منال الشريف: لدينا في السعودية أمل في تغيير سياسي حقيقي
١٢ أكتوبر ٢٠١٧تعتبر منال الشريف من أبرز الوجوه النسائية التي كافحت وخصوصا عبر مواقع التواصل الإجتماعي من أجل تحرر المرأة السعودية من القيود الإجتماعية والدينية وتمكينها من حقوقها الاجتماعية والسياسية. وخاطرت بنفسها مرات عديدة وقادت سيارة في العاصمة الرياض، وتم إيقافها مرتين.
على هامش المعرض الدولي للكتاب بفرانكفورت، حاورت DW عربية منال الشريف حول قضايا الإصلاحات في السعودية وخصوصا ما يتعلق منها بأوضاع المرأة ودور المؤسسة الدينية ورأيها الشخصي في ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفي قصة المرأة القوية في مكة. عن قضايا الإصلاحات في السعودية وخصوصا ما يتعلق منها بأوضاع المرأة ودور المؤسسة الدينية ورأيها الشخصي في ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفي قصة المرأة القوية في مكة.
DWعربية: تقدمين كتابك بهذا المعرض الدولي، ما هي الرسالة الأساسية من كتابك لجمهور المعرض الدولي للكتاب الذي صدر باللغة الألمانية؟
منال الشريف: أنا سعيدة جدا، وكما أنني ما توقعت أن تصدر نسخة كتابي باللغة الألمانية Losfahren قبل أن يصدر الكتاب باللغة العربية والذي بات جاهزا الآن. أنا سعيدة جدا بأن يكون هنا(في ألمانيا) اهتمام بمثل هذا الكتاب الذي يحكي عن نضال المرأة العربية من أجل نيل حقوقها.
تقصدين طبعا، نضال المرأة السعودية التي حصلت أخيرا على حق قيادة السيارة..لكن هل تعتبرين القرار كاف، في ظل مخاوف البعض من شروط وتعقيدات تجعل قيادة المرأة للسيارة مسألة صعبة في الشارع؟
لا أبدا، لا توجد لحد الآن أي شروط، ولم يصدر أي شيء في هذا الصدد.. وحتى بالنسبة لمسألة "ولي الأمر" مع تحفظي على هذه العبارة، فان القرار الصادر لم ينص على اشتراط موافقة "ولي الأمر" لحصولها على رخصة قيادة السيارة، وستكون مساواة تامة مع الرجل، فببلوغها سن الثامنة عشرة يمكنها استخراج رخصة قيادة مثلها مثل الرجل.
وبالنسبة لك، ماذا يمثل الترخيص بقيادة السيارة، في مسار المطالب الإصلاحية لأوضاع المرأة في السعودية؟
موضوع قيادة السيارة هو مجرد رمز لحقوق المرأة بشكل عام في السعودية..فقد كنا دائما عندما نطرح موضوع قيادة السيارة كنا نطرحه في سياق المواطنة الكاملة للمرأة السعودية، وتحديد سن رشد المرأة ومساواتها مع الرجل في الدراسة وفي فرص العمل وفي التمثيل السياسي.
ما هي برأيك، الأولويات الآن في أجندة الإصلاحات بالنسبة للمرأة السعودية؟
لا اعتقد ان هنالك أولويات، بل هنالك حقوق كاملة غير قابلة للتجزئة. وربما تكون أولويات بالنسبة لي (منال) لكنها تختلف عن أولويات لنساء أخريات في السعودية..نحن نتحدث عن قطرات يتشكل منها بحر من الحقوق للمرأة السعودية..وهذه القطرات كلها مهمة سواء تعلق الأمر بالتمثيل السياسي أو في مراكز القرار وكسر الاحتكار لبعض الوظائف.
لكن بشكل عام لدينا في السعودية أمل بأن يكون مع القيادة الجديدة تغيير سياسي حقيقي، لأنه لا يمكن الدفع نحو تغيير إقتصادي بدون تغيير سياسي حقيقي يدعم التغيير الاقتصادي والتطور الذي يحصل في البلد، تغيير يساهم في مراقبة عمل الحكومة وفي مكافحة الفساد، كي لا يقف الجانب السياسي عائقا في سبيل التطور الإقتصادي بالبلاد.
