منطقة القبائل في الجزائر.. من "الربيع الأمازيغي" إلى الحراك
١٨ أبريل ٢٠٢١كانت منطقة القبائل التي تضم قرى ومدناً جبلية تقع شرق الجزائر العاصمة، في طليعة النضال من أجل الهوية واللغة الأمازيغية منذ ستينات القرن الماضي. و تم إنكار هذه الهوية لفترة طويلة لا بل قمعها من قبل الدولة الجزائرية التي قامت على الهوية العربية.
في العام 1963، بعد عام على الاستقلال، أسس النائب الأمازيغي وأحد قادة حرب الاستقلال حسين آيت أحمد، المتمرد على سلطة أحمد بن بلة وهواري بومدين، جبهة القوى الاشتراكية، التي دافعت عن الهوية الأمازيغية والديمقراطية. وشنّ تمرداً مسلحاً في منطقة القبائل، فقمعته السلطة بشدة واتهمت مقاتلي جبهة القوى الاشتراكية بـ "الانفصالية".
في 1980، كان شكل منع محاضرة للشاعر الأمازيغي مولود معمري بداية "الربيع الأمازيغي"، وهو سلسلة من التظاهرات في منطقة القبائل والجزائر العاصمة للاعتراف بالأمازيغية "لغة وطنية". اقتحمت قوات الأمن حرم جامعة تيزي وزو أهم مدن منطقة القبائل الكبرى، وأصيب العشرات من الطلاب.
اعتباراً من العام 1988 ومع الاعتراف بالتعددية السياسية، أظهرت السلطة بعض التسامح مع "الحركة الثقافية البربرية (الأمازيغية)" التي قادت الحركات الاحتجاجية، وفي العام التالي، أسس سعيد سعدي مع مناضلين من هذه الحركة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو حزب علماني معارض.
في ربيع العام 1995، في خضم الحرب الأهلية، دعت الحركة البربرية إلى مقاطعة الدراسة. فاندلعت تظاهرات حاشدة وإضرابات عامة في منطقة القبائل "من أجل الثقافة الأمازيغية وضد الإرهاب".
"الربيع الأسود"
ومنذ أعمال الشغب الدامية التي اندلعت في "الربيع الأسود" في نيسان/أبريل 2001 في منطقة القبائل في شمال شرق الجزائر، شهد الأمازيغ تلبية بعض مطالبهم المتعلقة بالهوية، لكنهم يشاركون بقوة في الحراك الشعبي حتى لا تتكرر المأساة.
اقرأ أيضاً: أسكاس أماينو: ماذا تعرف عن التقويم الأمازيغي؟
في 18 نيسان/أبريل 2001، أصيب طالب في المرحلة الثانوية يبلغ من العمر 18 عاماً، ويدعى ماسينيسا قرماح، بجروح خطيرة جراء إطلاق النار عليه من سلاح كلاشينكوف في مقر الدرك الوطني في بني دوالة، وهي بلدة جبلية بالقرب من تيزي وزو، شرق الجزائر العاصمة. وكان قرماح أوقف بعد مشاجرة عادية بين الشباب والدرك. وتوفي بعد يومين، بالتزامن مع ذكرى "الربيع الأمازيغي" في 20 نيسان/أبريل 1980، عندما قامت السلطات بقمع المظاهرات المؤيدة للأمازيغية، فاندلعت أعمال شغب أشعلت المنطقة. وانتشرت أعمال الشغب، التي غذاها السخط الاجتماعي، في كل منطقة القبائل ثم مناطق أخرى من الشرق، ولا سيما في الأوراس.
ونزل السكان إلى الشوارع للمطالبة بإغلاق مقرات الدرك الوطني في المنطقة. وتحولت المظاهرات إلى أعمال شغب، ثم مواجهات مع قوات الأمن التي أطلق عناصرها الرصاص الحي.
بعد سياسي واجتماعي للقضية الأمازيغية
وأصبحت لجان القرى (العروش) في منطقة القبائل في مقدمة الحركة الاحتجاجية. فنجحت، من خلال خلق "تنسيقية"، في حشد مئات الآلاف في مسيرة في 21 أيار/مايو في تيزي وزو وفي 14 حزيران/يونيو في الجزائر العاصمة.
وأعطت أعمال الشغب، التي أسفرت عن 126 قتيلاً وآلاف الجرحى، بُعداً سياسياً واجتماعياً لقضية الهوية الأمازيغية بجوهرها الثقافي منذ عام 1980.
