منطقة الساحل بعد الانقلابات - بين الإحباط والصحوة
٢٤ يونيو ٢٠٢٤"لم تكن هذه انقلابات، بل كانت اضطرابات بدأها السكان". عندما وصفت أميناتا توري باري، ممثلة المجتمع المدني في مالي، الوضع في وطنها بهذه الكلمات في اجتماع مع الشركاء الألمان في يونيو/ حزيران الماضي، قوبلت كلماتها بالتذمر والدهشة، ليس فقط من جانب المنظمات الألمانية؛ بل الناشطون من دول الساحل كانوا أول من احتجوا على هذا التحليل.
وسرعان ما أصبح الأمر واضحا: الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالحكومات التي تعتبر رسميا ديمقراطية، في دول الساحل، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، منذ عام 2020، هزت أيضا التعاون مع ألمانيا. القيم التي تعتبر مهمة للغاية بالنسبة لألمانيا، مثل حرية التعبير والديمقراطية وسيادة القانون، تراجعت كثيرا أو تم إلغاؤها كليا.
ألمانيا تريد البقاء حاضرة
هذه الظروف، تجعل استمرار عمل المنظمات التنموية والحقوقية المستقلة صعبا. وما يزيد الأمور صعوبة هي الاختلافات الكبيرة في الرأي داخل مجموعات المجتمع المدني في منطقة الساحل نفسها، كما يعترف مارسيل مايغا، من اللجنة التوجيهية لشبكة المنظمات غير الحكومية الألمانية "فوكوس الساحل". ولكنه يستدرك بأن "هناك أيضا اهتماما كبيرا باستمرار مشاركة ألمانيا. كما أن الجانب الألماني يريد مواصلة العمل مع هذه الدول رغم كل الصعوبات".
ويؤكد أولريش توم، من قسم إفريقيا في مؤسسة فريدريش إيبرت، التي كان لها مكتب في باماكو، عاصمة مالي منذ ستينات القرن الماضي، أن الهيئات الألمانية الرسمية ترغب بدورها في مواصلة وجودها في منطقة الساحل. إلا أن الوضع، وخاصة في مالي، صعب من الناحية السياسية. وفي كل عام تقوم مؤسسة فريدريش إيبرت باستطلاع للحالة المزاجية هناك من خلال "Mali-Mètre". ويقول توم، ملخصا النتائج الأخيرة: "يمكنك أن ترى، من ناحية، أن هناك مستوى عال نسبيا من الدعم للحكومة. وفي ذات الوقت، ترى في هذه الاستطلاعات أن الرغبة الأكبر هي فرض الأمن في البلاد. وهذان اتجاهان يتناقضان بعض الشيء".
ماذا بعد الانقلابات: تقدم أم تراجع؟
ولا ترى أميناتا توري باري، رئيسة جمعية رعاية مصالح الأسرة، أي تناقض في ذلك. فالحكومات المنتخبة السابقة ببساطة لم تحل المشاكل، وتضيف: "إذا كان الشركاء مثل ألمانيا لا يريدون العمل مع مالي الآن، فهم لم يفهموا المشكلة". إذ لا يزال شعب مالي بحاجة إلى الأمن والرعاية الصحية والغذاء ويعول في ذلك على دعم الشركاء الأجانب. وتبدو حاليا روسيا على وجه الخصوص مستعدة لذلك. وتنتقد باري شكوى ألمانيا من تراجع حرية التعبير والديمقراطية، وترى أنها مبنية على سوء تقدير.
وتشكل مالي مثالا جيدا على مدى اختلاف التصورات في بلدان الساحل نفسها. حيث توصل عثمان مايغا من منظمة الشباب AJCAD (رابطة الشباب من أجل المشاركة المدنية والديمقراطية) إلى نتيجة مغايرة كليا: "إننا نشهد تراجعات كبيرة في الديمقراطية والسياسة. وحقيقة أن الانتخابات الحرة والشفافة يتم تأجيلها باستمرار تجعل الكثيرين غير راضين، خاصة بيننا نحن الناشطين من أجل المشاركة المدنية." ويعترف عثمان مايغا بوجود محاولات الآن لتعزيز المصالحة والتعايش السلمي. لكنه يرى أن الانقلاب لم يكن ضروريا لحل المشاكل العديدة في البلاد. مستشهدا بالتغيير الديمقراطي للسلطة في السنغال المجاورة: "هذا يدل على أنه يمكن تحقيق التغيير دون قلب النظام بالكامل".
الشباب محبطون
الغالبية العظمى من سكان منطقة الساحل هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما. والصورة العامة التي تميز الوضع في جميع بلدان الساحل هي إحباط الشباب وانعدام الآفاق. وهذا هو الحال أيضا في تشاد، التي خرجت مؤخرا من مرحلة انتقالية دامت ثلاث سنوات تقريبا، بإجراء انتخابات مثيرة للجدل في مايو/ أيار بعد الوفاة المفاجئة للرئيس إدريس ديبي، الذي كان في منصبه منذ عام 1990. ومع تأكيد انتخاب نجله محمد إدريس ديبي كخلف له، أصبح الآن رجل شاب إلى حد ما يبلغ من العمر 40 عاما على رأس الدولة.
لكن هذا لا يغير الوضع المقفر للشباب في الدولة، كما تشكو الناشطة الشابة في مجال حقوق النساء، إبيفاني ديونرانج: "هناك الكثير من القيود، وخاصة بالنسبة للشباب. وهناك أيضا كراهية بين المجموعات العرقية. ويشعر الشباب بالإحباط لأنهم ولدوا ونشأوا في ظل نفس النظام دون أن يتغير أي شيء". وهذا يؤدي إلى التطرف، والذي بدوره يتم قمعه بأسوأ طريقة ممكنة، كما تؤكد ديونرانج.
والآن كيف يمكن للشركاء الألمان المساعدة في مثل هذه الحالة؟ لا تؤمن ديونرانج بتقديم طلبات مساعدة جديدة باستمرار. وهي مقتنعة بأن "علينا أن نبدأ بأنفسنا أولا". وترى أن الأولوية هي لفرض حكم القانون حتى لا تصبح القوانين، المتعلقة بحماية المرأة على سبيل المثال، مجرد حبر على الورق، مطالبة بمعاقبة من يخالفها. وتضيف: "بوسع الشركاء أن يساعدونا في إنهاء هذا الإفلات من العقاب وإنفاذ حقوقنا كمواطنين".
مواصلة التعاون من أجل مصلحة السكان
يتفق جميع شركاء شبكة "فوكوس ساحل" الألمانية على أنه أصبح من المهم الآن الاستماع لبعضهم وأخذ احتياجات بعضهم على محمل الجد. ويرى مارسيل مايغا، من اللجنة التوجيهية للشبكة، الأمر بنفس الطريقة: "على المستوى الشعبي، يتوصل الناس إلى استنتاجات مختلفة. وفي بعض الأحيان تكون هناك آراء مختلفة. وهذا طبيعي تماما".
لا يزال التعاون ممكنا من أجل تحسين حياة الناس. ويجد مارسيل مايغا في كل مرة أن هذا الأمر ينجح، حتى في ظل أصعب الظروف في عمله كجزء من التوأمة بين مدينة كيمنتس الألمانية وتمبكتو في مالي: "نحن نعمل حاليا على مستوى منخفض، لكن لا يزال بإمكاننا تنفيذ مشاريع مع شركائنا المحليين تلبي احتياجات الناس".
أعده للعربية: ف.ي