هل تكفي النوايا أو الخطط التي أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحقيق إصلاحات سياسية ومجتمعية عميقة في السعودية أم أن الإصلاحات ينتظرها مسار صعب في البلاد؟
بالفعل يتعلق الأمر بمسار صعب جدا، لأننا نتحدث عن نظام سياسي لم يتغير منذ قيام الدولة السعودية. كانت هنالك محاولات إصلاحية منذ عهد الملك سعود عندما أراد إقامة ملكية دستورية، وتم إيقافها.
ونأمل أن تكون مع القيادة الشابة الآن في السعودية، نظرة استشرافية للمستقبل يتحقق عبرها تغيير سياسي مصاحب للتغيير الإقتصادي في البلد. واعتقد ان الطريق صعب، لأننا نتحدث عن دولة محافظة جدا وشعب محافظ جدا والدين له دور كبير في الدولة، ولذلك من المهم أن تحاول تحقيق تقدم دون أن تمس بالثوابت الأساسية للشعب السعودي، وهذا أمر مفروغ منه أن لا تمس التغييرات بالثوابت.
لكن قراءة السعوديين لتلك الثوابت تختلف، فبعد صدور القرار بترخيص قيادة المرأة للسيارة..ورغم أنه موضوع لا يمس بالضرورة بـ"الثوابت"، فقد حدثت ردود فعل قوية في المجتمع السعودي، هل يعني ذلك أن نفوذ القوى المحافظة والتي تقدم تفسيرات متشددة للدين الإسلامي، يمكن أن تعرقل أي إصلاحات؟
أنا لا أعمل في الحكومة حتى أقوم بقياس مدى معارضة أي قرارات تصدر عن المؤسسات الرسمية. أنا أعمل واستخدم وسائل التواصل الإجتماعي وأرصد نبض الشارع مثلا عن طريق الهاشتاغات المفعلة (الوسوم النشطة)، فعندما صدر القرار كان الهاشتاغ رقم واحد مضادا لقيادة المرأة السعودية للسيارة.
وماذا يعني ذلك؟
يعني ذلك أن الموضوع لم ينته، لكن الحقوق لا يمكن التصويت عليها، والشخص الذي لا يقبل حقا من الحقوق، مثل حق قيادة السيارة يمكنه أن يمتنع عن ممارسته، كأن تجلس إمرأة في البيت ولا تقود السيارة، لكن ليس من حق ذلك الشخص أن يمنع الآخرين من نيل أو ممارسة حقوقهم.
إن الأخذ والرد بين ممارسة الحق ومعارضته أمر وارد عبر التاريخ وليس مسألة خاصة بالمجتمع السعودي. وفي أي دولة ينبغي أن تسري الإرادة السياسية على الجميع، وطالما قلنا أن موضوع قيادة السيارة هو موضوع سياسي وليس اجتماعي كما يحاول الكثيرون إقناعنا به.
هنالك إرادة سياسية لإحداث تغييرات وينبغي أن تسري هذه الإرادة على الجميع. وهنالك بعض المكتسبات بدأت تتحقق، فقد صدر في نفس يوم قرار الترخيص للمرأة بقيادة السيارة، قرار بتعيين أول إمرأة متحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن، لكن لا أحد تحدث عن هذا الموضوع وهو مهم جدا بالنسبة لنا، لأنه يجسد مزيدا من التمثيل للمرأة في السلك الديبلوماسي وعلى المستوى السياسي، واعتبرها خطوة مهمة جدا وجاءت في الوقت الصحيح.
يعتقد كثيرون أن المؤسسة الدينية في السعودية تكبح الإصلاحات الخاصة بأوضاع المرأة، وكانت هيئة كبار العلماء ترفض الترخيص للمرأة بقيادة السيارة، لكنها أصدرت موقفا مؤيدا لقرار الترخيص، كيف تفسرين ذلك؟
لقد حذفوا فتوى إجازة قيادة المرأة للسيارة من الموقع الإلكتروني لمجمع الفتاوي...ينبغي أن نلاحظ أن المؤسسة الدينية ليست واحدة، فهنالك المؤسسة الدينية الحكومية وهنالك هيئات أخرى دينية مجتمعية. نحن بصدد مجتمع ذي تركيبة معقدة جدا بحكم المذاهب المتبعة والآراء الفقهية السائدة..
لكن ( الأمر الملكي من) رجل سياسي يقود البلد ، لديه (حتما) الرأي الديني الداعم لهذه الرؤية، والجميل في الإسلام أن الدين دين يسر وليس دين عسر، وهو يتغير بحسب المكان والزمان. ولذلك يختلف الأمر بين من له آراء فقهية متحجرة منذ ألف عام وبين من له رأي تجديدي.
