"منجم المتعة": من مخبأ لذهب النازيين إلى عالم للمتعة تحت الأرض
٤ نوفمبر ٢٠٠٧هل أردت يوماً أن تتعرف على طبيعة عمل عمال المناجم؟ إذاً فعليك بزيارة "منجم المتعة" Erlebnisbauwerk الذي يتيح لزائريه الفرصة لمعايشة طبيعة عمل عامل المناجم عن كثب. ومن المؤكد أن تلك التجربة ستكون مميزة في حياة كل واحد منا.
فتحت تلال منطقة ميركرز الوديعة وسفوح جبل الرون الخضراء ينام أعمق وأشهر مناجم ألمانيا، الذي أصبح اليوم منجماً للمتعة بعد أن قامت أيادي العاملين هناك بحفره ليصل إلى عمق يتراوح بين 400 و 800 متر تحت الأرض. كان منجم المتعة في الأصل مقلعاً للبوتاسيوم المستخدم في إنتاج الأسمدة. ففي عام 1914 استخرج منه حوالي 500 مليون طن من البوتاسيوم. ويحتوي هذا المنجم على شبكة أنفاق بطول 4 آلاف كيلومتر. أما جدرانه فهي مكسوة باللون الأبيض، مذكراً بثلج الشتاء الناصع البياض، لكن مع فارق كبير في درجات الحرارة التي تصل هنا إلى 20 درجة مئوية على مدار السنة.
المغامرة والاستكشاف
تبدأ الرحلة داخل المنجم، بعد ارتداء الزائر ملابس خاصة بعمال المناجم، بركوب مركبة نقل كبيرة تنقله عبر دهاليز المنجم الضيقة صعوداً وهبوطاً بسرعة لا تتعدى 35 كيلومتراً في الساعة، إلا أن الزائر يتملكه شعور بأنه يركب إحدى سيارات الفورمولا السريعة خاصة عند المنعطفات الضيقة. ولا يكتفي سائق المركبة بهذا، بل يحاول بث روح المغامرة في نفوس الزوار من خلال إطفاء أنوار المركبة في الممرات المظلمة لثوانِ قليلة، الأمر الذي يضفي على الجولة نكهة خاصة.
ثم تأتي محطة الرحلة الثانية المعروفة باسم الملجأ الكبير أو صالة الحفلات، التي تعد اكبر قاعة في العالم موجودة تحت سطح الأرض على عمق 500 متر. وقد كانت هذه القاعة الكبيرة في السابق مقلعاً لعشرات الآلاف من أطنان البوتاسيوم. أما الآن فأصبحت مكاناً لكثير من الاجتماعات الدورية والفعاليات الثقافية، كونها تمنح جواً مثالياً وذلك لجودة الصوت وفسحة المكان. إضافة إلى وجود حانة كبيرة تطفئ ظمأ الزوار.
أيزنهاور كان في "منجم المتعة"
بعد زيارة الملجأ الكبير يكون الزائر قد وصل إلى ملجأ أخر ذائع الصيت عالمياً، لم يكن مخصصاً لتخزين البوتاسيوم بل لتخبئة الكنوز الحقيقية، أو بمعنى أصح: سبائك الذهب الخالص، إذ هُيأ هذا الملجأ ليكون مخبأً لذهب النازيين. فعندما قُصفت المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية أستغل النازيون هذا الملجأ ليخبئوا فيه احتياطي الذهب ومخزون نقد بنك الرايخ، إضافة إلى التحف الفنية القيّمة.
وبعد نهاية الحرب سيطرت القوات الأمريكية على هذا الملجأ وعلى 220 طن من سبائك الذهب، التي كانت مخبأة في غرفة "الخزينة". وزار أيزنهاور قائد القوات الأمريكية حينها ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد "الخزينة" شخصياً، ليتحقق مما وجده جنوده. وما هي إلا أيام قليلة حتى أشتهر هذا المكان عالمياً لكثرة تردده في وسائل الإعلام.
"الذهب الأبيض"... أحد عجائب الطبيعة
ومن الطبيعي أن يختفي أثر الذهب كلياً من هذا المكان، ولم يبقَ اليوم سوى الباب الذي كان يحرسه والذي كان أيزنهاور قد فتحه آنذك. إلا أن ثمة كنز أخر لم يأخذه معه أيزنهاور. ففي عام 1981 اكتشف عمال المناجم، وهم يحفرون كهفاً اصطناعياً على عمق 800 متر، كنزاً يمكن اعتباره "عالم الذهب الأبيض". فقد اكتشفوا قطعة بلورية ساحرة، أتقنت الطبيعة صنعها. لهذه لبلورة، التي يصل طولها إلى متر تقريباً، لون أبيض وهاج يصل أحياناً إلى الشفافية، وهي في غاية الجمال.
إن كنت بعد هذه الجولة تعتقد أن منجم المتعة قد باح لك بكل أسراره فأنت مخطأ، فلم يزل في جعبته السر الأخير، الذي لا بد لكل من يزوره أن يطلع عليه فهو يحتضن متحفاً قيّماً فريد من نوعه. ويحتوي هذا المتحف على شواهد تروي تاريخ وتطور عمل مناجم البوتاسيوم بشكل مفضل وممتع.