مصر تقيم منطقة عازلة ـ لا رئة تتنفس بها غزة بعد اليوم
٣٠ أكتوبر ٢٠١٤يتجادل بائع السجائر محمود عطا مع زبائنه بصوت مرتفع. والخلاف وفق ما أشار البائع لـ DW عربية هو حول ارتفاع أسعار السجائر بأنواعها. ويضيف البائع أن اسعار السجائر ارتفعت (ستة أضعاف ثمنها الأصلي). ويعزو التاجر هيثم عاشور ارتفاع أسعار السجائر إلى "إعلان الجيش المصري بناء منطقة عازلة على الجانب المصري". ووفق حديث هيثم لـ DW عربية فإنه يتعاون مع تجار يُهربون السجائر من خلال الأنفاق مع مصر، لكنه يؤكد أن الإجراءات الأمنية المصرية والشروع في تنفيذ إجلاء أهالي رفح المصرية "سبب اضطرابا في حركة البيع والشراء وألهب أسعار السجائر".
ويقول أبو طارق، وهو صاحب نفق من أنفاق غزة: "كنا نعمل بتهريب السجائر بشكل رئيسي وغير مُعلن، الآن بات الأمر مستحيلا بعد الحديث عن منطقة عازلة على طول الحدود مع مصر". حالة القلق من الحملة التي ينفذها الجيش المصري على الجانب الآخر من الحدود انعكست مخاوفها على سكان رفح الفلسطينية أيضا. فيما تباينت ردود فعل الأحزاب السياسية على الحملة المصرية، ففيما تقول أحزاب إنها"حقٌ ٌوشأنٌ مصري"، ترى فيها أخرى "تكريسا لحصار جديد".
يزيد الخناق
لم تعد منطقة الشريط الحدودي مع مصر منطقة نشطة لتهريب البضائع وفق مشاهدات DW. لوحظ تحرك لمدرعات الجيش المصري منتشرة بشكل لافت عند بوابة صلاح الدين وتل زعرب على الجانب المصري. محمد وخالد الشاعر يقطنان على الشريط الحدودي من الجانب الفلسطيني. يشير المواطنان في حديثهما لـ DW عربية إلى أن المنطقة الحدودية تشهد حالة من التهجير لبعض السكان على الجانب المصري، فيما أصوات بعض الأعيرة النارية تسمع أحيانا من هناك أيضا.
ويتخوف المواطنان من إجراءات أمنية قد تطال منازلهم حال اتخاذ إجراءات مستقبلية مصرية أو فلسطينية. ويرى المواطنان أن الإجراءات المصرية لإقامة المنطقة العازلة "تزيد الخناق والحصار على أهالي غزة". بيد أن للمواطن منصور زعرب رأيا آخر إذ يقول: "المستفيد من تجارة الأنفاق مجموعة محدودة، ولمصر حق طبيعي في حماية حدودها".
وفي حين يرى التاجر هيثم عاشور أن تجارة الأنفاق اعتمدت مؤخرا على "السجائر المهربة"، يعرب المواطن خليل حمدونة عن اعتقاده بأن المنطقة العازلة "لقمة سهلة لإسرائيل إذا ما فكرت في احتلال القطاع مستقبلا لعدم وجود كثافة سكانية وما منعها من احتلال غزة في الحرب وجود أحزمة سكانية على تخوم القطاع الشمالية والشرقية".
تضامن مع الجيش المصري
الحدود المصرية الفلسطينية رُسِمت بعد اتفاقات في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي قبل انسحابه من غزة عام 2005. وتقول القاهرة إن "إقامة منطقة عازلة بعمق 500 متر من الشريط الحدودي بين رفح وقطاع غزة تستهدف إيجاد حزام امني يُمَكِن قواتها من كشف محاولات التسلل والقضاء على الأنفاق". ويرى نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين تحسين الأسطل أن مصر تتعرض لمؤامرة وعمليات إرهابية منظمة، لذلك لها الحق في اتخاذ التدابير الأمنية للحفاظ على أمنها "وأي دولة في العالم لها مناطق عازلة مع جيرانها لحماية أمنها"، حسب تعبيره.
ويضيف الأسطل في حديثه لـ DW عربية أن "الجميع يتفهم الإجراءات التي يتخذها الجيش المصري من أجل حماية حدوده". مشيرا إلى أن مصر قدمت ومازالت الكثير للشعب الفلسطيني وقضيته ولا يمكن أن تشارك في محاصرة غزة " فالمساعدات تأتي عن طريقها".
المتضرر الأكبر حركة حماس
بدورها نددت أوساط حزبية فلسطينية بالعمليات الإرهابية التي طالت الجيش المصري في سيناء، كما أكدت السلطة الفلسطينية على أحقية مصر بإقامة منطقة عازلة على الحدود بهدف تحقيق الأمن والقضاء على الإرهاب. المحلل السياسي عبد الله سعد يلفت الانتباه إلى "وجود جماعات دينية إرهابية متشددة من عشرات الجنسيات العربية والإسلامية بمن فيهم المصرية، وعدم إطلاق الاتهامات مباشرة إلى قطاع غزة".
ويعتبر سعد أن غزة ضد الإرهاب بكل إشكاله ومُسوقيه. ويقول لـ DW عربية "نحن مع المنطقة العازلة الأمنية ومصر وغزة في قلب واحد وأجزم أن غزة بريئة من أي عمل دنيء يصيب أحبتنا المصريين حتى وإن تأكد وجود تصرفات فردية منحرفة فكريا". في المقابل حركة حماس أعلنت في شهر أبريل/ نيسان الماضي عن إلغاء هيئة الأنفاق، ودأب قياديون في حماس على نفي الاتهامات بالتدخل المصري معتبرين المنطقة العازلة شأن مصري. بيد أن سعد يرى أن حماس هي "المتضرر الأكبر باعتبار الأنفاق ملاذها الآمن للإمدادات الخارجية".
يجب على حكومة الوفاق بسط سيطرتها على المعابر
الإغلاق المتكرر لمعبر رفح الحدودي مع مصر مازال قائما. ووفق التصريحات المصرية فإن "الحملة الأمنية وخطورة الأحداث في سيناء أجبرتها على إغلاق معبر رفح حتى إشعار آخر". لكن في نظر الكثيرين من أهالي غزة فإن المعبر "ومنذ إعلان اتفاق القاهرة بوقف إطلاق النار مع إسرائيل مازال متعثرا جدا ويعمل بآلية معقدة وبشكل بطيء للغاية".
ويرى أستاذ العلوم السياسية والإعلام في جامعة فلسطين عمير الفرا أن "بَسط حكومة الوفاق وحرس الرئيس (محمود عباس) سيطرتهما على المعابر والحدود وفق اتفاق القاهرة الأخير قد ينهي هذه الإشكاليات والاتهامات المصرية لبعض الخارجين عن السيطرة، وفي ذات الوقت يرفع الاتهامات المتكررة عن حماس وغيرها بارتباطها بأي عبث أو مس بالأمن القومي المصري".