وهل يوجد برأيك في المملكة تيار إصلاحي ديني يمكنه أن يقف في وجه التيار المحافظ؟
نعم موجود، والجميل في السعودية أن كل التيارات الدينية (الإسلامية) موجودة، تيار متشدد وتيار إصلاحي وهنالك ما يُطلق عليه التيار الوسطي. ونتمنى أن تأخذ السعودية بالتيار المعتدل فنحن لا نريد التخلي عن هويتنا أو ديننا وإسلامنا، لكن في نفس الوقت لا نريد اتباع أهواء طائفة متشددة تعيدنا إلى عصور ما قبل التاريخ. ذلك أن وضع المرأة في عهد الجاهلية لم يكن أسوأ مما هي عليه الآن.
أنت شخصيا مررت بمراحل تحول جذري في حياتك، نشأت في بيئة محافظة بمكة وكنت ترتدين الحجاب وبعد ذلك نزعته ثم ساهمت في الحركة المطالبة بحقوق المرأة..ما هي أشد العقبات التي واجهتك في مسيرتك نحو التحرر: الدين، العشيرة، الأسرة، الأعراف، المجتمع المحلي في مكة..؟
اعتقد أن المشكلة الأساسية تكمن في النساء، فعندما تصدق المرأة أنها أقل من الرجل. هذه بالنسبة لي أكبر عرقلة تواجهني. فأنا يمكنني أن أدافع عن حقوقي لكن لا يمكنني أن أدافع عن حقوق النساء إذا كن هن لا يصدقن بأن لهن حقوق. لقد كانت هذه المسألة أكبر عائق في مسيرتي.
أشدتِ في مرات عديدة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هل تعتقدين أنه يتوفر على ملامح الرجل الذي يمكن أن يقود إصلاحا حقيقيا في المملكة السعودية؟
هذه أمنياتي، والرجل وصل منذ وقت قصير للحكم. وكمجتمع سعودي يوجد به حوالي 80 في المائة تقل أعمارهم عن 40 عاما، يسعدنا أن يكون في القيادة شاب يتفهم طبيعة إحتياجات فئات المجتمع السعودي الشابة ويقلص من نفوذ التشدد الديني.
كشخص لم يسبق أن التقيت الأمير محمد بن سلمان وأتمنى أن يحدث ذلك، ولكنني أشيد بقرارات اتخذها، ونتمنى أن نرى مزيدا من القرارات الشجاعة مثل الإفراج عن السجناء السياسيين وإعطاء مساحة أكبر في حرية الرأي والتعبير وتمكين كل الطوائف من التمثيل في الحكومة وإعطائهم حرية دينية أكبر في ممارستهم شعائرهم، سواء تعلق الأمر بالطائفة الشيعية أو الإسماعيلية أو غيرها من الطوائف والمذاهب.
أنت تعيشين خارج المملكة وهنالك سعوديات متحررات ايضا يعشن خارج المملكة، هل أن ذلك مرده إلى صعوبة العيش كإمرأة متحررة داخل السعودية؟ وكيف يؤثر ذلك على مسار الإصلاحات المتعلقة بالمرأة السعودية؟
أنا أعود باستمرار للمملكة، ولا أسمي نفسي إمرأة متحررة، وإنما أنا إنسانة حرة أعيش بكرامة، واتخذ قراراتي بدون إذن أحد، وهذه هي الحرية بالنسبة لي. أعود دائما إلى السعودية، وتواجهني مشاكل كوني لا أجد ذاتي بسبب ضغوط المجتمع والتقاليد السائدة، لكن النساء أمامهن الآن المجال لإثبات أنفسهن وأن يمارسن حريتهن في داخل السعودية وليس فقط خارجها.
لدي سؤال أخير: أنت نشأت في مكة التي يوجد بها أهم الأماكن المقدسة بالنسبة للمسلمين، وبها مجتمع محافظ، فكيف تفسرين ظهور أصوات حرة وقوية خصوصا في أوساط النساء من داخل المجتمع المكاوي؟
المرأة المكاوية معروف عنها قوة شخصيتها، وهنالك أسماء عديدة من مكة، فمثلا المتحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن هي إمرأة من مكة. المعروف عن مكة أنها من أكثر مناطق المملكة تشددا لكن ظهرت أكثر الشخصيات النسائية قوة في النجاح والتفوق...هذا رأيي (تبتسم) مع كل الحب والاحترام لكل مناطق المملكة.
أجرى الحوار منصف السليمي