في 29 تموز/يوليو، خلصت لجنة تحقيق وطنية إلى أن الدرك كان مسؤولاً عن بدء أعمال الشغب وقمعها. وجاء في تقرير اللجنة أن "العنف المسجل ضد المدنيين هو عنف حرب باستخدام ذخائر الحرب".
وقرر الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة - الذي انتخب قبل عامين من ذلك على أساس تعهّده إحلال السلام في البلد تشكيل لجنة تحقيق، وعهد برئاستها إلى الخبير القانوني محند إسعد، وهو من منطقة القبائل.
الأمازيغية لغة رسمية
في 12 آذار/مارس 2002، أعلن بوتفليقة أنه قرر "تضمين تعديل الدستور مادة تعترف بالأمازيغية كلغة وطنية دون أي هدف إلا لخدمة الوطن والمصلحة الوطنية". وفي 8 نيسان/أبريل، اعترف البرلمان بالأمازيغية كلغة وطنية ثانية إلى جانب اللغة العربية، تتويجاً لنضال استمر قرابة 40 عاماً في منطقة القبائل.
في 7 شباط/فبراير 2016، صادق البرلمان بأغلبية ساحقة على مراجعة جديدة للدستور نصت على أن الأمازيغية هي الآن "لغة رسمية" بينما اللغة العربية "هي اللغة الوطنية والرسمية" و "تظل اللغة الرسمية للدولة".
في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2017، تظاهر مئات الطلاب لمدة أسبوع في عدة مدن، خاصة في منطقة القبائل، بعد رفض تعديل برلماني ينص على "تعميم تدريس الأمازيغية في جميع المدارس الحكومية والخاصة" في الجزائر مع إضفاء الطابع "الإجباري" على القرار.
اقرأ أيضاً: محاكمة شخص في الجزائر بتهمة رفع راية أمازيغية والنيابة تطلب بسجنه 10 سنوات
وفي 12 كانون الثاني/ يناير 2018، احتفلت الجزائر بـ "ينّاير"، رأس السنة الأمازيغية الجديدة، التي أُعلنت يوم عطلة نهاية عام 2017، لأول مرة في بلد في شمال إفريقيا موطن الأمازيغ.
حراك غير مسبوق
ومناسبة "ينّاير"، تم الاحتفال بها لفترة طويلة في الجزائر - لا سيما في المناطق الناطقة باللغة الأمازيغية، حيث كان هذا اليوم عطلة بحكم الأمر الواقع - لكن الرئيس بوتفليقة أعطاها طابعاً رسمياً، حيث أعلن أنه يوم عطلة في الجزائر "لتوطيد الوحدة الوطنية".
في 30 نيسان/أبريل، صوت النواب لصالح إضافتها إلى قائمة الأعياد الوطنية، وبذلك أصبح يوم 12 كانون الثاني/يناير عطلة مدفوعة الأجر.
وفي 16 شباط/ فبراير 2019، تجمع بشكل عفوي آلاف المتظاهرين المعارضين لولاية رئاسية خامسة لبوتفليقة في خراطة بولاية بجاية في منطقة القبائل. في 22 شباط/فبراير، امتد الاحتجاج إلى الجزائر العاصمة، ثم إلى بقية البلاد، حتى تحول إلى حركة شعبية غير مسبوقة، عُرفت بالحراك تطالب بـ"تفكيك النظام" القائم منذ الاستقلال عام 1962. حشد الحراك السلمي الناس بقوة في منطقة القبائل المتمردة بطبيعتها، وسيُحكم على عشرات المتظاهرين بالسجن بتهمة رفع الراية الأمازيغية، التي منعها الجيش في المسيرات. لكن الراية لم تختف تماماً.
وتعد منطقة القبائل موطناً لأكبر عدد من الأمازيغ في الجزائر التي تضم نحو 10 ملايين ناطق باللغة الأمازيغية، ما يعادل ربع السكان وهم القبائل، والمزابيون في وادي ميزاب (في الوسط)، والشاوية في الأوراس (الشرق) أو الطوارق (جنوب).
والبربر، الذين يسمون أنفسهم "الأمازيغ"، والأمازيغي يعني في لغتهم "الرجل الحر"، هم من سكان شمال إفريقيا الأصليون. وتقلصت أراضيهم التي كانت تضم جزر الكناري وواحة سيوة المصرية، وسواحل البحر الأبيض المتوسط وأقاصي إفريقيا جنوب الصحراء، بشكل كبير منذ القرن السابع بعد الفتوحات الإسلامية وحملات التعريب.
م.ع.ح/خ.س (أ ف ب)