؤسسة (HSFK). ويضيف أن نصف الحالات التي قامت مؤسسة (HSFK) بدراستها، عرفت انخفاضا لأعمال العنف الدامية بين الأطراف المتناحرة، لكن التدخل العسكري لم يكن له تأثير يذكر لحل الأزمة بشكل نهائي. والانتكاسات التي عرفتها أي أزمة عسكرية في منطقة معينة وفشل الديمقراطية فيها، توجد كذلك في سيناريوهات لحالات مماثلة عرفت تدخلا عسكريا محضا.